الفساد سرطان ينهش جسد الوطن، ويمتد ويتشعب فى الأجهزة كافة غير أنه يتفوق فى سرقة المال العام. واقعتان للفساد فى شركات قطاع الأعمال العام خلال الفترة الماضية أثارتا الرأى العام حول ما يحدث فى هذا القطاع من تعدٍ على المال العام ومن كونه بابًا لتلقى الرشوة ومرتعًا للمنحرفين. القضية الأولى جرت وقائعها العام الماضى، عندما ألقت الرقابة الإدارية القبض على رئيس شركة رولان، إحدى الشركات التابعة للقابضة للتشييد، متلبسًا بتقاضى رشوة من إحدى الشركات مقابل إسناد أعمال لها. الواقعة الثانية جرت أحداثها قبل أيام من واحدة من أهم وأكبر شركات السياحة التابعة لقطاع الأعمال العام، وهى شركة «إيجوث» بعد القبض على العضو المنتدب للشئون الفنية متلبسًا بتقاضى رشوة مليون جنيه لتسهيل أعمال لشركة قطاع خاص داخل مشروعات التطوير التابعة للشركة. القضايا السابقة والعديد من الشائعات التى تدور حول شبهات فساد فى مشروعات قطاع الأعمال العام، دفعتنا للتساؤل حول الأسباب وراء ما يحدث، وهل الأمر ظاهرة فى الشركات التابعة للدولة، وهل ما يحدث هو بسبب غياب الرقابة أم ضعف القوانين الرادعة أم أن سيطرة فكرة أن المال العام «مال سايب» بلا صاحب تدفع البعض للتجاوز فى حق المال العام واستباحته؟. وشهدت بداية التسعينيات واحدة من أشهر وأكبر قضايا الفساد فى الشركات التابعة للدولة، حيث كانت قضية عبدالوهاب الحباك رئيس القابضة للصناعات الهندسية والمعدنية من أشهر قضايا الفساد فى قطاع الأعمال العام، الرجل الذى استولى على الملايين من خلال رئاسته للشركة، وكان الفضل ايضاً لأجهزة الرقابة الادارية فى القبض عليه، حكى أحد المكلفين بالقضية أنه تم اقناع الحباك بإعادة الأموال التى استولى عليها مقابل تخفيف الأحكام عليه، وهو ما استجاب له وبالفعل سافر الى الخارج بصحبة مسئولى الرقابة الادارية، وتمت إعادة الأموال الا أن القدر لم يمهله وتوفى الحباك فى سجنه مخلفاً ذكرى قاسية لأشهر قضايا الفساد فى قضايا الأعمال العام. بعد نحو 25 عاما يعيد التاريخ نفسه ويظهر آخرون يسيرون على نفس النهج فى استباحة المال العام فما أسباب ذلك وكيف يمكن مواجهته؟ الأمر ليس ظاهرة خاصة أنه من بين 145 شركة تابعة لقطاع الأعمال العام يلقى القبض على حالتين، فلا يمكن اعتبارها ظاهرة ولكنها سلوك انحراف فردى، كان هذا رأى المهندس يوسف الشيخ عضو مجلس ادارة الشركة القابضة للتشييد والتعمير سابقا، وأضاف: أن ما يؤيد هذا أن أوضاع العاملين فى الشركات القابضة التابعة لقطاع الأعمال العام جيدة، والقانون يميزهم فى الأجور والحوافز والأرباح، أى أن دخلهم جيد وإن كان الدخل الأقل لا يبرر الانحراف ما بالنا والقائم به وضعه جيد، ولهذا هى حالات فردية لأشخاص لم يقنعوا بما رزقهم الله به ولهذا لم يتعاطف أحد مع حالات الفساد وتلقى الرشوة، وأضاف الشيخ: أن القانون ايضاً به ما يكفى لمحاصرة أى حالة فساد فى الشركات، ولكن للأسف بعض الناس تتعامل مع المال العام باستهتار باعتباره لا صاحب له ومال سايب يمكن التعدى عليه ولا تصلح عمليات توجيه العاملين بحماية المال العام