لم تكتف الحكومة ب15 عاماً من الفشل، مرت على وجود شركات النظافة الأجنبية فى مصر، فمع اقتراب رحيل تلك الشركات، قرر المسئولون إسناد الأمر لشركات وطنية، وعودة الزبال القديم، تم تراجعوا ليراودهم التفكير فى الاستعانة بشركات أجنبية مرة أخرى لتولى منظومة النظافة وتدوير القمامة، وبات واضحاً أنهم لم يستوعبوا الدرس جيداً، وأغفلوا ما شهدته الشوارع من تلال قمامة تملأ أرجاء العاصمة واستنزاف نحو 530 مليون جنيه سنوياً من دماء البسطاء الذين شكوا مر الشكوى من سوء الخدمة، وعلى الرغم من اقتراب موعد الرحيل، إلا أن هناك حالة من الحيرة والتخبط، انتابت المسئولين فى التعامل مع الأزمة، الأمر الذى وصفه الخبراء بالكارثى، وطالبوا بتشغيل الشركات الوطنية، فأوضاع البلاد لا تحتمل مزيداً من الأعباء الاقتصادية. حذر 42 نائباً بالبرلمان من خطورة اتجاه الحكومة لتجديد عقود شركات النظافة الأجنبية مرة ثانية، فى وقت تعانى فيه البلاد من أزمات مالية طاحنة، وعجز بموارد الدولة، ووصف البعض ما يحدث بأنه مخالف للدستور، ولقانون البيئة، وخاصة فى المواد رقم 19 و20 و21 و34 و35، والخاصة بحماية المواطنين من التلوث البيئى، وطالبوا بضرورة الاعتماد على الشركات الوطنية، لتنظيف البلاد وتوفير العملة الصعبة. منذ بضعة أشهر، أعلنت الحكومة عن نيتها للبحث عن بدائل محلية لتحل محل شركات النظافة الأجنبية التى ستنتهى عملها فى يونيو من العام الحالى ووقتها أعلن المسئولون عن ملف النظافة فى محافظة القاهرة، عن نيتهم للاستعانة بشركات وطنية مع التأكيد على عودة الزبالين مرة أخرى بعد الاستفادة من تجربة شركات النظافة الأجنبية فى الاستعانة بمعدات حديثة، إلا أننا فوجئنا منذ أيام بتراجع المسئولين عن تلك التصريحات بدون إبداء أية أسباب مقنعة، ومحاولة الاستعانة بشركات نظافة أجنبية مرة ثانية، إلا أن هذه المرة ستكون شركات «برتغالية» والدليل على ذلك ما تم فى نهاية شهر مارس الماضى من استعراض محافظ القاهرة، ورئيس هيئة النظافة، عدة قضايا هامة أثناء استقبال وزير البيئة والمرافق البرتغالى، ومن أهم القضايا التى تم طرحها جاء منظومة النظافة بالقاهرة على رأسها، ورغم ذلك ما زالت الحكومة تتكتم الأمر، خوفاً من إثارة غضب المواطنين، الأمر الذى يؤكد فشل الحكومة فى التعامل مع المخلفات، التى استمرت طوال السنوات الماضية تشوه شوارع العاصمة. تشير البيانات إلى أن حجم القمامة فى مصر يبلغ نحو 70 مليون طن سنوياً، ويصل حجم مخلفات القاهرة وحدها لنحو 18 ألف طن يومياً، منها 8 آلاف طن مواد عضوية و6 آلاف طن مواد صلبة، حيث تمثل المخلفات العضوية ما يتراوح من 50 إلى 60٪، ويتم معالجة وتدوير نحو 5.5 ألف طن منها، وينقل الباقى للمقالب الرئيسية. على الرغم من قيام محافظة الجيزة بتطبيق منظومة جديدة لنظافة الأحياء بتكلفة مالية بلغت نحو 200 مليون جنيه، وذلك بعد فسخ عقود الشركات الأجنبية، التى حلت محلها شركات وطنية تتولى أعمال النظافة، لمدة 3 سنوات، فإن تلك المنظومة لم تتمكن من القضاء على أزمة القمامة فى الشوارع أيضاً، حيث تتولى تلك الشركات جمع القمامة من نحو 25 ألف وحدة سكنية، فضلاً عن رفع القمامة من الشوارع، إلا أن الواقع يؤكد انتشار أكوام القمامة فى كل مكان، ورغم توعد محافظ الجيزة خلال تطبيق المنظومة بتطبيق القانون ومعاقبة المواطن الذى يلقى بأكياس القمامة فى الشوارع، إلا أن تلك التحذيرات لم تجد صدى لدى المواطنين، الذين استمروا فى اتباع نفس السلوكيات الخاطئة فى التعامل مع مخلفاتهم. أثبتت شركات النظافة الأجنبية طوال السنوات