«ما دام لديك القدرة على الحياة.. عليك أن تحاول.. فالإخفاق لن يكون نهاية المشوار.. والتجارب والاختبارات لم تنجح من المرة الأولى».. بهذا المنطق يسير، ومن هنا يكون التفاؤل والإصرار.. راحته تكمن فى المعرفة والاطلاع.. وللتفاصيل متعة، بدونها لا يكون القرار. يفتش عن الصعب، حتى يتذوق طعم النجاح، متمرد على أفكاره، ويكره النمطية فى حياته، أراد له والده مكانة بين المثقفين، والنخبة، فحرص على صقل مهارته بالقراءة والاطلاع، وكان ما أراد عيسى فتحى، العضو المنتدب لشركة القاهرة المالية فى اللحظة المناسبة يتخذ القرار الذى يدعم حلمه، رسم لنفسه مساراً مغايراً منذ البداية، وفاة والده فى سن مبكرة ضاعفت مسئولياته، ورغم ذلك لم ينكسر رغم المشاكل التى حاصرته، بسبب صراحته وعشقه للعمل. موجة غضب عارمة أصابت المواطن فى أزمة غلاء يناير 77، ولكن لماذا تحمل الجميع المشهد ونفس الأزمة الحالية رغم الزيادة الجنونية للأسعار سؤال طرحه الرجل، لتأتى إجابته موضوعية بأن الشعب فى سبعينيات القرن الماضى كان من طبقة الموظفين، ولا يملكون غير رواتبهم، والزيادة تبتلعها الأسعار، فلم يكن أمامهم سبيل آخر، والآن تغير الوضع، وتعددت الدخول. جهاز كمبيوتر وملفات متناثرة، على مكتبه، يراقب ويحلل، بخبرة الأعوام يعتبر الاقتصاد فناً، لديه قدرة على إسعاد كل من يتعامل معه.. على بعد أمتار من نهر النيل، ووسط الحى الشعبى يجلس الرجل فى مكتبه، كعادته فى استقبال زائره، ارتسمت علامات السعادة والترحاب.. قبل أن يستعيد مكانه فى الجلوس.. قال: «لا أعلم لماذا يعتبر المسئولون أن الاقتصاد علاقة خطية تسير فى اتجاه واحد، والحقيقة غير ذلك تماماً، فالتراكمية والتركيبة والدائرية والتشابك هى السائدة». غرس بداخله والده المعرفة منذ نعومة أظافره، فجعل من القراءة والتعرف على ما يدور حوله دستوراً يبنى عليه طريقه، ليكون فكراً مختلفاً عن جيله يمنحه الأسبقية شخصياً، وعملياً، ليكون شغله الشاغل الطبقة المتوسطة، والبحث فيها إلى أن وصل إلى يقين أن فلسفة الاقتصاد القائمة على محدودى الدخل، لا بد أن تتغير ليحل محلها الاهتمام بالطبقة الوسطى، القادرة على الادخار. أقاطعه قائلاً: ولكن كيف؟ يرد: نعم الطبقة المتوسطة هى القادرة على الادخار بما لديها من قدرة على تحقيق فائض فى مستوياتها المعيشية، فالنماذج تشير إلى أن دا سيلڤا، رئيس البرازيل أورث بلاده الفقر بسبب الانغماس فى محدودى الدخل، على حساب الطبقة المتوسطة، وإذا أردنا التنمية المستدامة فلن تتحقق دون الطبقة متوسطة، الأمر الذى يتطلب اهتماماً من الدولة والقطاع، حيث إن قرابة 18 مليون موظف يعملون فى القطاع الخاص، مطلوب العمل على تشجيعهم من خلال منح العاملين بالشركات توزيعات أرباح تصل إلى 15%، والاكتفاء بنسبة 5% لمجلس الإدارة، بل ومنح حوافز ضريبة للشركات التى تقوم بذلك، فالطبقة الوسطى ليس القدرة على الادخار فقط، وإنما هى الطبقة التى تضم شرائح المثقفين والقادرين على التنمية، بما يحقق المصلحة العامة. واستشهد فى هذا الصدد بما فعله فورد رئيس شركة فورد للسيارات عندما منح العمال لديه أعلى الأجور، واعتراض أصحاب المصانع على هذا الإجراء، وكان رده أننى أؤسس عميلاً قادراً على شراء منتجى بالمستقبل. منحه والده ثقة لا حدود لها فتمرد على أفكاره، ليقدم غير المألوف، وكان لذلك مشاكل كثيرة فى عمله الحكومى، تتكشف من حديثه تفاؤلاً لا حدود له، رؤيته عن التعويم تحمل الاستفادة منه، بعد الحد من السوق السوداء، واختفاء الأبواب الخلفية، لكن العيب على الحكومة أنها لم تشارك الشعب فى قراراتها، وإنما فرضته