لأن معرفة الحلال والحرام تنبع من الشخص ذاته. على جانب آخر أشار رئيس احدى الشركات التابعة لقطاع الأعمال العام رفض ذكر اسمه إلي أن الامر يعود الى سوء اختيار القيادات فى الشركات، وأن قيام موظف صغير بطلب رشوة كارثة فما بالنا بمن يقوم بذلك قيادة ورئيس شركة أو عضو منتدب، وأضاف: إننا فى مصر نفتقد البيانات الكافية حول القيادات والمرشحين لها وطالب بتشديد الرقابة على اختيار من يتولى مركزا قياديا فى أى من الشركات التابعة للدولة، والبحث جيدا حول ظروفه خاصة أن الحالة الاخيرة للعضو المنتدب لشركة إيجوث تشير الى أنه تزوج أكثر من مرة، وربما كان هذا سبب الانحراف واضاف المصدر قائلا: «ابحث عن المرأة» فى قضايا الفساد. أما الدكتور نور بكر أحد قيادات قطاع الأعمال سابقاً والخبير السياحى فيقول: إن ما يتم ضبطه ويصل الى مرحلة القبض عليه وتقديمه الى المحاكمة فى قضايا الفساد فى قطاع الاعمال العام أقل مما يحدث فى هذا القطاع الحيوى، مشيراً الى أن مكاتب الرقابة الادارية بها عشرات الشكاوى والبلاغات حول وقائع فساد وتربح فى الشركات، وأكد «بكر» أن الرقابة الادارية تقوم بجهد كبير فى متابعة الشكاوى، وتحقق فيها حتى ما يندرج تحت بند الشكاوى الكيدية، ولهذا فإن لديها كافة الحقائق وبعض القضايا تستغرق شهورا، ربما تمتد لسنة وأكثر حتى يتم التحقق منها، ويؤكد بكر أن السبب فى ظهور حالات انحراف وفساد فى قطاع الاعمال العام تعود الى عدة اسباب منها اسلوب اختيار القيادات حالياً والذى يؤدى الى سوء اختيار القيادات لتولى المهام الرئيسية فى الشركات فى مواقع المسئولية الأولى والمساعدة. ويضيف: إنه اذا كان الانحراف سلوكا واستعدادا شخصيا، فإن بعض القوانين المنظمة للعمل فى الشركات تسمح بسلطة مطلقة فى اتخاذ بعض القرارات، وهو عامل مساعد على الانحراف، ويضيف الدكتور نور بكر: أن هناك بعض الملاحظات على أداء الجهاز المركزى للمحاسبات فى الشركات أولاها أن التقارير أصبحت مجرد أداء واجب ولا يترتب عليها أى مسئولية قانونية أو إحالة لتحقيق كما أن اقامة أعضاء الجهاز المركزى للمحاسبات فى الشركات طوال العام تخلق نوعا من علاقات الود، وينتهى الأمر بأن ملاحظات الجهاز تمر، ويقر اجتماع الجمعية العامة للشركة ما يراه ويكتفى الجهاز بالتحفظ لدرجة أن بعض ملاحظات الجهاز تتكرر من عام لآخر لدرجة اصبح يطلق عليها «ملاحظات تاريخية» دون أن يتخذ بشأنها قرار. ويرى «بكر» أن الرقابة الادارية أصبحت متحركة جداً منذ قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن ترفع تقاريرها الى الرئيس وليس الى مجلس الوزراء مما أعطى لعملهم دفعة قوية. ويؤكد أن غياب القيادات ذوي الخبرة الفنية يؤدى الى ظهور حالات فساد وتربح لأن القيادة لابد أن تكون واعية وجيدة المتابعة لأدق التفاصيل فى الشركات. ويرى «بكر» أن تعاظم دور القطاع الخاص والتوجه الحالى لضرورة التعاون والمشاركة بين القطاعين العام والخاص ربما يمكن اعتباره عاملا تحريضيا، خاصة أن القطاع الخاص يريد أن ينهى أعماله بأى طريقة حتى لو تطلب الأمر «تسهيل الأمور» والباقى معروف.