فى عام 1917، وبالتحديد فى شهر رمضان، كان مرور أول قطار من أمام قرية أكياد بمركز فاقوس بمحافظة الشرقية، الأمر الذى جعل أهالى القرية يصدرون فرمان شديد اللهجة وهو (ش. ك. ع) أى شرقاوى، كريم، عظيم، وهو شعار «الشراقوة»، وأن يتم تنفيذه بالقوة الجبرية وهو القيام بتجهيز موائد إفطار رمضان على رصيف القطار وإجبار جميع الركاب بالنزول لتناول الإفطار، ومن هنا شاعت مقولة «الشراقوة عزموا القطار»، وبدأ كل ركاب القطار يتفاخرون بالكرم الشرقاوى فى محافظاتهم، وأصبحت محافظة الشرقية يُضرب بها المثل فى الكرم والجود.. وقد كتب الشاعر إبراهيم خليل عن هذا الحدث قائلاً: الحقيقة وباختصار همه مش عزموا القطار.. دا الشراقوة من كرمهم قدموا أحسن فطار.. العمدة والأهالى قدموا لهم كل غالى.. فى البلد صبحت حكاية من حكايات الليالى.. أحكى يا سطور الغناوى ع الرجولة والشهامة والأصول والجدعنة.. الحقيقة وباختصار همه مش عزموا القطار. ولم يأتِ ذلك من فراغ بل كان له أصل فى التاريخ، وكان تأثير الطابع العربى الذى سكن الشرقية إبان الفتح الإسلامى، فى أهل الشرقية له طابع السحر، حيث موقع الشرقية وقربها من سيناء جعلها الملجأ الأول لتدفق الهجرات العربية الوافدة من شبه الجزيرة منذ زمن سابق على ظهور الإسلام، ويرجع المؤرخون بعد دراسات الاتصال الأول إلى عام 7080 ق. م، وكانت الشرقية خير مكان يطيب للعرب الوافدين للعيش فيه، إذ لم يجدوا فارقا كبيرا بين صحارى الشرقية ومناخها وصحارى بلادهم ومراعيها ومناخها فاستوطنها وتدفقت إلى الشرقية قبائل عربية كثيرة وظل تدفق الهجرات العربية إلى الشرقية حتى القرن الثالث عشر الميلادى، ولا شك فى أن كثرة الأعراب فى الشرقية قد تركت آثارا فى الظواهر الاجتماعية المتباينة، وان خفى آثارها إلا أن نتائجها العميقة ذات أصول وعروق ممتدة فى الأصلاب حتى الآن، وهناك بعض المناطق فى الشرقية تتمتع بالأصول. والجدير بالذكر أن الفتح الإسلامى على مصر بقيادة عمرو بن العاص كان من خلال بوابة مصر الشرقية التى كانت تبدأ بالشرقية وعندما كان يصل جيش الفتح الإسلامى لمنطقة أو بلدة يتم ترك بعض العائلات لتعيش بها، وكانت محافظة الشرقية لها نصيب الأسد، الأمر الذى جعل المواطن الشرقاوى يتأثر بالطابع العربى الأصيل فى الكرم والضيافة. وتأتى محافظة الشرقية فى مقدمة محافظات مصر التى تنتمى لقبائل وعائلات عربية، فهناك 13 قبيلة موزعة بين مراكز بلبيس وأبوحماد وفاقوس ومنيا القمح والزقازيق وديرب نجم والقطاوية والشبانات والسعادات والزوامل والجعافرة والسماعنة وبنى هلال وجميزة بنى عمرو، ومن أهم الملاحظات التى يمكن أن تخرج بها القبائل العربية التى جاءت إلى مصر، أنها استقرت فى ثلاث محافظات: الشرقية والمنيا وسوهاج بشكل مكثف أكثر من باقى محافظات مصر، ففى الشرقية نجد منهم عائلات العزازية، المسلمية، البازات، الفواخر، المحمودية، الثقايلة البلاسيون، الطحاوية الهنادى أولاد على، السماعنة، السعديون، جذام، لخم، هلبا سويد، العيايدة، الكرايرة، الحونة، الترابين، العقايلة، البياضية، الأخارسة، النفيعات– العبايدة، مطير، السواركة، الحويطات، الصوالحة، وغيرهم من العائلات التى عاشت واستقرت فى محافظة الشرقية منذ الفتح الإسلامى حتى يومنا هذا، وكل هذه العائلات كان لها الفضل فى انتشار الكرم والطيبة والأصالة وحُسن الضيافة، ومازال طابع الكرم الشرقاوى موجودًا يتوارثه الأجيال جيلًا فجيلًا، والشىء بالشىء، يُذكر أن تلك القبائل العربية لم تقف عند حد الكرم والضيافة فقط، ولكن كان لها الفضل فى أنها جعلت الشرقية تنفرد عن سائر محافظات مصر بتربية الخيول العربية الأصيلة فى بعض المناطق، مثل جزيرة سعود والطحاوية وغيرها من الأماكن وأيضاً تربية وأكل لحم الإبل على مستوى المحافظة، وخاصة مركز بلبيس الذى ينفرد بذلك على مستوى الجمهورية، بالإضافة لانتشار النخيل والبلح فى معظم مراكز المحافظة، وعلى سبيل المثال كفور العايد ببلبيس، وأبوحماد والقرين، ولهذا نجد أن القبائل العربية تركت الأثر الطيب فى نفوس أبناء الشرقية.