- أبكى.. أنزف.. أموت - وتعيشى يا ضحكة مصر - وتلاميذ المدارس - والنورج اللي دارس - والعسكري اللي دايس - ع الصعب علشان النصر كلمات أغنية شهيرة غناها- أو قام بأدائها- الفنان الراحل أحمد مرعي مع المجموعة في فيلم «أغنية علي الممر». الأغنية لم تكن تلك الكلمات التي أبدع فيها الراحل عبدالرحمن الأبنودي وفي ألحانها الراحل حسن نشأت. ولكن الأغنية الحقيقية هى ما كتبه الراحل علي سالم- الفيلم مأخوذ عن مسرحية له- وأبدع فيه، وسطر من خلاله بطولة وعبقرية وتضحية الجندية المصرية، من خلال فصيلة مشاة من أبطال الجيش المصري يتم حصارها في عام 1967- أثناء النكسة- وهم يدافعون عن أحد الممرات الاستراتيجية في سيناء، ويرفضون التسليم رغم نفاد ما لديهم من ذخيرة وطعام وماء، إلي أن يهجم عليهم العدو بطائراته، فيستشهد ثلاثة منهم، ليكتبوا بتلك التضحية، والرجولة، والشرف، والاستبسال في الدفاع عن الوطن.. أغنية جديدة علي الممر! فكم منا- خاصة ممن يطلقون علي أنفسهم التحية المثقفة- يتذكرون أن الذي أبدع هذه الملحمة، وقدمها للتاريخ هو الكاتب المسرحي علي سالم؟ واقع الأمر أن الأغلبية الكاسحة منهم ينسون ذلك، ويتذكرون- فقط- زيارته إلي إسرائيل التي قام بها بسيارته عام 1994. هم نسوا «الأغنية» وتذكروا «الرحلة» من أجل المتاجرة بالكلمات، والرقص علي أشلاء المواقف، بحثا عن هتافات «حنجورية» كان هدفها الأول والأخير وقتها هو «اغتيال كاتب» لا لشيء، إلا لأنه كان يؤمن بفكرة، ويعتقد في رأي، ويعيش من أجل هدف. وهل من المنطقي أن أؤمن بفكرته، وأن أتعصب لرأيه. وأن أعيش داعماً لهدفه. وأن أنسي المجازر الإسرائيلية واحتلال الأرض. وإهانة العرض منذ عام 1948، هذا ما يرد به معارضوه ومنتقدوه بسبب دعوته للتطبيع مع إسرائيل. لكن في المقابل ومن خلال لقاءات عدة جمعتني به أستطيع أن أقول إن هذا لم يكن ما يطلبه منهم. كان علي الأقل يطلب ممن يعارضه- وهو يحترم رأيه- أن يحترم هو الآخر رأيه. ولا يحول سن قلمه إلي خنجر مسموم يوجهه إلي علي سالم كلما جاءت حروف اسمه. هذا- فيما أعتقد- ما كان يتمناه، بعدما عاش سنوات ليست قليلة معزولاً فكرياً، ومقهوراً سياسياً ومسجوناً وراء إبداعه المسرحي. ومعارضوه طوال الوقت يسألون: كيف لمن كتب ملحمة «أغنية علي الممر» أن يقتل الأغنية ويهدم الممر بدعوته للتطبيع. وهو طوال الوقت كان يرد علي السؤال بسؤال: وأنتم أيها النخب إلي متي ستظلون تخدعون أنفسكم وشعوبكم بشعار «إلقاء إسرائيل في البحر».. هم يقولون له- أو بمعني أدق- قالوا له: أنت قتلت تاريخك الإبداعي من أجل لا شيء. وهو يرد: بالعكس أنا كنت واضحاً وصادقاً ومحباً للحياة والسلام، أكثر من حبي للحرب والموت. وأمام هذا الوضوح والصدق دفع الثمن مقدماً بسبب مواقفه وأفكاره- التي من حقك كما كان يقول هو أن تختلف معها- سنوات كثيرة من عمره إلي أن رحل عن عالمنا، مؤمناً بأن «الممر» مثلما من الممكن أن تجهز عليه الطائرات المحملة بالقنابل والصواريخ وأسلحة الموت. فإننا من الممكن أيضا أن نغني عليه «أغنية علي الممر» ليست