غريبة تدور حولها الكثير من علامات الاستفهام والتناقضات، كيف يطيقون حالهم وهم يبيتون ويصبحون وسط تلك الروائح الكريهة؟، لا يتمردون علي حالهم فهم راضون بما قُدر لهم وورثوه عن آبائهم. الحياة في حي الزبالين لا يحتملها إلا من يقطن بها، وهؤلاء تجدهم دائماً مبتسمون ويضحكون، لا يبالون بما يحدث خارج نطاق سكنهم، فكل ما يشغلهم فرز مُخلفات المواطنين لإيجاد لقمة العيش، ويُزعجهم كثيراً لفظ "الزبال" فيقولون "نحن من نقوم بتنظيف منازلكم وشوارعكم، فكيف تتهموننا ب"التزبيل"، نحن المنظفون وجامعو القمامة، وأنتم من تلقون "الزبالة" لنا". 200 مليون دولار مديونيات الحكومة لشركات النظافة نقيب الزبالين: حقوقنا ضائعة.. ولدينا 3 ملايين زبال قد يتحولون إلي بلطجية أكثر من 3 ملايين مواطن يعملون بمهنة جمع القمامة، حياتهم مُهددة طوال الوقت، إما بالإصابة بالأمراض، أو تشريدهم باستقطاب عمالة أجنبية، أو حظر تواجدهم بأمر رؤساء الأحياء، ورغم أننا نواجه أزمة حقيقية في القمامة مُنذ أكثر من عشرة أعوام، ورغم عرض الكثير من الحلول لتلك الأزمة، إلا أن التنفيذ مازال مستحيلاً علي أرض الواقع، الأمر الذي يتطلب طرح حلول جذرية لإنهاء ذلك المشهد الذي بات يؤرق الجميع. أصل الأزمة جميعنا نتذكر حالة الفرحة التي عمتنا حينما شاهدنا عربات حديثة تجوب شوارع العاصمة، وأفراداً يبدو عليهم المظهر الجيد، ويرتدون زياً موحداً نظيفاً، وقفازات، ويمرون في الشوارع الرئيسية بمعداتهم لينظفوها من القمامة، وكان هذا المشهد في عام 2002 حينما تعاقدت الحكومة مع عدة شركات أجنبية بعقود طويلة الأمد تبدأ من 2002 وتنتهي في 2017. تعاقدت الحكومة وقتها مع شركتين، الأولي "أما.عرب" الإيطالية، لتعمل في شمال وغرب القاهرة، والأخري "إف.إس.إس" الإسبانية، لتعمل في شرق القاهرة، إضافة إلي شركة تابعة لمحافظة القاهرة وهي "الفسطاط"، وتختص بجنوب القاهرة، ونص العقد المبرم بينهم علي تحصيل ملايين الدولارات سنوياً مقابل رفع القمامة، ولم تجد الحكومة وقتها بديلاً للدفع إلا عن طريق فرض رسوم للنظافة علي عدادات الكهرباء، والتي كانت تقدر بنحو 5 إلي 7 جنيهات. لم تستطع الحكومة تسديد مستحقات تلك الشركات، ووصلت مديونياتها لدي الحكومة لنحو 500 مليون جنيه سنوياً، الأمر الذي وضع الحكومة في مأزق شديد، وفكر البعض في إصدار قرار بإنهاء وفسخ التعاقد مع هذه الشركات، لكن لم تستطع الحكومة ذلك بحكم القانون، وظلت تنتظر لحين إنهاء مدة التعاقد، بعد تهديد الشركات بعرض الأمر برمته أمام المحكمة الدولية، وهو ما حدث بالفعل، حيث لجأت شركة "أما.عرب" للتحكيم الدولي لمقاضاة مصر أمام المحكمة الدولية بلندن، وطالبت مصر بتسديد 200 مليون دولار تعويضا عن عدم السداد. مخلفات عضوية شحاتة المقدس، نقيب الزبالين، أكد أن الحكومة عادت للتفاوض مع الزبالين بعد أن أثبتت الشركات الأجنبية فشلها في جمع القمامة، وكان هناك اتفاق سابق مع اللواء عبدالرحيم شحاتة، عندما كان محافظا للقاهرة، علي أن تتولي الشركات نظافة الشوارع، ونتولي نحن الزبالين نظافة المنازل، وعملنا فترة طويلة مع الشركات الأجنبية مقابل 10 قروش للوحدة السكنية الواحدة، وبعد إتمام عقود التعاون بين الزبالين والشركات الأجنبية أصبحت إلي حد ما شوارع القاهرة نظيفة من القمامة، لكن بعد عام 2008، وفي ظل عهد الرئيس الأسبق مبارك، صدر قرار جمهوري بذبح الخنازير التي كانت تتغذي علي المواد العضوية التي يتم فرزها من القمامة، وبعد إعدام الخنازير أصبح الزبالون في مشكلة حقيقية، حيث بات يوجد لدينا نحو 40% مواد عضوية من جملة القمامة، كانت تأكلها الخنازير، وأصبحت عبئاً كبيرا يصعب التخلص منه، ويبلغ حجمها نحو 5 آلاف طن يومياً. عودة الحرافيش "كلنا فاسدون"، قالها نقيب الزبالين، وفي حلقه غصة ومرارة، بسبب ما آل إليه حال شوارع القاهرة، مشيراً إلي أن الحكومة أهدرت ملايين الجنيهات في وزارة التطوير الحضاري الخاصة بالعشوائيات، بعد أن وضعت الوزيرة ليلي إسكندر، خططا لحل أزمة القمامة، ولم ينفذ منها شيء، وفي حكومة المهندس شريف إسماعيل، تم دمج الوزارة نفسها مع وزارة البيئة، وكأن شيئاً لم يكن. ولفت المقدس، إلي أن الأزمة الفعلية تكمن في إعطاء كل ذي حق حقه، والنظر إلي "الزبال" كأي مواطن له حقوق، فمن غير المعقول، ألا تخصص هيئة رسمية نخضع لها، وتشرف علي عملنا، فنحن نضع بين المحافظين ورؤساء الأحياء، مطالبنا بإنشاء هيئة لتنظيف القاهرة، تضم كل العاملين بالمنظومة. المقدس، أشار إلي أن الاستغناء عن الزبال التقليدي، واستقدام عمالة أجنبية يُهدد بكارثة، فمصر قوتها الحقيقية في الأيدي العاملة، وهناك أكثر من 3 ملايين عامل بالنظافة علي مستوي الجمهورية، ومليون مُنظف في القاهرة الكبري، يرفعون يومياً نحو مليون طن قمامة من المستشفيات، والمنشآت السياحية، والفنادق، لافتاً إلي أن الموجود بالشوارع من قمامة ليس مسئوليتهم علي الإطلاق، لأن تنظيف الشوارع مسئولية "هيئة التجميل والنظافة" التابعة للمحافظة، وتابع قائلاً "تذكروا جيدا فيلم الحرافيش قبل أن تعدموا الزبال في لقمة عيشه، فهؤلاء سيتحولون إلي بلطجية وقطاع طرق إن لم يأخذوا حقهم كاملاً". حلول واقعية وعن الحلول السريعة لمواجهة أزمة القمامة، قال نقيب الزبالين، نحن ننتظر بفارغ الصبر الوقت الذي ترحل فيه عنا الشركات الأجنبية، لكن يجب وضع حلول من الآن، وحتي إنهاء عقودهم، وأهم هذه الحلول يكمُن في تجاهل وجود تلك الشركات، والتعاقد مع الزبالين لجمع القمامة، حيث تتقاضي الشركات المبالغ المتفق عليها في العقود حتي انتهائها في عام 2017، وعمل جدولة لسداد المديونية. كما طالب المقدس، بضخ عدة ملايين من الجنيهات في عدة مناطق في القاهرة الكبري كالجيزة، والقليوبية، والقاهرة، لشراء معدات وعربات نقل، وربع نقل لإعادة هيكلة هيئات النظافة، ويتم التنبيه علي كل رئيس حي بإنشاء محطة وسيطة في الحي الذي يترأسه في قطعة أرض قريبة من الحي، ويجب أيضاً إنشاء جهاز شرطة متخصص للقبض علي أي زبال يفرز القمامة في الشوارع لأخذ المواد الصلبة منها، كما يتم القبض علي مقاولي البناء لإلقائهم مخلفات المباني في الشوارع العمومية ومطالع الكباري. كلام مسئول أمين حسن، النقيب العام للنقابة العامة للعاملين بالنظافة وتحسين البيئة، قال إنه عرض خلال لقائه مع الدكتور خالد فهمي وزير البيئة، المقترحات العاجلة والمستقبلية لمنظومة النظافة والمخلفات وكيفية الاستثمار في هذا المجال، وتتمثل في إنشاء جهاز مستقل لإدارة وتنفيذ منظومة نظافة علي مستوي الدولة باستراتيجية معتمدة من الدولة تساعد علي فتح فرص الاستثمار وإنتاج الطاقة البديلة وفتح فرص عمل جديدة لمشروعات جديدة. وطالب أمين رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل بعدم التشتت وراء أجهزة الدولة المختلفة في عرض منظومات جديدة للنظافة داخل المحافظات، وبرر ذلك بأن القائمين علي هذا الملف من سنوات ماضية هم الذين تم تكليفهم بتشكيل لجان للبت في إجراءات جديدة في منظومة النظافة مع التحفظ علي أسلوب عملهم في السابق - وفاقد الشيء لا يعطيه. وأكد، أن النقابة كانت بصدد إطلاق أكبر شركة وطنية هي الأولي من نوعها في مجال جمع ونقل وتدوير المخلفات برأس مال 100 مليون جنيه، يساهم في إنشائها بشكل أساسي العاملون في المجال، وثمن السهم الواحد 10 جنيهات، مشيراً إلي أن إطلاق شركة بهذا الحجم يهدف الي الوقوف إلي جانب الدولة في حل أزمة القمامة بجميع أنواعها. ثقافة خاطئة من جانبه، رفض صلاح السيد، عضو جمعية الصناع المصريين، الإبقاء علي الشركات الأجنبية المختصة برفع القمامة، لافتاً إلي أنه من غير المعقول أن تستقدم أناسا من الخارج ليرفعوا مخلفاتنا ونحن لدينا عمالة كثيرة، وأشار إلي أن السبب في ذلك هو الثقافة الخاظئة عن عامل النظافة الذي ينظر إليه المجتمع وبعض الأشخاص نظرة دونية في حين أن هذا العمل في الخارج يتقاضي عليه أجراً كبيراً وينظر له الجميع نظرة تقدير وفخر بما يقوم به.