قبل فتح باب حجز شقق الإسكان الاجتماعي 2024.. الأوراق المطلوبة والشروط    الغرفة التجارية: زيادة الطلب سبب ارتفاع أسعار السيارات    الرقابة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي تفرض حظر نشر حول هجوم حزب الله الصاروخي    وزير الخارجية يلتقى المفوض السامي لحقوق الإنسان بنيويورك (صور)    عاجل - غلق قناة الجزيرة برام الله بعد اقتحام مكتبها    مبابي يحقق إنجازًا فريدًا مع ريال مدريد    والد أشرف داري: جاهزية اللاعب للمشاركة في السوبر الإفريقي أمام الزمالك    موعد مباراة برشلونة ضد فياريال والقنوات الناقلة في الدوري الإسباني    بعد تعرضها لأزمة صحية مفاجئة.. 7 معلومات عن الفنانة آثار الحكيم    أحمد سعد يعلن عودته لزوجته علياء بسيوني (فيديو)    «الصحة»: متحور كورونا الجديد غير منتشر والفيروسات تظهر بكثرة في الخريف    أفشة: مبروك الدوري يا أهلي    عاجل- تصعيد صاروخي غير مسبوق من حزب الله.. والملاجئ تمتلئ ب 300 ألف إسرائيلي    حبس مهندس بالتعدي على سيدة بالسب وإحداث تلفيات بسيارتها بمدينة نصر    ليبيا.. رجل يسرق 350 ألف دينار من منزل حماته لأداء مناسك العمرة    زلزال بقوة 6 درجات يضرب الأرجنتين    أسامة عرابي: لاعبو الأهلي يعرفون كيف يحصدون كأس السوبر أمام الزمالك    حبس تشكيل عصابي تخصص في تصنيع المواد المخدرة    ثقف نفسك | 10 معلومات عن النزلة المعوية وأسبابها    عاجل- أمطار ورياح.. تحديثات حالة طقس اليوم الأحد    أحمد فتحي يوجه رسالة مؤثرة إلى جماهير الأهلي بعد اعتزاله.. ماذا قال؟    حزب الله يستخدم صواريخ «فجر 5» لأول مرة منذ عام 2006    إسماعيل الليثى يتلقى عزاء نجله بإمبابة اليوم بعد دفن جثمانه ليلا بمقابر العائلة    أمامك اختيارات مالية جرئية.. توقعات برج الحمل اليوم ألحد 22 سبتمبر 2024    بعد ارتفاعها 400 جنيه.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة (بداية التعاملات)    الآن.. رابط نتيجة تنسيق الثانوية الأزهرية 2024 بالدرجات فور إعلانها رسميًا (استعلم مجانًا)    نتنياهو يدعو بن غفير وسموتريتش لمشاورات أمنية عاجلة    احتفالية كبرى بمرور 100سنة على تأسيس مدرسة (سنودس) النيل بأسيوط    أضف إلى معلوماتك الدينية | حكم الطرق الصوفية وتلحين القرآن.. الأبرز    اليوم.. محاكمة مطرب المهرجانات مجدي شطة بتهمة إحراز مواد مخدرة بالمرج    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 22 سبتمبر بعد الانخفاض بالبنوك    الموزب 22 جنيهًا.. سعر الفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 22 سبتمبر 2024    مش كوليرا.. محافظ أسوان يكشف حقيقة الإصابات الموجودة بالمحافظة    كلاسيكو السعودية.. الهلال يضرب الاتحاد بثلاثية معتادة    مواجهة محتملة بين الأهلي وبيراميدز في دور المجموعات بدوري أبطال إفريقيا    صيادلة المنوفية تُكرم أبنائها من حفظة القرآن الكريم    نشأت الديهي: الدولة لا تخفي شيئًا عن المواطن بشأن الوضع في أسوان    مختارات من أشهر المؤلفات الموسيقى العالمية في حفل لتنمية المواهب بالمسرح الصغير بالأوبرا    محمد حماقي يتألق في حفل بالعبور