عليهم، وهذا أكبر خطأ، لأن السواد الأعظم فى الشارع القادر الوحيد على إنجاح القرارات من عدمه، لأن سياسة ستينيات القرن الماضى لا تجدى حالياً. عاصر الرجل الستينى أحداثاً تاريخية يعتبرها مصدراً للسعادة، ومن هنا تكمن حالة التفاؤل والابتسامة التى لا تفارق وجهه لأنه يعلم أن للاقتصاد الوطنى قوته عندما تحسم أمر 3 ملفات وعندما يدخل الاقتصاد غير الرسمى فى مساره الصحيح، ويقدر بنحو 3 تريليونات جنيه، وقتها يكون الإجمالى فى الاقتصاد الرسمى وغير الرسمى 7 تريليونات جنيه، وبذلك يكون قادراً على تقليص عجز الموازنة 5%، ليس هذا فحسب بل إن الثروة العقارية أكثر من 90% غير مسجلة، ولو تم تسجيلها سوف تكون كنزاً استثمارياً للمواطن يستطيع من خلالها الاقتراض والاستثمار، بل سوف تمثل مورداً هاماً للمحليات لكونها القيام بالتسجيل، بديلاً للإجراءات المعقدة فى الشهر العقارى، وكذلك الاهتمام بملف المرور بدءاً من السائق والمركبات، والطرق، الذى لو أحسن استخدامه سوف يوفر 100 مليار جنيه سنوياً. كان «فتحى» يتمنى العمل فى المسار الدبلوماسى، ولكن خلال رحلته الجامعية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، تأثر بفكر أستاذته الاقتصاديين لينحرف مساره إلى دراسة الاقتصاد، وتتطلع أفكاره إلى فلاسفة الاقتصاد العالمى، ليكون له رأيه الخاص فى السياسة النقدية التى لم يكن راضياً عنها نتيجة العشوائية فى إدارة الملف، وعدم دراسته بصورة جيدة، وكان بأمر من صندوق النقد الدولى، ليكون آثاره السلبية على السوق، حتى سعر الفائدة لا بد من إعادة النظر بشأنه لأن تكلفة الاقتصاد عالية للغاية، ونفس الأمر للسياسة المالية التى تحولت فلسفتها إلى جباية تجهض نتائج التعويم، مستشهداً بضريبة الدمغة التى دفعت الأجانب إلى الانسحاب. العديد من الخبراء لديهم اختلاف فى مفهوم الفساد, ولكن للرجل الستينى رؤية خاصة فى هذا الصدد، إذ يعتبر أن القرارات المتخبطة من المسئولين والتى تسبب تداعيات سلبية فساد يجب محاكمة المتسبب فيها، كما أن الاستثمار لا يحتاج إلى اختراع، وإنما العمل على تذليل العقبات، ومنح حوافز للجادين، والاهتمام بالصناعة والزراعة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والوسيطة وربطها بالصناعات الكبرى، بما يحقق المصلحة العامة للاقتصاد. للابتكار، وعدم النمطية دور فى حياة «فتحى» وهو ما جعله مثار إعجاب لرؤسائه طوال مشواره، وشوكة أمام زملائه، وهو ما كان يفتح عليه طاقة جهنم، ليكون الطريق الثالث أمامه فى سوق المال الذى وجد ضالته فيه، ليبدأ رحلة نجاح جديد تضاف إلى سجل حياته، استمرت سنوات إلى تولى مسئولية شركته فى ظروف حرجة منذ 4 أعوام نجح خلالها بتجاوز الصعاب واستمرار النشاط، رغم السياسة الانكماشية التى انتهجها بسبب تداعيات الثورة، والتى بدأت تتغير بعض الشىء للأفضل. انشغل الرجل فى استراتيجيته لعودة الشركة الى قوتها بثلاثة عناصر تمثل العملاء والموظفين والملاك، فنجح بالارتقاء بكفاءة العاملين، وتحقيق أكبر قدرة من الافادة إلى العملاء، والملاك، ليصبح شغله الشاعل الارتقاء بالشركة ورفع رأسمالها من 2.5 مليون جنيه إلى 10 ملايين جنيه خلال العامين القادمين. «فتحى» شغوف بقراءة التاريخ وبلاغة الاسلوب ويشغل وقته بالتفاصيل فى شخصية مصر، وربما هو سر عشق للألوان البنية التى توحى بتربة الوطن، وهو ما يجعله دائما يخطط لإضافة الجديد لشركته بالتوسع أفقيا ورأسيا بما يخدم العملاء.. يهوى كل ما هو قديم، ويتذكر أحداثا تاريخية ارتبطت بنجاحات فى حياته، لكن يبقى رغبته بالوصول بشركته لمنطقة متقدمة فى السوق.. فهل يحقق ذلك؟