الماضية فشلاً ذريعاً فى السيطرة على القمامة التى أغرقت الشوارع والميادين، ما أثار استياء المواطنين، وعلى الرغم من عدم تقديمها خدمة مرضية، فإنها كبدت الدولة نحو 530 مليون جنيه سنوياً، فى محافظة القاهرة، يتحمل المواطنين منها نحو 150 مليون جنيه سنوياً، كرسوم للنظافة تضاف على فاتورة الكهرباء، كما يتم تحصيل نحو 200 مليون جنيه سنوياً من المحال والفنادق وتتحمل وزارة المالية سداد باقى المبلغ المستحق دفعه لتلك الشركات، التى لم تلتزم ببنود العقود المبرمة مع الدولة، التى كانت أهمها، رفع جميع المخلفات من صناديق القمامة بالشوارع، وجميع المحال والأسواق، وكنس الشوارع يومياً، وجمع مخلفات الأشجار، فضلاً عن أهم بند، وهو جمع القمامة من الوحدات السكنية، وجاءت فكرة الاستعانة بالشركات الأجنبية للنظافة منذ عدة سنوات، نتيجة لعدم لتوافر العمالة، والمعدات كما أكد المسئولون وقتها، إلا أن تلك الشركات استغلت وجود بعض الثغرات فى العقود، مثل وجود بند ينص على أن تقدم الشركات الخدمة بشكل مرض، فتراكمت أكوام القمامة فى كل مكان. المواطنون أكدوا رفضهم لعودة شركات النظافة الأجنبية للعمل فى البلاد مرة ثانية، بعد أن عانوا من تراكم تلال القمامة أمام منازلهم، وانتشارها فى الشوارع والميادين، وتقول سهام فتحى: الأزمة بدأت بعد اختفاء صناديق القمامة من الشوارع، ما أدى للجوء الأهالى لإلقاء القمامة فى منتصف الطريق، ليظل المواطنون فى معاناة من الروائح الكريهة التى تملأ أرجاء المكان، فضلاً عن انتشار الأمراض والأوبئة، كما يقوم البعض بإلقاء القمامة فى أى مكان فى الشوارع الجانبية، وأمام المنازل، دون مراعاة للسكان، وتلك السلوكيات الخاطئة ساعدت على انتشار الأوبئة والحشرات، وعلى الرغم من قيام عمال النظافة برفع القمامة فى نهاية اليوم، فإن الأمر يعود كما كان مع بداية الساعات الأولى من النهار، أما محمد مهران «مدرس»، فيرفض وجود الشركات الأجنبية قائلاً: كنا فى البداية نعتمد على «الزبال» الذى كان يجوب المنازل، ووقتها كانت الشوارع نظيفة، ولم نكن نشاهد أكوام القمامة فى الطريق ومنذ مجىء تلك الشركات والمواطنين فى شكوى مستمرة وغير راضين عن مستوى الخدمة، خاصة أن الحكومة تعمدت جمع رسوم النظافة من المواطن دون الحصول على خدمة مطلقاً، فكل مواطن يحمل مخلفاته بنفسه ويسير لمسافات طويلة لإلقائها فى صناديق القمامة التى تبعد مسافات كبيرة عن المنازل، ما يعد إهانة غير مقبولة. أكد المهندس حافظ السعيد، رئيس هيئة نظافة وتجميل القاهرة، أنه لم يتم الاستقرار من الآن على شركات النظافة التى ستتولى المنظومة بعد انتهاء عقود الشركات الأجنبية نهاية العام الحالى، وسواء كانت شركات مصرية أو أجنبية، فإننا بحاجة لعمل منظومة متكاملة من خلال شركات تكون قادرة على القيام بمهام النظافة على أكمل وجه، بحيث تكون مهمتها، جمع القمامة من المنازل، وتنظيف الشوارع، مؤكداً أن الشركات الوطنية الموجودة فى مصر لن تستطيع القيام بتلك المهام، فدورها سوف يقتصر على الجمع السكنى فقط، ولن تتمكن من تولى المنظومة بأكملها، وحتى الآن ما زلنا ندرس الأمر بالتعاون مع وزارة البيئة، والتنمية المحلية، حيث سيتم إلزام الشركات الجديدة والتى ستتولى المنظومة فى العقود الجديدة بضرورة تطوير منظومة الجمع المنزلى، خاصة أن الشركات الأجنبية القائمة بالعمل الآن فشلت نتيجة لسلوكيات المواطنين الخاطئة فى إلقاء القمامة بالشوارع، فضلاً عن الزيادة السكانية المستمرة التى لم توضع فى الحسبان، كما أن فكرة جمع القمامة من خلال الصناديق الموجودة بالشوارع أدت