ويقدم «ليلي طال» بمشاركة عزيز الشافعي    نشأت الديهي: الاقتصاد المصري في المرتبة ال7 عالميًا في 2075    وزير الخارجية: نرفض أي إجراءات أحادية تضر بحصة مصر المائية    «موجود في كل بيت».. علاج سحري لعلاج الإمساك في دقائق    اندلاع حريق بمحال تجاري أسفل عقار ببولاق الدكرور    الصين وتركيا تبحثان سبل تعزيز العلاقات    محافظ الإسماعيلية يناقش تطوير الطرق بالقنطرة غرب وفايد    خبير يكشف عن فكرة عمل توربينات سد النهضة وتأثير توقفها على المياه القادمة لمصر    شاهد عيان يكشف تفاصيل صادمة عن سقوط ابن المطرب إسماعيل الليثي من الطابق العاشر    احذر تناولها على الريق.. أطعمة تسبب مشكلات صحية في المعدة والقولون    نشرة التوك شو| انفراجة في أزمة نقص الأدوية.. وحقيقة تأجيل الدراسة بأسوان    خبير لإكسترا نيوز: الدولة اتخذت إجراءات كثيرة لجعل الصعيد جاذبا للاستثمار    د.حماد عبدالله يكتب: "مال اليتامى" فى مصر !!    5 أعمال تنتظرها حنان مطاوع.. تعرف عليهم    قناة «أغاني قرآنية».. عميد «أصول الدين» السابق يكشف حكم سماع القرآن مصحوبًا بالموسيقى    المحطات النووية تدعو أوائل كليات الهندسة لندوة تعريفية عن مشروع الضبعة النووي    فتح باب التقديم بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال الدينى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024 في محافظة البحيرة    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات ورؤى فى المشهد السياسى المصرى
نشر في الوفد يوم 25 - 12 - 2011

هذا ليس مقالا صحفيا وإنما خواطر وحديث ذو شجون، لا مجال فيه للعواطف أو المجاملات ، وأعتذر مقدما عن الإطالة، فمصر فعلا فى خطر داهم ربما أكبر مما نتصور، .. خطر يفرض علينا جميعا أن نفكر بصوت عال ودون خوف، فكلنا شئنا أم أبينا فى مركب واحد.
بداية أود أن أشكر كل الأصدقاء والقراء الأعزاء الذين أرسلوا لى رسائل هاتفية " وإيميلات " أعربوا فيها عن قلقهم بسبب إنقطاعى عن الكتابة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية ، وأود أن أطمئنهم جميعا أننى بخير، فلم يقبض على ولم يطلق أحد على النار من الخلف ، ..كل ما فى الأمر أن ظروفا عائلية وخاصة طارئة وقاهرة أضطرتنى للإنقطاع عن الكتابة.. ورغم إنشغالى القسرى أتابع ما يحدث فى إستياء وحزن ، ولعل حزنى الأكبر هو على الضرر الجسيم الذى لحق فى الداخل والخارج بسمعة المؤسسة العسكرية المصرية والتى أراها الضحية الأولى بعد الشهداء الأبرار لكل ما جرى ويجرى من أحداث عنف ومصادمات، .. رأسى ملىء بالأفكار ولدى تفسيرات لكثير مما جرى ويجرى من أحداث لكن لا أخفى عليكم أن المشهد العبثى وغياب ثقافة الحوار البناء وإنقسام المصريين إلى مع أو ضد تقريبا فى كل شىء على الرغم من الإفتقار والإفتقاد الواضح للمعلومات الصحيحة كلها لا تشجع على الكتابة، ناهيك عن أن كل ما نكتبه جميعا لا جدوى منه، فنحن جميعا نؤذن فى مالطة!.. نحن نكتب ما نشاء والنظام يفعل ما يشاء! .. السيادة الآن أصبحت لأصحاب الصراخ والعويل وقوى الجهل والتعصب والهوس الدينى ، ولطلقات الرصاص الحى وليس لأصوات العقل والحق والحكمة! .
