جاء الربيع العربي مؤكدًا لحقيقة أن الحكام الساقطين كانوا ذيولاً للخارج، ظلوا يدلسون طويلاً على شعوبهم بأنهم ضد التبعية، وأنهم يحفظون كرامة واستقلال وسيادة أوطانهم، والحقيقة أنهم رهنوا إرادة بلدانهم للأجنبي مقابل أن يحفظ لهم كراسيهم. بن علي، ومبارك، وصالح، كانوا تابعين للخارج، لأمريكا خصوصًا، والقذافي انتقل في دورة كاملة من الاتحاد السوفييتي إلى أمريكا، أيامهم الأخيرة في الحكم كاشفة لحجم السقوط في مستنقع التبعية حيث كانوا يتسولون دعم ماما أمريكا بأي ثمن. ولو كان الأمر بأيدي أمريكا لأبقتهم فوق كراسيهم لكن يد الله ثم يد الشعوب كانت الأقوى وأسقطتهم من فوق عروشهم. خامس هؤلاء الحكام وهو الأسد الذي يرتكب مجازر يومية ضد شعبه، وهو على عكس الأربعة الذين سبقوه تبعيته كاملة لروسيا، وقبلته الكرملين، ومن هنا سر الدفاع المستميت لموسكو عنه، كأنها تدافع عن إحدى الجمهوريات التابعة لها. وزير خارجيتها لافروف يدافع عن الأسد ونظامه أكثر مما يدافع وليد المعلم، لأن سوريا آخر تابع مخلص للروس في المنطقة، وموطئ القدم الوحيد لهم على المياه الدافئة على البحر المتوسط. الأسد أعطاها قاعدة بحرية في طرطوس. هو غير قادر على حماية نفسه من شعبه الثائر عليه، والرافض له، والمصر على إسقاطه، فاستدعى الأجنبي ليحميه. يقتل شعبه وتشاركه روسيا في الجريمة بمده بالسلاح وبالحماية السياسية بمجلس الأمن. هل هناك تبعية أكثر من ذلك؟. من موسكو يستمد الأسد العون ،ومن واشنطن كان يستمد الآخرون الدعم للبقاء في مواجهة شعوبهم، وكما فشلت واشنطن في حماية أذنابها من السقوط أمام ثورات شعوبهم، فإن موسكو لن تستطيع أن تحمي النظام القاتل من شعبه مهما وصل عدد الشهداء. لكن الفارق أن واشنطن أكثر ذكاء وبراجماتية من موسكو، فهي عندما وجدت كل حليف يتهاوى رفعت يدها عنه واتجهت لكسب ود الشعب، لم تواصل الرهان على جواد خاسر وراهنت على الشعب الجواد الفائز في كل الحالات، لم تعاند إرادة الشعوب ولم تكسب مزيدًا من العداء، أما موسكو فإنها راهنت في ليبيا على الجواد الخاسر، ولم تتعظ وتكرر اليوم نفس الخطأ في سوريا، تدعم نظامًا عائليًا من عدة أفراد ضد إرادة شعب من أكثر من 24 مليونًا حتى لو لم يكن كله ضد الأسد لكن أغلبه لا يريده، روسيا في جانب والشعب السوري الذبيح ومعه المتعاطفين معه من الأحرار في جانب آخر، وحتى بعد أن رفع العرب غطاء الشرعية عن الأسد فإن روسيا مازالت متشبثة به، أليست تلك السياسة امتدادًا لأخطاء الماضي التي أفضت إلى سقوط الإمبراطورية السوفييتية وبقاء وازدهار غريمتها الإمبراطورية الأمريكية. عقلية بوتين - ميدفيديف هي عقلية قادة الحزب الشيوعي القدامى لذلك يخسرون ما تبقى لهم من مناطق نفوذ في الشرق والغرب. حتمية التاريخ تقول إن البقاء يكون دومًا للشعوب، والفناء للحكام. كم محتل ومستعمر تعاقب على هذه المنطقة وبلدانها وكانوا يظنون أنهم باقون مخلدون فيها لكنهم زالوا وطويت صفحاتهم. وكم من حاكم وطني سقط لأنه يفتقد الوطنية والأخلاق والإنسانية، فتجربة الحاكم الوطني في بلادنا جعلته والأجنبي سيانًا في الاضطهاد والقمع والقهر، بل ربما هو أقسى في إخضاع الشعب. النظام السوري المقاوم الممانع بالشعارات فقط يستعين على شعبه بعناصر من إيران، وحزب الله اللبناني حليفيه القريبين، ويتغطى بالدعم السياسي والعسكري من روسيا حليفه البعيد. أي مقاومة وممانعة تلك؟. سقطت الأوهام والخرافات والأساطير التي ظل يتاجر بها كثيرًا بعد المجازر التي يرتكبها بحق شعبه المطالب بالحرية والكرامة بل إنه حوله إلى جماعات إرهابية مسلحة.! هذا النظام يقود نفسه بنفسه إلى الهاوية مثل سابقيه، لأنه لم يمتلك جسارة الإصلاح الحقيقي، فلو كان يمتلك حس الذكاء لكان بادر به فور اندلاع شرارة الربيع العربي، لكنه العناد والعُنْجُهية والغرور والعيش خارج الزمن. إذا الشعب يومًا أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر. إنها حكمة الشابّي العظيمة التي بدأت من بلده تونس ومرت بمصر وليبيا واليمن ولن تتوقف في سوريا.