وسط القاهرة الفاطمية تقع ورشة أولاد "أبو زيد" الذين برعوا في النجارة وتشربوها منذ نعومة أظفارهم، حيث توارثوا المهنة عن أبيهم وجدهم، ومن ثم حرص الإخوة الأربعة على تعلم مهنة النجارة باحتراف، حتى شهد التاريخ على إبداعهم. وبتركيز شديد، وملامح تبدو عليها الهدوء والسكينة، تراهم منكفئين على قطع الخشب بحب، ولا يتركونها إلا بعد أن يتم تحويلها إلى تحفة فنية راقية بزخارفها والنقش الموجود عليها كي تليق بوجودها في بيت الله. "صناعة المنابر الإسلامية" من أرقى الصناعات اليدوية التي تفتخر أيدي العمال بإتقانها إلى هذا الحد، فوضعوا نصب أعينهم جملة كانت قادرة على تحفيزهم ليخرجوا أجمل التصاميم من تحت أيديهم ألا وهي "إن الله جميل يحب الجمال". فتميزت أركان الورشة وما تحمله من أدوات ومعدات بسمات تجعلها لوحة فنية رائعة نقش عليها عبق التاريخ الإسلامي، تشعر وكأنها جوهرة أضاءت المكان وعامليه الذين احبوا الزخرفة على الأخشاب فأبدعوا. بداية عمر الورشة قصتها الطويلة، فقبل ما يزيد على قرن من الزمان، جاء الجد الأكبر لتلك العائلة، ليرسو به مركبه الصغير إلى دكان أمام "باب زويلة" لتكون الشعاع الذي أضاء في عائلته حتى بعد موته، ربما كان لا يدرك أن ورشته سوف تتحول مع مرور الزمن إلى ماركة مسجلة. حفظ حسني أبو زيد وإخوته أسرار المهنة عن ظهر قلب، وكانت مصدر فخر لهم دائما بما أنتجوا على مدار فترة احترافهم للعمل بمهنة صناعة المنابر، الذي يصل إلى نحو مئتي منبر، تنتشر في العديد من مساجد مصر. يعد منبر "مسجد الحصري" الكائن في مدينة 6 أكتوبر، من أشهر المنابر التي قام بتصنيعها أولاد أبو زيد، وهو يضاهي منبر "مسجد الحسين" في جماله وطرازه، كما كان لهم دور بارز في صناعة عدد من المنابر لمساجد في خارج مصر، والتي منها منبر "المسجد الكبير" في إسبانيا، والمجمع الإسلامي في فرنسا. ولم يتوقف سقف طموحاتهم لوهلة فدائما كان الإصرار حليفهم في خطواتهم، وحينما أدركوا أن صناعة المنابر خصيصا ليس مجرد قطعة من الخشب إنما هو فن واحتراف ودقة أصروا على تعليم أولادهم تلك المهنة لتظل خالدة مع تغير العصور والأجيال. شاهد الفيديو...