الثورة التى حدثت فى تونس تحقق كثيراً من اهدافها ، وتظهر نتائجها مباشرة ، وتسير فى استكمال اهدافها بشكل سليم وديمقراطياً ، بينما الثورة فى مصر مازالت تعانى من تأخر نتائجها بشكل ملموس او بطريقة تنعكس على الشارع المصرى - الا حدوث انتخابات برلمانية لم تكتمل بعد ومازال الاختلافات حولها كثيرة - ومازال حالة عدم الثقة بين المجلس العسكرى وقطاع كبير من الشعب المصرى مفقودة ، خاصة فى ظل الاحداث التى تجرى يومياً وعدم معرفة الحقيقة حولها ، او من يقوم بتلك المخططات ، وهل المجلس العسكرى متواطىء مع تلك الاحداث ويكون فى تلك الحالة ضد الثورة ،ام ان هناك عوامل اخرى هى التى تحرك الاحداث . عند تحليل مقارنة الثورتين يجب علينا ان ندرك الاختلافات فى البلدين ،والتى يمكن ان يكون لها تأثير مباشر فى تحقيق النتائج المرجوة من الثورة ، وظهورها بشكل سريع ،او الانتظار لفترة حتى تكتمل الرؤية لتحقيق الاهداف من الثورة . اهم عوامل نجاح الثورتين - الجيش : يختلف الجيش فى مصر عن تونس بشكل كبير،ويكمن هذا الاختلاف فى ممارسة السياسة ،ومدى انغماس قادة الجيش فى النظام السابق وبالتالى اشتراك قادته فى المنظومة التى كانت تجرى سابقاً ، ومدى ايمانه بالتغيير والديمقراطية ، وان الشعب هو مصدر السلطات وكافة الجهات المسؤلة فى الدولة هى فى الاصل لخدمة الشعب وتحقيق حياة كريمة له ، وان اول مهام الجيش هو حماية الدولة ، وبالتالى حماية الشعب من اى عدوان خارجى ، وربما ايضاً داخلى اذا لزم الامر . فنجد ان الجيش فى مصر المتمثل فى القادة العسكريين كانوا على ارتباط وثيق بالسلطة والنظام ويشاركون فى القرار ويستفيدون منه ، اما فى تونس فكان هناك تهميش للجيش وقادته فى المشاركة فى السياسة او القرارات ، وكان بعيداً عن الرئاسة بشكل كبير ، مما سهل على القادة العسكريين ان يكون متوافقين مع مطالب الشعب والوقوف بجانب الثورة ، لانهم اقرب للشعب من السلطة ، بل ربما يعانون من بعض من معاناة الشعب ، يختلف هذا فى مصر ، فالقادة العسكريين فى الجيش على ارتباط وثيق وقوى بالسلطة وهم ابعد عن الشعب واقرب للنظام ، وربما لا يدركون معاناة الشعب بالشكل الكامل ، لعدم معايشتهم تلك الظروف ، وهذا التحليل لا يستنتج منه معاداة المجلس العسكرى للثورة فى مصر ، لكن تفهمه بطيئاً ، وحساباته كثيرة ، وقراراته غير متوازنة ، فهو بين الوقوف مع الثورة وتحقيق جميع مطالبها ، فى محاربة الفساد ومحاكمة رموز النظام السابق ، وتحقيق عدالة فى المجتمع المصرى بشكل جزرى وملموس ، وبين الاهتمام بالتوقيت ومرور الوقت ، واحداث تغييرات بطيئة ومحسوبة لتكون بداية اصلاح بدلا من التغيير الجزرى . المجلس العسكرى يؤمن بان ما حدث فى مصر هو تغيير وليس بثورة شعب قامت لاقامة حياة سياسية واجتماعية جديدة تقوم على انقاض النظام السابق ، ومحاربة الفساد بكافة اشكاله ، وانشاء نظام ديمقراطى جديد ، يفرز نتائج تعبر عن رأى غالبية المجتمع ، وبالتالى تستطيع تلك النتائج تغيير المجتمع تلقائياً . العامل الاخر ، موقع مصر وتأثيره فى المنطقة وفى العالم ككل ، وتأثير ذلك على أمن اسرائيل ، وحركة الربط بين الشرق الاوسط وبقية دول العالم ، ومصالح الدول الكبرى ، والتوازنات فى المنطقة ، هذا العامل لا تتأثر به تونس ، بينما هو عامل قوى ومؤثر فى الثورة المصرية ، وبالتالى تكون التداخلات الخارجية والمخابراتية المباشرة او عن طريق بعض الاشخاص والاحزاب كبيرة للغاية وتنعكس على نتائج الثورة وتحقيق مسارها الصحيح . العامل الثالث ، ان ما حدث فى مصر من تغيير للنظام حدث فجأة وبدون توقع مسبقاً ، مما احدث صدمة سياسية لدى النخب والاحزاب والتيارات ،والتى كانت على غير استعداد للوضع الجديد ، وبالتالى يحاول الجميع تحقيق مصالحه الشخصية على حساب تحقيق الهدف الاول والذى احدث هذه الصدمة وهو مطالب الثورة ، وظهور تيارات واحزاب سياسية جديدة امتلكت شعبية سريعة دون تواجدها المسبق ، كما ان خروج جماعة الاخوان المسلمون للعمل السياسى علانية وتشكيل حزب سياسى ، له قاعدة شعبية ترتكز على شعبية الاخوان ، قلل فرصة التيارات الاخرى فى الحصول على مكاسب سياسية ، مما زاد من درجة الاحتقان السياسى ، وبالتالى عدم التوافق على اولويات المرحلة بعد الثورة ، مما أخر نتائجها . العامل الرابع ، عدم وجود قيادة ثورية فى مصر ، وجميع الائتلافات والشخصيات الثورية ما الا ركوباً للثورة والموجه !!، ولا يوجد شخصاً قوياً ، او حزب ، يتفق عليه الجميع ليتفاوض باسم الشعب مع المجلس العسكرى الذى تولى السلطة من النظام السابق ، وبالتالى يصبح محاربة الثورة او الوقوف ضدها ، اسهل بطريقة مساندة تيار او حزب على حساب اخر ، واحداث نوع من التشتت بين كافة الطوائف فى المجتمع المصرى . ان تحقيق الثورة فى مصر ، سوف يستغرق وقتا اطول مما يتخيل الكثيرين ، وربما تحدث ثورة اخرى ،لتحقيق مطالب الثورة الاولى ، حيث لم يتحقق اى هدف من اهداف الثورة ، فمعدلات الفقر والبطالة وارتفاع الاسعار زادت ،والاحتكار والسيطرة على الاسواق اصبح دون سيطرة ، وانتشار البلطجة وعدم الامن اصح يفوق التصور ، وعدم احترام قيمة الانسان المصرى فاق كل الاخلاق والقيم ، وعدم محاكمة اى فاسد او استرجاع اموال الدولة ، وعدم توفير معلومات عن دور المجلس العسكرى فى هذا الملف الحساس ، الذى يخص الهدف الاول للثورة وهو محاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين . لم يتحقق شيئأ حتى الان ،واننى اتوقع اذا لم يتعاطى المجلس العسكرى والحكومة سريعاً فى تحقيق مطالب الثورة ، وان تظهر تلك النتائج وان يحس بها كل مواطن مصرى ، سوف يكون هناك ثورة اخرى ، توصف بثورة الجياع ، فالاولى كانت ثورة الفقر والظلم ولم تحقق شيئاً ، الثورة القادمة خطر على مصر لانه يمكن تحرق ما تبقى منها ، فأما ان يكون المجلس العسكرى مع مصر والحفاظ عليها ، وأما ان يوجهها نحو نتائج لا يمكن التنؤ بها . الثورة فى تونس اتفق على مبادىء عامة متوافق عليها ، وسارت وفقاً لهذا ، وحققت نتائجها مرحلياً ، فاصبح لديهم رئيساً منتخباً ، واستقرت الاوضاع بشكل كبير ، اما فى مصر فلم نجنى سوى الحرائق والتدمير فى مصر ، وعدم معرفة الحقيقة ، وخلافات عدائية بين التيارات السياسية الموجودة والمشاركة فى توضيح الحياة السياسية فى مصر . فهل يدرك المجلس العسكرى ، ان الشعب المصرى مازال ينتظر الاحساس بنتائج ثورته ، وان اليأس ولاحباط يزداد يوماً بعد يوم لدى الشباب بسبب تضائل الامل والرؤية الضبابية التى يشاهدونها ، وان املهم الوحيد فى التغيير مازال يحتاج اما لتضحيات اخرى او الانتظار اكثر .