فى الواقع إن كل قواميس اللغات لا توجد بها مفردات وكلمات يمكنها أن تعبر عن مدى حزنى على كل ما يحدث فى مصر،..أشعر أن كم الحزن والغضب فى داخلى هو طاقة بركانية مدمرة، غير أننى أبذل مجهودا خارقا كى أحول هذه الطاقة إلى طاقة إيجابية فى محاولة فردية جادة ومخلصة لإيجاد حل للخروج من المأزق الخطير الذى نتعرض له جميعا، لأن الحلول التقليدية لم تعد مجدية بل أجدها تجعل الأمور أكثر تعقيدا.
أعترف للقارىء العزيز أننى أقف مشدوها أمام هذا الكم من الخبل والعبث الذى يحدث فى مصر؟!! ..
أكاد لا أصدق أن خلاصة القوة الضاربة للجيش المصرى من القوات الخاصة ، من فرق الصاعقة والمظلات فى قلب ميدان التحرير وشوارع مجلس الوزراء والقصر العينى والشيخ ريحان!!.. لماذا يا جنرالات المجلس الموقر؟،.. هل هبطت الفرقة 82 الأمريكية المحمولة جوا على منطقة وسط البلد فجأة ودون أن ندرى؟!! .. وهل خلت مصر من قوات الأمن المركزى التى يزيد عددها على المليون جندى وضابط حتى يتم إنزال القوات الخاصة للجيش إلى شوارع وسط القاهرة؟! .. إن الجيوش القوية تستعرض قوتها وقواتها إما فى عروض عسكرية أو فى ميادين القتال وليس فى ميدان التحرير ، أو ضد مدنيين من الرجال والنساء .،.. إن المسئول عن هذا القرار يجب أن يقدم إلى محاكمة عسكرية فورا بتهمة إهانة الجيش المصرى والشعب المصرى وسمعة مصر فى العالم . رحم الله جنرالات مصر العظام : عبد المنعم رياض، سعد الدين الشاذلى وأحمد إسماعيل وعبد الغنى الجمسى والمشير أبو غزالة، وغيرهم! .
إننى لازلت أشعر بالصدمة والذهول من مشاهد إعتداء بعض أفراد الجيش على بعض الرجال والنساء والفتيات!،.. يا إلهى .. ما كل هذا الغل والكراهية التى رأيناها جميعا وهم يضربون هؤلاء المواطنين العزل من السلاح؟! هذا ليس سلوك الجيش المصرى حتى مع الأعداء فى جبهة القتال،.. إن الجنود والضباط الإسرائيليين الذين تم أسرهم فى حرب أكتوبر 1973 جميعهم أشادوا بحسن معاملة المصريين لهم فما هذه المشاهد المروعة التى رأيناها؟ ،.. إننى لا أريد أن أنفى أو أؤكد صحة هذه المشاهد، ولكنى فقط أطرح سؤالين : كيف يمكن أن يحدث هذا على الرغم من أن أحد المصادر العسكرية التى أثق فيها قد أكد لى أن المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان قد أصدر منذ نحو ستة أسابيع منشورا تم تعميمه على كل أفراد الجيش بعدم الإحتكاك بالمتظاهرين المدنيين أو إطلاق الرصاص عليهم فمن الذى خالف هذا الأمر العسكرى ؟ والسؤال الثانى هو كيف كان أحد الجنود أو الضباط الذين إشتركوا فى ضرب الفتاة التى تم تعرية جسدها يرتدى " حذاء كوتشى" بدلا من البيادة العسكرية؟!! هذا أمر مستحيل أن يفعله ضابط أو جندى فى القوات المسلحة فى مثل هذا المكان والظروف التى وقعت فيها الحادثة،.. من حقنا أن نسأل : هل إندس نفر من العملاء الغرباء أو البلطجية بين صفوف أفراد الجيش ووسط الإضطرابات وهم يرتدون زى أفراد القوات المسلحة والذى يباع على الأرصفة خلف محطة سكك حديد مصر فى القاهرة بهدف تشويه سمعة الجيش المصرى وإحداث الفتنة والوقيعة بين الجيش والشعب؟!! هذه الجزئية يجب أن تكون موضع إهتمام وتحقيق أجهزة الأمن المعنية فى الجيش قبل أجهزة الشرطة.