للموت فقط.. ولكن من الممكن أن تكون للحياة! في سلسلة حوارات «أبي.. الذي لا يعرفه أحد» بحثت عن أبناء الكاتب الراحل علي سالم. أوصلني صديقه الفنان التشكيلي والكاتب وجيه وهبة إلي رقم هاتف ابنته الكبري «هانيا». اتصلت بها. حددنا موعد اللقاء. طلبت منها أن يكون الحوار في مكتبه بشقته في منطقة ميت عقبة بجوار نادي الزمالك. تفضلت بالموافقة وفي الموعد وصلت إليها. الشقة عادية جداً، لا تليق- بكاتب بعبقرية علي سالم- إذن أين الملايين التي حصل عليها من وراء زيارته إلي إسرائيل؟ كان هذا سؤالي للابنة قبل أن تسألني عن واجب الضيافة. قالت وهي تضحك بسخرية مستمدة من أبيها. قبل أن أدلك عن تلك الملايين التي تسأل عنها، دعني أسألك «تشرب ايه»؟ قلت وأنا في غاية الإحراج، فنجان شاي، بابتسامة صادقة بدأت ترد علي ما طرحته قائلة: هذه شقة علي سالم التي اشتراها- بالتقسيط- في أوائل السبعينيات ودفع فيها أجره عن مسرحية «مدرسة المشاغبين» وأذكر كما يقول لي انه أخذ من المنتج وقتها 350 جنيها فقط، لأن ميزانية المسرحية لم تتعد ال7 آلاف جنيه. أما ما تطرحه وأنا أعرف أنه ليس طرحك، وأنه كلام ردده المغرضون ممن يسمون أنفسهم النخبة علي أبي من أجل تشويه اسمه، أبي لم يذهب إلي إسرائيل من أجل المال، ولو أراد جمع المال، ما كان ذهب إلي هناك، وكان وقف أمام الشاشات وعلي صدر الصفحات يقول ويكتب ويضحك علي الناس بشعارات عن القومية العربية، وإلقاء إسرائيل في البحر، ويمجد في القائد والزعيم والملهم- أي قائد وأي زعيم وأي ملهم- بالنهار والليل.. وفي النهاية يأخذ «الملايين وبالدولار» كما فعل العشرات من المثقفين والساسة، ليس في مصر فقط، بل في الوطن العربي كله. أبي ذهب إلي إسرائيل لأنه كان يؤمن بالحب لا بالكراهية. كان يؤمن بالصدق لا بالكذب. بالحب لا بالكراهية. وهنا توقف بنا الكلام بعض الشيء، بعدما دخلت علينا في حجرة الصالون ابنته الثانية «إيمان» وهي بشوشة الوجه قائلة: «اتفضلوا الشاي». ولد علي سالم في محافظة دمياط عام 1936 ورحل في 22 ديسمبر 2015. كان والده شرطياً يكسب بالكاد ما يكفي إعاشة أسرته. توفي والده عام 1957 وعمره 21 عاماً مما أدي إلي اعفائه من الخدمة العسكرية كي يستطيع إعالة أسرته. واستشهد أخوه الأصغر في حرب 67. اشتغل في مهن كثيرة منها «كمسري» في هيئة النقل العام حتي يستطيع أن ينقذ أسرته من الفقر واجتهد وتعلم وحصل علي كلية الآداب ثم درس اللغة الانجليزية وهو بعد الخمسين يتقنها أشد الإتقان بجوار إلمامه ببعض اللغات الأخري. بدأ نشاطه المسرحي منذ الخمسينيات ممثلا ارتجاليا ثم عين في مسرح العرائس وتولي مسئولية فرقة المدارس وفرقة الفلاحين، وفي عام 1963 كتب أولي مسرحياته «الناس اللي في السما الثامنة» وتوالت بعد ذلك كتاباته المسرحية حتي وصلت إلي 27 مسرحية وما يقرب من 15 كتاباً وتعد مسرحية «مدرسة المشاغبين» التي عرضت عام 1971 هي الأوفر حظاً بين أعماله المسرحية والتي حققت نجاحاً منقطع النظير علي مستوي العالم العربي. في عام 1977 دعم مبادرة الرئيس الراحل أنور السادات التي ذهب فيها للسلام مع إسرائيل، لكنه لم يزر إسرائيل إلا عام 1994م بعد التوقيع علي اتفاقية أوسلو الأولي وسجل هذه الزيارة في كتابه الشهير «رحلة إلي إسرائيل». عدت للابنة الكبري وقلت لها: هل شعرت ذات يوم أنه نادم علي زيارته لإسرائيل؟ ردت وفي صوتها نبرة حدة وثقة وقوة قائلة: أبي.. لم يفعل شيئا يخجل منه في حياته، وبالتالي يندم عليه». أبي.. كان واضحا، وصادقا، ومؤمناً بالحياة. وأن الحياة تستحق أن نحترمها ونعيش فيها بالحب لا بالعدوان، بالصدق لا بالكذب. قلت: ألاحظ في كلامك التركيز علي معني الصدق والكذب؟ ردت وهي ترتشف ما بقي أمامها في فنجان الشاي قائلة: لأن لدينا علي الساحة من هم يتحدثون للناس كذبا، في محاولة منهم أن يوهموا الناس أن كذبهم صدق. وحقيقة الأمر هؤلاء- سواء كانوا كتاباً أو أصحاب رأي من يصفون أنفسهم بالنخبة- غير مدركين أن الأمر في النهاية سيعرفه الناس. وأن الحقيقة والواقع والمنطق سيفرض نفسه. قلت: وهل من الواقع والمنطق أن يذهب أبوك- وهو من هو- في رحلة إلي العدو؟ ردت: تقصد من بالعدو؟ إسرائيل، أليس كذلك؟ قلت نعم: قالت يا سيدي أنت عقدت معها اتفاق سلام وأبرمت معاهدة هي ملتزمة بها وأنت ملتزم بها. ومن بعدك ذهب آخرون لعقد نفس المعاهدة- مع اختلاف التفاصيل- والاتفاقية من أجل ماذا؟ قلت دعيني أسأل.. من أجل ماذا؟ قالت: من أجل الحياة لنا ولهم. من أجل العيش لهم ولنا. من أجل انهاء النزاع بالنسبة لهم ولنا. من أجل السلام لهم ولنا. مرة أخري دخلت علينا الابنة الثالثة «منى» وألقت علينا السلام، حيث كانت عائدة لتوها إلي البيت. ردت الأخت الكبري السلام ثم قدمتني إليها وبعد التحية تركتنا نكمل معا الحوار. لكنها قبل أن تغادر المكان سألتني هل هذا الحديث عن «أبي» قلت: نعم، سكتت قليلاً ثم نظرت لصورة بالحجم المتوسط معلقة بالقرب منا، ثم تمتمت بحروف لم أستطع فهمها، لكنني عندما أربطها بدموع بدأت أراها في عينيها أفهم أنها كانت تناجيه أو تخاطبه أو تقول له «بجد.. يا بابا وحشتني»! ثم غادرت المكان. وقبل أن أعود للابنة الكبري لاستكمال الحوار عدت إلي كتابه «رحلة إلي إسرائيل» فأجده يلخص رحلته في الحياة قبل أن يلخص رحلته إلي إسرائيل قائلا: «قبل أن أسافر إلي إسرائيل ناقشت الكثيرين من أصدقائي المعارضين للرحلة، خشيت أن تغيب عني زاوية أو عنصر يترتب عليه الإضرار بمصالح الناس في مصر، استمعت جيدا لكل ما قالوه، قيلت حجج كثيرة، ولكنها جميعاً كانت نابعة من حالة الحرب العقلية، نابعة من الكراهية. الفرق الوحيد بيني وبينهم أنني أريد التخلص من هذه الكراهية. قررت أن أشارك في صنع السلام. قلت لها.. علي سالم الأب.. كيف كان يتعامل معكم كأسرة؟ - قالت: أبي تزوج أمي- رحمهما الله- عن حب، حيث كانت تعمل معه في إدارة المسرح. ومن أجله تركت عملها الذي تحبه حتي تتزوج ويستقر بها الحال «ربة منزل». وماتت قبله بسنوات بعد صراع مع المرض.. وأذكر أنه كان يجلس بجوارها وهو حزين، لكنه لم يكن يظهر ذلك الحزن، ويحاول التخفيف عنها بالهزار والضحك. ووالدتي تزوجت أبي عملا بنصيحة جدتي لها التي كانت تحبه جدا، وهو أيضا كان يحب جدتي «حماته» لدرجة أنه طلب منها أن تعيش معنا. وبالفعل حدث ذلك حتي رحيلها، وكان حزنه عليها شديداً جداً. ولماذا كانت والدتك رافضة الزواج منه؟ قالت: لا هي لم تكن رافضة الزواج منه بالتحديد، لكن هي كانت مركزة بعض الشيء في شغلها، وكانت رافضة فكرة الزواج نفسها، لكن عندما تقدم لخطبتها كانت مترددة، إلي أن أصرت جدتي علي أن تنهي هذا التردد وتتزوجه، فهو- حسبما كانت تقول جدتي لها- «مفيش أحسن منه» وبالفعل حدث الزواج. وأنتم أطفال.. كيف كان يتعامل معكم؟ علمنا أن نعتمد علي أنفسنا منذ الصغر، وكان يحكى لنا الحواديت- لكونه كاتباً ذا خيال- ويعلمنا التسامح والحب والتواضع. وكان يرفض أي أشكال الكراهية التي كنا حتي ونحن أطفال نبديها لأطفال في مثل عمرنا في المدرسة. كان يطلب منا أن نسامح وأن نتصالح وأن نحب زملاءنا في المدرسة أو في أي مكان. وترك لنا حرية اختيار مستقبلنا ولم يطلب من أي واحدة منا أن تدرس كذا.. أو تلتحق بكلية كذا.. بالعكس كان يشجعنا علي حرية الاختيار. والحقيقة كانت «جدتي»- رحمها الله- هي التي تحملت العبء الأكبر في تربيتنا مع والدتي في ظل مشاغل أبي بالكتابة والعمل. - يا مراكب.. يا صواري. يا شوارع. يا حواري - يا مزارع.. يا صوامع. يا مصانع. يا مطابع - يا مينا- يا كباري. يا منادر. يا بنادر. يا منازل - يا بيوت - أبكي.. أنزف.. أموت - وتعيشى يا ضحكة مصر وقبل أن أطرح سؤالي وجدت الابنة تقول: أغنية علي الممر.. طبعا هذه كلمات رائعة كتبها الراحل الأبنودي ووصف فيها تلك الملحمة التي كتبها أبي في مسرحيته التي حولها السيناريست مصطفي محرم والمخرج علي عبدالخالق إلي فيلم عبقري أبدع فيه أبطاله وبهذه المناسبة دعني هنا أتوقف معك وأسأل من هاجموا أبي.. علي رحلته إلي إسرائيل.. قلت: اتفضلي. قالت: إلي هؤلاء أسأل.. كيف لهم أن ينسوا هذا العمل الابداعي الذي سطر بطولة من بطولات الجيش المصري؟ قلت لها: الفرق هنا أنه ذهب إلي إسرائيل؟ ردت بحدة: الرئيس السادات سافر إلي إسرائيل وعقد معهم اتفاقية صلح ومعاهدة سلام. قلت لها: المقارنة هنا تختلف. هذا رجل سياسة يفعل ما تمليه عليه الضرورة السياسية من وجهة نظره والتي يعارضها البعض حتي اليوم. قالت: وأبي كان رجلايحب هذا الوطن وعمل في مهن صغيرة وهو شاب حتي يطعم أخاه الأصغر ويكبره ويرسله عندما يطلب للحرب ويستشهد في 67.. أليس كذلك. ثم أكملت كلامها قائلة: إذن أبي دفع ثمنا باهظاً بسبب الحرب، وأدرك أن الحرب نذهب إليها لنموت. أما السلام فنحن نذهب إليه لنعيش. أبي في كتابه أو رحلته قال: «لم تكن رحلة حب. بل هي محاولة جادة للتخلص من الكراهية، فالكراهية تمنع من التعرف علي الواقع كما هو، وتغلفه بأبخرة الشك والفزع. وتشيع جواً من السلبية، ينتعش فيه العجزة وعشاق الخراب. قلت لها هل أخذ رأيكم- كأسرة- عندما قرر الذهاب في الرحلة؟ قالت: لا.. حتي هو- وأنت أكيد قرأت هذا- لم يخبرنا بذلك، إلا وهو في الطريق وقتها كنا في حالة خوف عليه.. فهو في النهاية ذاهب إلي منطقة خطر أو سيمر علي مناطق خطر. وكنا نطمئن عليه باستمرار من خلال اتصاله الدائم بنا. هل لو عُرِض عليك نفس الرحلة تكررينها؟ قالت: وما المانع طالما هي تصب في مصلحة نزع الكراهية من قلوبنا بعضنا البعض. ولكن قبل أن أخوض هذه التجربة- علي فرض حدوثها- سأقوم بشرح أهدافها للناس. قلت لها حتي أهرب قليلاً من جو التوتر الذي وجدت نفسي فيه بسبب سخونة الحديث وقلت لها: في المنزل.. كيف كان يقضي يومه؟ كان دمه خفيف جدا.. وكل حاجة يقلبها هزار؟ بالطبع كانت القراءة والكتابة هي كل شيء بالنسبة له. ووالدتي وجدتي علمونا أن نحترم هذا حتي يقوم بأداء عمله وكتاباته. وكان يتابع مراحل الدراسة والمذاكرة بعض الشيء، ويطلب منا أن نتعلم ونقرأ، فالعلم والمعرفة والفهم كانت رسائل دائمة منه لنا. لأنه كان يؤمن بالعلم والمعرفة جدا ويري أن التقدم يأتي بالمعرفة والإبداع. قلت: بماذا كان يرد علي من هاجموه؟ لم يكن يعنيه من يهاجمه كثيراً.. إلا إذا وصل الهجوم إلي التطاول أو الكذب والافتراء. هنا كان يتوقف أمام ذلك الشخص. أما من دون ذلك، فكان بالنسبة له عبارة عن رأي يخالف رأيه. وكل إنسان حر فيما يعتقده. قلت لها: أيام مرضه.. كيف تعامل معها؟ قالت: بالضحك.. ثم تضحك وتقول: كان يأتي إليه الطبيب وبعد دقائق نسمع الطبيب «ميت» علي نفسه من الضحك. وعندما مات لم يمت بالمرض.. لكنه مات لأن «أجله» انتهي، ثم سكتت بعض اللحظات وكأنها تتذكر يوم رحيله قائلة: «أبي أصيب بالسرطان وظل يتعالج منه تقريبا ثلاث سنوات. وبالفعل تعافي منه. كان حجم المرض 3سم وبدأ يقل حتي وصل إلي 1سم ثم اختفي تماما. لكن الموت جاء له لانتهاء عمره.. كان يومها عائداً من الخارج ومعه سكرتيره الذي لم يفارقه الأستاذ عبدالعزيز. وصعدا معاً إلي هنا. وجلس أبي علي هذا المقعد- الذى مازال موجوداً- ثم قال لعبدالعزيز اذهب أنت حتي تلحق بإجازة العيد مع أولادك ودعني أنا أجلس علي هذا المقعد. وكان بالمنزل أختي الصغري ، سألته تحب تشرب شيء؟ قال: لا.. ثم أسند ظهره للمقعد الذي أمامك. ونادت عليه أختي من المطبخ تحدثه ولكنه لم يرد. مرة. واثنتين وثلاثا لم يرد. خرجت إليه وجدته أسند رأسه للمقعد ولم يرد عليها، كان قد.. مات! نعم.. مات علي سالم.. أحد صناع الضحكة في عالمنا العربي، بعدما قال كلمته وفكرته، ووجهة نظره في الحياة. تتفق معها أو تختلف.. لكنها وجهة نظر صادقة بلا زيف أو متاجرة أو رقص علي حبال المشاعر، مات بعدما ترك لنا عريضة أو مذكرة دفاعه عن نفسه بسبب رحلته إلي إسرائيل والتي قال فيها «لتكن الاتهامات الموجهة ضدي ما تكون، فأنا واثق أن غالبية خصومى علي وعي بأنهم يكذبون. وهم جميعا علي يقين من أنني أعمل من أجل مصر والمصريين. وأنا آسف للألم الذي سببته لهم برحلتي، فقد أرغمتهم علي التفكير الحر المسئول، والتعامل مع واقع جديد في المنطقة يتطلب العمل الشاق والمعرفة والإبداع. مات علي سالم الكاتب والمبدع والفيلسوف وهو يعلم اننا- كدول عالم ثالث- لا نريد العمل ولا المعرفة ولا الإبداع. وتلك هي الحقيقة!