لتراكم القمامة، كما اعترف المهندس حافظ السعيد بوجود أخطاء فى عقود الشركات الأجنبية التى تعمل فى مصر منذ 15 عاماً، التى جعلت تلك الشركات تعمل بنظام ورديات أقل من المطلوب وتلك الشركات لم تقصر فى أداء عملها، لكنها فشلت فى تطوير المنظومة، لذا سيتم الاستقرار على منظومة النظافة الجديدة والإعلان عنها خلال شهر تقريباً. واتهم «شحاتة» المهندس نقيب الزبالين الحكومة بالمتاجرة بدم الغلابة، وعجزها عن إدارة منظومة النظافة فى مصر، رغم وجود مسئولين لهذا الأمر، قائلاً: ما زالت الدولة تصر على تهميش دور جامعى القمامة، رغم أننا نعمل بالمهنة منذ عام 1948، فما يحدث الآن يؤكد انتشار الفساد فى المحليات حيث يتم منع إصدار تراخيص مزاولة المهنة للزبالين، بينما يتم السماح للشركات الأجنبية للعمل فى البلاد، فمن المؤسف أن يتم الاستعانة بالأجانب لتنظيف مصر، ويرفض الاستعانة بشركات نظافة أجنبية مرة ثانية، فى الوقت الذى يوجد فيه ما لا يقل عن 3 ملايين زبال فى مصر، ونحو 7250 شركة نظافة يملكها الزبالون المقيدون بهيئة الاستثمار، وطالب الحكومة بعودة الزبال القديم، وتشغيل 3 ملايين عامل نظافة فى الشوارع، والعمل بنظام 3 ورديات للجمع من الشوارع، حيث يقول: سبق وقدمت مقترحاً بإنشاء جهة مختصة بالنظافة، لإعادة هيكلة المعدات الخاصة بهيئة النظافة، وحتى تكون مسئوليتها محددة، بدلاً من تدخل أكثر من جهة فى منظومة النظافة، وتضارب تلك الجهات فى إصدار القرارات، إلا أن أحداً لم ينتبه لهذا المقترح، بل واستمر المسئولون فى إغفال مطالبنا والاعتماد على الشركات الأجنبية التى أثبتت فشلها. حذرت منى جاب الله، عضو مجلس النواب، من خطورة الاستعانة بشركات أجنبية مرة أخرى، مؤكدة أن ما يحدث يدل على نية الحكومة غير السليمة، فى استنزاف أموال البسطاء، فتلك الشركات يتم التعاقد معها بالدولار، ونحن الآن نعانى من أوضاع اقتصادية سيئة ولا تتحمل مزيداً من الأعباء والضغوط، كما أن هذا الأمر لن يأتى إلا على حساب المواطنين الذين ظلوا على مدار 15 عاماً فى معاناة انتشار المقامة فى الشوارع، وتقول: تلك الشركات الأجنبية أضرت بمنظومة النظافة فى مصر، ولم تحقق الهدف المرجو، فالمنظومة بأكملها تعد سيئة، وتقترح منى جاب الله أن يتم تنظيف الشوارع والمنازل بأيدى المصريين وطرحت مبادرة «بأيدى ولادنا هانضف بلادنا»، وتلك المبادرة تهدف لتأسيس شركة وطنية كبيرة، تضم شركات النظافة الصغيرة، وينضم إليها متعهدو جمع القمامة، لعودة الوجه الحضارى للبلاد، وتطالب بعودة الزبال القديم، الذى كان يجمع القمامة من المنازل، بدون أن يشكو منه أحد، أما فى ظل وجود تلك الشركات الأجنبية فقد تحولت القمامة إلى نكبة، وعجز المسئولون عن الاستفادة من تلك الثروة المهدرة. ومن جانبه، أكد الدكتور عادل عامر، رئيس المركز المصرى للدراسات الاقتصادية السياسية، أن الدولة عليها الاستعانة بشركات نظافة محلية حتى تتمكن من تنشيط الاقتصاد المصرى، الذى يعانى من أزمات متلاحقة، وعليها الإعلان عن مناقصة عامة تشترك فيها الشركات المصرية، حتى يتم تشغيل العمالة، ودوران عجلة الإنتاج، فنحن نعانى من عجز بالموازنة يصل إلى 365 مليار جنيه، فضلاً عن وجود ديون متراكمة تبلغ قيمتها نحو 3٫5 تريليون جنيه، وتلك الديون ستتحمل نتائجها الأجيال القادمة، لأن مواردنا ما زالت محدودة، ويقول إذا لجأت الدولة للاستعانة بشركات نظافة أجنبية، فإن هذا سيؤثر سلباً على موارد الدولة ولن يكن أمام الحكومة سوى اللجوء إلى الصناديق الخاصة للاعتماد عليها فى دفع مستحقات الشركات الأجنبية الجديدة.