منذ الحادى عشر من فيراير الماضى والمجلس العسكرى الحاكم يمتلك كل مقاليد السلطة المادية فى مصر، ونحن لا نعرف كيف تتخذ القرارات الهامة المصيرية، .. لا نعرف من الذى أقترح ومن الذى بادر؟، من الذى أيد ومن الذى عارض ؟ ،.. لا نعرف كيف يصدر أحد أعضاء المجلس تصريحات خطيرة تتعلق بالمستقبل السياسى فى مصر لمجموعة من المراسلين الأجانب ثم فى صبيحة اليوم التالى يأتى عضو آخر لينفى تصريحات زميله برمتها ؟!! زهقنا يا سادة من بالونات إختبار المجلس، .. كيف غاب عن السيد المشير وأعضاء المجلس العسكرى بديهية تعيين " متحدث عسكرى " – صوت واحد يتحدث بإسم المجلس بدلا من هذا التخبط المشين، والبيانات العسكرية التى لا تغنى ولا تسمن من جوع ؟، .. إن وظيفة " متحدث رسمى " وظيفة فى غاية الأهمية، وكان قد شرح لى أبعادها وخلفياتها ذات يوم الصديق وأستاذى الراحل – رغم فارق السن بيننا - السفير تحسين بشير– سفير مصر السابق فى كندا، والذى كان رحمه الله أول من شغل منصب متحدث رسمى للرئيس جمال عبد الناصر والحكومة المصرية فى عام 1969، والذى عينه الرئيس السادات متحدثا رسميا أيضا أثناء حرب أكتوبر المجيدة ،.. يحدث هذا التخبط لأن جنرالات المجلس يمارسون السلطة السياسية داخل الغرف المغلقة!، وممارسة السلطة داخل الغرف المغلقة تحت مزاعم حماية الأمن القومى هو خطر مزدوج، ومصر الآن تتعرض لأخطار داخلية وخارجية مزدوجة ، ولعل قضية الإنفلات الأمنى وأعمال البلطجة والعنف فى الشارع المصرى هى الخطر الأكبر والقضية الأولى التى تقلق وتشغل بال المصريين منذ أحداث يناير الماضى.
أعتقد أنه من حقنا كمصريين أن نعرف من هو ذلك " السوبرمان" المصرى الذى منع ظهور البلطجية فى القطر المصرى كله أثناء إجراء المرحلة الأولى من الإنتخابات البرلمانية؟! ، ولماذا لم يتم القبض على البلطجية الذين أحرقوا المجمع العلمى الذى يحتوى على أهم وثائق وخرائط الدولة المصرية؟ أين كانت أجهزة الأمن والمخابرات والمطافىء؟ ،.. لماذا لم تحرك ساكنا لمنع الحريق رغم تواجدها القريب من المبنى ؟
إن حرق المجمع العلمى المصرى هو جريمة شنعاء بكل المقاييس، لكن الجريمة الأشنع منها فى رأيى هى ترك هذا المبنى العريق بلا تأمين أو حراسة حتى يحترق.
إننا لا نريد أعذارا ولا إعتذارات ،.. لا من الحكومة ولا من المجلس العسكرى، وإنما نريد منهم الأفعال لا الأقوال، .. لقد حدثت منذ فبراير الماضى سلسلة من الجرائم مكتملة الأركان، ..نريد أن يتم القبض على الجناة والمجرمين والخونة والعملاء سواء كانوا أجانب أو محليين محسوبين علينا من المصريين،.. نريد تحقيقات وأدلة ومحاكمات وأحكاما رادعة، وقبل كل شىء نريد الشفافية والمكاشفة والمصارحة وتطبيق القانون على كل من تسول له نفسه أن يتلاعب بالأمن القومى المصرى والذى يجب أن يكون فى مقدمة أولوياته أمن وكرامة المواطن المصرى ونساء وفتيات مصر، وكفانا عبثا ولهوا ومزايدات فارغة كاذبة بإسم حب الوطن والوطنية، فهما ليسا حكرا على أحد بعينه أو جماعة من المصريين دون غيرها.
بعد ثورة 25 يناير، لازالت توجد فى مصر نوعية طفيلية من البشر ترقص على كل الحبال، تقبل كل الأيادى، تجلس على كل الموائد، تركب المرسيدس والثورة، وتريد إحتكار الثروة وإحتقار باقى المصريين، طبقة تظهر كثيرا على التليفزيون،تصدع أدمغتنا بالحديث عن الوطنية والإنتماء، مرتدية ثوب الفضيلة لتعظ وتمنح صكوك الوطنية والغفران للشعب الغلبان، .. طبقة من الجهلاء المنافقين فى الإعلام المصرى بلغ نفاقهم حدا من الإشمئزاز يجعل النفاق نفسه يتبرأ منهم!.
قبل أن نختار رئيس مصر القادم وقبل أن نطالب بالديمقراطية فإنه يتعين على كل مصرى أن يستلهم فى داخله وأعماقه " روح سبارتاكوس" كى يحرر نفسه من ثقافة العبيد ، ومن تأثير كتائب المنافقين فى السياسة والإعلام ،.. لا فرق بين منافق ليبرالى أو إخوانى أو سلفى أو ثورجى أو حنجورى . إن المنافقين كلهم سواء، ومهما فعلت قوى التطرف والهوس الدينى وغلاة الحنابلة من الوهابيين فلن ينتصر الظلام على النور إلا إذا إنقطع تيار الكهرباء والتنوير عن العقل المصرى.
يا سادة يا كرام نحن نعيش فى القرن الحادى والعشرين، فمتى نخرج كعرب من قوانين الغابة إلى قوانين الإنسانية والتى هى فى الحقيقة قوانين الإسلام وكل الأديان والرسالات السماوية، ولكن أكثر الناس لا يعلمون!،.. عندما يغيب سلطان العقل فى بلد ما يصبح كل ما يحدث من عبث وفوضى فى هذا البلد أمرا معقولا، .. وتصبح أعظم ثورة شعبية مصرية ألهمت شعوب كثيرة فى العالم ثورة ناقصة ، وأشبه ما تكون بصاروخ " كروز" عابر للقارات لكنه صاروخ بلا جهاز توجيه،.. أصاب رأس النظام وأخطأ الهدف الحقيقى – النظام الفاسد الذى يفرخ لنا الرؤس الفاسدة،.. إن المشكلة ليست فى القطار وإنما فى سائق القطار الذى يسير به فى بطء شديد على خط سريع، ويريد من المصريين أن يقوموا بعد " الفلنكات !!. وكلنا نعلم أن سائق القطار هو المجلس العسكرى الذى يقف خلف عجلة القيادة، ويدير شئون البلاد، وهو يديرها بإتباع نفس أساليب الرئيس المخلوع والنظام البائد لأن أعضاء المجلس فى الحقيقة لا يعرفون غيرها، ولذا فهم فى الواقع الذين يحتاجون إلى يد العون والمساعدة لأن السلطة مسكرة ومفسدة والحمل ثقيل.
إننى بعد بحث وتفكير اكتشفت أن النظام الحاكم وأولى الأمر فى بلدنا – مدنيين وعسكريين - أناس يتمتعون بحكمة وبعد نظر، ويفهمون فى السياسة وشئون الحكم والعقد الإجتماعى والحرية والديمقراطية والدستور والعدل الإجتماعى أكثر من أرسطو وميكيافيللى وجون لوك وجان جاك روسو وفولتير وتوماس جيفرسون ، وأنهم يعرفون أن شعبنا يعانى من وطأة الجوع والحرمان ويحتاج أكثر إلى العيش والأرز والمكرونة والشاى والسكر والزيت وأنابيب البوتاجاز ، وأن قيم الكرامة والحرية والديمقراطية والعدل الإجتماعى وحقوق الإنسان كلها من الكماليات، لأنها لو كانت من الضروريات لكانوا أضافوها على " بطاقات التموين "!... لا ياسادة قيم الكرامة والحرية والديمقراطية والعدل كلها من الضروريات وكما أعلن الدكتور الجنزورى رئيس الوزراء أنه بكى عندما سمع مواطن مصرى فقير يقول إن الأمن لديه أصبح أهم من رغيف العيش. إنها قيم من صميم ديننا الحنيف وكل الأديان السماوية.
وإذا كان أعضاء المجلس العسكرى الحاكم يتصورون أنهم بمقدورهم خرق كافة القوانين والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والتى وقعت عليها الحكومة المصرية، نظرا لأنهم يتمتعون بحماية وتأييد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فيجب أن يعلم جنرالات المجلس أن هذه الحماية الأمريكية لن تنفعهم، ذلك لأن عددا من القادة والزعماء الأمريكيين والإسرائيليين أنفسهم لا يستطيعون زيارة بعض العواصم الأوروبية خوفا من إعتقالهم والقبض عليهم بتهمة إرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بعد توجيه الإتهام لهم من قبل منظمات ومراكز حقوقية دولية،.. ومن بين هؤلاء القادة على سبيل المثال الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش وإيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلى الحالى.
نعم عندما يغيب سلطان العقل فى بلد ما يصبح كل ما يحدث من عبث وفوضى فى هذا البلد أمرا معقولا، ويستطيع لواء طيار متقاعد لا أعرف له وظيفة رسمية هو عبد المنعم كاطو أن يتحدث بكل حرية فى وسائل الإعلام عن وضع بعض أطفال مصر فى " أفران هتلر للغاز " !!! ، .. لو أن سيادته كان فى كندا وأدلى بمثل هذا التصريح علنا لقامت السلطات الكندية بإلقاء القبض عليه وترحيله فورا خارج البلاد، ولصبت كافة المنظمات اليهودية والمدنية فى كندا جام غضبها عليه، ولو كان يحمل الجنسية الكندية لتمت محاكمته والزج به فى السجن فهذا هو القانون فى كندا حيث توجد قوانين تعاقب بالحبس كل من يحض على الكراهية أو العنصرية أو ينتهك حقوق الأطفال، حتى ولو كانوا " أطفال شوارع " فهذا ليس ذنبهم، فهم أولا وقبل كل شىء ضحايا المجتمع المصرى والدولة المصرية ، هل يعلم سيادته أن القانون الكندى يحظر على جميع وسائل الإعلام والصحف الكندية نشر إسم أو صورة أى طفل أو صبى لم يبلغ بعد سن الرشد ، متهم بإرتكاب أى جريمة حتى ولو كانت جريمة قتل؟ . هذه حقيقة لمن لا يعلمها.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد، فقد أتحفنا لواء طيار آخر هو الملحق الجوى فى العاصمة الأمريكية واشنطن بتصريح مؤداه أن اللواء متقاعد عبد المنعم كاطو لا يمثل المجلس العسكرى ولا يتحدث بإسمه، وإنما هو يعبر عن رأيه كمواطن مصرى!!. وأنا بدورى أنبه سيادة الملحق الجوى الذى يعيش فى واشنطن، والسيد عبد المنعم كاطو، وكل قادة المجلس العسكرى إن حرية التعبير فى المجتمعات الغربية الديمقراطية تكفلها الدساتير والقوانين فى هذه البلدان، لكنها ليست حرية مطلقة وكما يتوهم البعض، فمن حقك أن تعبر عن آرائك دون خوف من العقوبة، ولكن فى ذات الوقت توجد قوانين ضد التعبيرات الكاذبة أو التصريحات التى قد تسىء إلى شخص آخر، كما أقول لإخوانى المصريين كافة بإعتبارى أحد أبناء هذا البلد الطيب، شاءت لى الأقدار أن أعيش أكثر من نصف حياتى خارج مصر فى دول أوربية وغربية عديدة ، ودون أن أفقد التواصل أو الإهتمام بالشأن المصرى العام والحرص على مصلحة مصر التى تستحق مكانة أرفع وأكبر بكثير مما هى عليه – أقول مخلصا :
فى كل المجتمعات الديمقراطية العريقة سواء فى الغرب أو فى الهند فإن دساتير وقوانين تلك البلاد تكفل حق التظاهر والإضرابات والإعتصامات ضد أصحاب الأعمال والإدارات فى المصانع والشركات وحتى ضد الحكومة نفسها، لكن كل هذه الحقوق تنظمها القوانين، فمثلا إذا أراد العاملون فى إحدى المؤسسات أو الشركات الكبرى تنظيم إضراب أو إعتصام ضد الإدارة فيجب أولا أن يتم هذا عن طريق دعوة الجمعية العمومية للنقابة أو إتحاد العمال إلى الإنعقاد وإجراء التصويت بخصوص القيام بإضراب عن العمل أو إعتصام، فإذا كانت نتيجة التصويت أغلبية صدر القرار بالإعتصام أو الإضراب عن العمل، عندئذ لا يستطيع أحد المعتصمين أن يعترض طريق أحد الموظفين أو العمال الذين صوتوا ضد الإعتصام لمنعه من الذهاب إلى عمله لأنه سيدخل ولو فى حماية قوات البوليس ، كما أنه ليس من حق المعتصمين أن يشغلوا الطريق الرئيسى أمام المبنى أو أن يعيقوا حركة المرور للمارة أو السيارات، وإذا حدث أى لجوء إلى العنف وخرق القانون فإن من حق البوليس أن يتدخل على الفور لإعادة النظام والقبض على المخالفين، وهنا تستخدم قوات البوليس كل الوسائل المتاحة لها طبقا للقوانين السائدة، وإذا ما حدث تجاوز أو إفراط فى إستخدام القوة من جانب بعض أفراد الشرطة، بالمخالفة للقانون فإنه يتم توقيع العقوبات عليهم أيضا وفقا لنصوص القانون،.. لا أحد فوق القانون، فكل مواطن يعرف ما له وما لديه، يعرف واجباته كما يعرف حقوقه، والحرية ليست مطلقة وهى لا تعنى حرية السب والبذاءة والمساس بحقوق الآخرين، كما أن الديمقراطية فى تلك المجتمعات لها أنياب شرسة فتاكة، وكثيرا ما يعلن قادة وزعماء وحكماء دول الغرب أن الديمقراطية ليست نظاما مثاليا كاملا يخلو من العيوب والنواقص، لكنها تعد أفضل النظم المتاحة لديهم، وبعد أن جربوا كافة النظم الأخرى من قمع وإستبداد وسيطرة الكنيسة الكاثوليكية فى العصور الوسطى فى أوروبا.
