تحكي خيوط الخيامية قصص كثيرة عن حضارات إنسانية متعددة، تتعانق فيها مختلف الفنون الشعبية في تناغم يبدو جميلاً يشبه إلى حد كبير القصيدة الرومانسية التي تبعث البهجة في القلوب المتعبة. وفي لحظة تخطي قدماك شارع الخيامية بمنطقة الغورية، ترى مجموعة من الورش مصفوفة على الجانبين، يجلس أمامها أصحابها يترقبون خطوات المارة ربما يكون من ضمنهم سائح أجنبي أو حتى مصري أصيل يقدر حرفتهم، لا يهون عليهم طول الوقت سوى تدخين "حجر" الشيشة والسجائر فكان ذلك هو المشهد المتكرر أمام الورش بالخيامية. ولكن هناك بعض الشيوخ الذين أصروا على محاربة اندثار هذا الفن ببصماتهم الواضحة على اللوحات القماشية المعبرة عن مراحل مختلفة من تاريخ مصر، والمعلقة بمداخل المحال، وعلى جدران المعارض داخل سوق الخيامية. شنط الخيامية الجلد مجدي توفيق ذلك الرجل الخمسيني الذي عشق مهنته حتى الولع، وبات يبتكر كل ما هو جديد في صناعة "شنط الخيامية الجلد" والتي يميزها جلدها الطبيعي ورونقها الجذاب والمعاصر، مما يمكن توراثها للإجيال حسب قوله. اتقن توفيق العمل اليدوي منذ صغره، ومع تغيير العصور والأذواق أصبح التغيير أمر حتمي، وبالفعل بدأ المهني يساير العصر وخاصة بعد ظهور التكنولوجيا التي أثرت بالفعل على تلك الحرفة. "حبي لشغلي مش بيخليني افكر في اختفاء الخيامية في يوم من الأيام، دي هوايتي الي اتربيت عليها وورثتها أبا عن جد، ومنها اتعاملت مع ناس كتير مصريين واجانب، الشارع زمان كان مختلف عن دلوقتي من كتر الاجانب الي كانت هنا بس اهي ماشية"، هكذا قال مجدي معلقًا على الوضع الذي تمر به المهنة هذه الايام. لوحات تراثية وعلى أريكة مكسوة بالسجاد اليدوي تتوسط أحد المحال الصغيرة بنهاية الشارع، اعتاد أشرف هاشم 56 عاما الجلوس وسط لوحاته يمرر عينيه عليها، ربما يجد خطأ في واحدة بعدما عجزت يداه عن الإمساك بالإبرة منذ ثلاث سنوات، وتحول إلى متابع للعمل فقط، وعلى يمينه ينطلق صوت المذياع الذي لا ينقطع طوال تواجده بالورشة. يسترجع الرجل تاريخه مع المهنة قائلا "الخيامية لا تقبل إلا المفتونين بها، لأنها مهنة قائمة على الذوق الرفيع والحس الفني، كما أن عوائدها ليست مجزية خصوصا في الفترات الأخيرة، لذا لن يتحملها إلا العاشقون لها". يتعجل الصبية الذين يتعلمون تحت إمرة الإسطوات في حارة الخيامية الكسب السريع، ولا يطيقون البقاء جالسين قرفصاء ساعات طويلة من العمل، لحياكة قطعة من القماش، ويبحثون عن مهن تدر عليهم ربحاً سريعاً، ما جعل تلك المهنة في خطر بالفعل. وتمنى هاشم عودة السياحة مرة أخرى كي يتحسن وضع الخيامية وتأخذ مكانها الطبيعي بين المهن، فبعدما كانت ورشته لا توجد بها مكان كي تحمل قدم أصبحت خالية من الزبائن الامر الذي من الممكن استمراره يوما كاملًا. الخيامية في انقراض ومع مرورك بين الورش تجد حامد مختار قد افترش أمام محله في حيرة من الهدوء الذي ساد ذلك الشارع، تدوي في اذنه ضحكات الأجانب عند شراء أقمشة الخيامية التي سهر كي ينجزها في السنوات الماضية. وبنبرة تملئها الحسرة قال مختار "محدش بيقرب من المحالات، الخيامية بدأت تنقرض لان مافيش اجيال جديدة بتتعلم ده طبعًا غير التكنولوجيا والمطبوعات اللي غطت على الشغل اليدوي، كان زمان كل حاجة بتتعمل باليد، بقالنا 7 سنين قاعدين كدة والشغل قليل جدًا لأننا معتمدين على السياحة الخواجة بيقدر الشغل الي بنقعد نشتغل فيه شهور لكن الزبون المصري قليل اول لما بيشتري حاجة من الخيامية". شاهد الفيديو: