مع كل طلعة شمس، يستيقظ المواطنون على واقعة سرقة جديدة لسياراتهم، فبعد تراجع تلك الظاهرة خلال العامين الماضيين، عادت جرائم سرقة السيارات والنصب والاحتيال للظهور من جديد، وفى وضح النهار، بعد أن دفعت الأزمات الاقتصادية التى تمر بها البلاد، اللصوص لابتكار أساليب جديدة للسرقة وطلب الفدية، حتى أصبحت سرقة السيارات بمثابة كابوس مفزع يراود أصحابها خاصة فى المدن الجديدة، ولم تنجح أجهزة الإنذار فى وقف تلك المهازل التى يخشى الخبراء من تحولها لظاهرة فى ظل غلاء المعيشة. أكدت دراسة أعدها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية عن ظاهرة سرقة السيارات أن هناك عدة عوامل وراء تلك الظهرة أهمها تراجع معدلات الردع والخوف من القانون بعد ثورة 25 يناير، وكشفت الدراسة أن المحافظات الحضرية التى تشل القاهرة والإسكندرية وبورسعيد احتلت الرتبة الأولى وتأتى السرقة بالإكراه فى المقدمة تليها السرقة بمفتاح مصطنع يليها فتح السيارة بالمفتاح الأصلى. وكشفت الدراسة عن تنوع طرق السرقة، فهناك أسلوب المغافلة وتوصيل الأسلاك، وهو الأكثر شيوعاً خاصة فى السيارات الحديثة، مثل «كيا سيراتو» وإيقاف السيارة تحت تهديد السلاح، والاستيلاء على السيارة بالإكراه، وافتعال تصادم ومشاجرة وخطف السيارة من المالك، وكسر زجاج السيارات، ولخصت أهم دوافع ارتكاب جرائم سرقة السيارات فى استخدام السيارات فى ارتكاب جريمة وتفكيكها وبيعها كقطع غيار أو طلب فدية من صاحبها لإعادتها، كما يمكن أن تكون سرقة السيارة بقصد سرقة محتوياتها أو بيعها بعد تغيير معالمها بإعادة طلائها وفك أجزائها وبيعها، وعلى الرغم من عدم وجود إحصائية دقيقة بعدد السيارات المسروقة خلال الآونة الأخيرة إلا أن الواقع يؤكد قيام الأجهزة الأمنية بضبط تشكيلات عصابية لسرقة السيارات ما بين الحين والآخر، فقد تم ضبط تشكيل عصابى فى القليوبية مؤخراً تخصص فى ارتكاب جرائم سرقات السيارات بالإكراه عن طريق اعتراض الطريق، وتهدد قائد السيارة بالأسلحة النارية، وسرقة متعلقاته واستخدمت العصابات طرقاً مختلفة للسرقة حيث تم القبض على عصابة بمنطقة الهرم تستهدف سرقة سائقى التاكسى من خلال طلب توصيلهم لأحد الأماكن وتخدير السائق للاستيلاء على السيارة ومساومة صاحبها بطلب فدية مقابل إعادتها. وفى أسيوط، تم ضبط عصابة تخصصت فى سرقة السيارات عن طريق كسر الزجاج وسرقة وتغيير معامل السيارة، وفى مدينة نصر تم ضبط تشكيل عصابى مكون من أربعة أفراد عاطلين، يقومون بسرقة السيارات باستخدام المفتاح المصطنع فى سرقة السيارات ومساومة مالكها نظير إعادتها، وفى الآونة الأخيرة لم يكد يمر يوم إلا ويستيقظ المواطنون على واقعة سرقة جديدة للسيارات، خاصة فى المدن الجديدة، التى تتميز بكثافة سكانية قليلة ويجدها اللصوص فرصة ملائمة لتنفيذ جرائمهم وعلى الرغم من اتخاذ ملاك السيارات للعديد من الاحتياطات لحماية سياراتهم من السرقة، فإن تلك العصابات ابتدعت الحيل والأساليب الملتوية للسرقة وتشير الدراسات إلى زيادة معدلات بلاغات السرقة خلال الأشهر الماضية سواء كانت عن طريق عصابات أو سرقات فردية وعلى الرغم من انخفاض معدلات تلك الجرائم فى العامين الماضيين، نتيجة لعودة الأمن، فإن الواقع يؤكد عودة ظاهرة سرقة السيارات بكثرة فى الأشهر الماضية، ووفقاً لتقرير الأمن العام لوزارة الداخلية لعام 2016 الماضى تم ضبط نحو 13527 من مرتكبى جرائم السرقة، شملت ضبط 2392 سيارة مبلغاً بسرقتها. وتشير الأرقام إلى وجود ما يقرب من 4 ملايين سيارة تسير فى شوارع مصر. الوقائع اليومية لسرقة السيارات عديدة ومتنوعة حيث يتم أغلبها من أمام المنازل، والبعض الآخر تحت تهديد السلاح، أو عن طريق مغافلة صاحب السيارة وسرقتها وقد تمكنا من مقابلة أحد أصحاب السيارات الذى تعرض لواقعة سرقة من أمام منزله بإحدى المدن الجديدة، ويدعى محمد ويمتلك سيارة «كيا سيراتو» وعند عودته من عمله يقوم بركن السيارة أمام المنزل، ورغم كونه يقطن بالدور الأول، فإنه لم يشعر باللصوص حين قاموا بسرقتها، ويقول: تعرضت لعملية سرقة منذ شهر تقريباً، فعندما استيقظت فى الصباح للذهاب إلى عملى لم أجد السيارة وبحثت عنها فى كل مكان بلا جدوى وبعد مرور يومين، فوجئت بأحد أفراد العصابة يقوم بالاتصال على هاتفى حيث إننى كنت أترك بعض متعلقاتى وأوراقاً مدوناً عليها رقم هاتفى المحمول بالسيارة وخلال المكالمة ساومنى الجناة وطلبوا مبلغاً مالياً يقدر ب30 ألف جنيه مقابل إعادة السيارة. ويستكمل قائلاً: فى تلك اللحظة شعرت بأننى أمام عصابات محترفة فى السرقة وانتابنى شعور بالخوف على أسرتى خاصة بعد أن هددنى أحدهم بفقدان السيارة للأبد فى حال إبلاغ الشرطة واستمر التواصل بينى وبين الجناة لعدة أيام من أجل التفاوض على تخفيض الفدية إلى 20 ألف جنيه، وعندما سألته عن كيفية التواصل معهم أكد أنه فى كل مرة كان يتلقى اتصالاً من رقم مختلف، وعندما كان يحاول الاتصال بهم يجد الرقم مغلقاً أو غير متاح. وعندما قمت بتحضير المبلغ المطلوب حدد أحد أفراد العصابة المكان الذى سنتقابل فيه، وتم الاستقرار فى البداية على منطقة الصف بالجيزة فى تمام الساعة السادسة صباحاً، إلا أنهم قاموا بتغيير المكان فى الساعات الأولى من الصباح، وحذروا من إبلاغ الشرطة لكنهم سمحوا لى باصطحاب أحد أصدقائى معى وقرروا مقابلتى فى ميدان الجيزة وعندما توجهت إلى هناك انتابنى شعور بالخوف والرعب، فما يحدث يشبه الأفلام السينمائية ويتوقف قليلاً لالتقاط أنفاسه ثم استكمل حديثه قائلاً: للمرة الثانية تم تغيير المكان وتم الاتفاق على التسليم أسفل كوبرى الهرم وعندما وصلت تلقيت اتصالاً هاتفياً من أحدهم حيث هددنى بحرق السيارة أمام عينى إذا كانت الشرطة معى، وطلبوا منى وضع الأموال بجوار شجرة كبيرة فى الشارع والابتعاد قليلاً، وبمجرد حصولهم على المبلغ قاموا بإبلاغى عن مكان السيارة وعندما توجهت لتسلمها فوجئت بها سليمة وكأنها فتحت بمفتاح أصلى، وفى النهاية أكد أن تلك الواقعة جعلتنى لا أفكر فى ركن السيارة أمام المنزل ووضعها فى أحد الجراچات الآمنة للحفاظ عليها من السرقة. ويعلق الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية على تلك الظاهرة قائلاً: ما زلنا نعانى من غياب الأمن النفسى للمواطن فى الشوارع، فما زالت عمليات السرقة تتم فى وضح النهار بالمدن والقرى، وهذا يؤكد غياب الأمن المجتمعى ويرجع زيادة معدلات سرقة السيارات فى الأشهر الماضية، نتيجة للأوضاع الاقتصادية السيئة التى تمر بها البلاد وانخفاض مستوى المعيشة والانفجار السكانى، ما يساعد على ظهور جرائم السرقة والنصب وطلب الفدية وكلما ازدادت الأزمات الاقتصادية زادت الفوضى والسرقة ويقول: لا شك أن الفقر أيضاً يعد أهم أسباب انتشار الجريمة فى المجتمع، وهذا يؤدى لظهور جرائم عديدة وبطرق متنوعة كما أن غياب الرادع القانونى يساعد الجناة على الاستمرار فى ارتكاب الجرائم بشتى الطرق، وينصح الدكتور سعيد صادق المواطنين باتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية ممتلكاتهم ووضع السيارة فى مكان آمن لأن الشوارع تحولت إلى جراچات غير آمنة ويطالب بضرورة عودة الدوريات الأمنية خاصة فى المدن الجديدة التى تعانى من سرقات يومية نتيجة لغياب الأمن وتقاعس شركات الأمن عن القيام بدورها كما ينبغى، مع ضرورة وجود سياسات جنائية رادعة لهؤلاء اللصوص للحد من جرائم السرقة المتكررة. ومن جانبه يرى اللواء فؤاد علام وكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق أن معدل الجرائم تراجع فى السنوات الأخيرة نتيجة لعودة الأمن للشارع المصرى، فقد تمكنت وزارة الداخلية من استحداث مجموعة من الأجهزة الحديثة التى ساعدت فى كشف الجرائم ومنعها وتراجعت معدلات سرقة السيارات بعد أن كانت تمثل ظاهرة مؤسفة بعد ثورة 25 يناير، وذلك بقيام المواطنين باتخاذ إجراءات احترازية لحماية سياراتهم من السرقة.