أما عندنا فى مصر فحدث ولا حرج، فنحن فى سنة أولى ديمقراطية، ولازلنا نحمل على أكتافنا موروثا ثقيلا وطويلا من الإستبداد وقمع الحريات وإنتهاكات حقوق الإنسان، كما أن مفهوم المواطنة وثقافة إحترام القانون ودولة القانون التى نتشدق بها بالكلام والخطب غائبة ولا وجود لها أرض الواقع، فنحن أصلا لا نحترم القانون لأننا نطبقه بطريقة إنتقائية، كما أننا لا نحترم الدستور ولا حتى إشارات المرور!!، وإنما نكتفى بصب اللعنات ليلا ونهارا على دول الغرب العلمانية " الكافرة " على الرغم من أننا نستورد منها تقريبا معظم طعامنا وضرورياتنا وكمالياتنا! .
بالله عليكم إذا كانت العلمانية كفرا وإلحادا وضد الدين كما يدعى شيوخ التطرف وأصحاب فقه البداوة الصحراوى الذين غزوا مصر خلال العقود الثلاثة الماضية فكيف أن بلدا مثل الولايات المتحدة الأمريكية - قلعة الرأسمالية ومعقل العلمانية فى العالم - بها أكثر من خمسة آلاف مسجدا فى مختلف الولايات والمدن الأمريكية؟! ، وكيف أن حرية العبادة لجميع أصحاب الديانات ومنهم المسلمين مكفولة ومصانة بحكم الدستور الأمريكى والقانون ، ويمارس المسلمون هناك شعائرهم ربما بحرية أكثر بكثير من الحرية المتاحة فى أى بلد عربى بما فى ذلك مصر؟!
المتطرفون وأصحاب العقول الخاوية والمغيبة طبعا لن يردوا على هذه الجزئية بجزئية أخرى ولا على الحجة بالحجة لأنهم لا يعرفون ثقافة الحوار الموضوعى البناء ولايجيدون إلا حوار الطرشان، وسوف يمطروننا بردودهم المعتادة مثل : وماذا عن الغزو الأمريكى للعراق، وفضائح التعذيب فى سجن " أبو غريب" ؟، لكن لن يسألوا أنفسهم كيف تم الغزو الأمريكى على العراق ، والذى ما كان له أن يتم دون مساعدة دول الخليج التى إنطلقت الطائرات الأمريكية من مطاراتها الحربية والقواعد العسكرية الموجودة فى الخليج لتقصف العراق!،.. كما أنهم لن يسألوا أنفسهم كيف عرفوا أصلا بفضيحة سجن أبو غريب؟ هل عرفوا بها من الإعلام العربى ؟! طبعا هم لا يعرفون أن العالم كله قد عرف بهذه الفضيحة لأن " جندى أمريكى من أصحاب الضمائر الحية هو الذى التقط صور التعذيب المشينة بكاميرا ديجيتال صغيرة من داخل السجن وأرسل بها إلى إحدى شبكات التليفزيون الأمريكية.
إن قوة الجهل المتفشى فى مصر - الجهل بمفهومه الواسع وليس فقط جهل الأمية - تفوق قوة الجيش المصرى الذى نجح فى إستقطاب هذه القوة لصالحه، فأصبح العقلاء الشرفاء فى مصر يحاربون معارك غير متكافئة على عدة جبهات ، .. فى يوم واحد يقتل شيخ أزهرى جليل، ومهندس ، وطبيب شاب حديث التخرج، ثم يحدثنا النظام عن " البلطجية"!!
حقا عندما يغيب سلطان العقل فى بلد ما يصبح اللامعقول أمرا معقولا، لكن اللامعقول الذى استعصى على فهمه هو تلك الدعوة الغريبة الشاذة على يد جماعة " الأناركية" من المصريين الذين يطلقون على أنفسهم حزب " الإشتراكيون الثوريون" ، والذين أعطتهم بعض أجهزة الإعلام المصرية والخليجية حجما أكبر من حجمهم فى الشارع السياسى المصرى، وتتلخص دعوة أفراد الحركة فى المطالبة بإسقاط النظام والجيش والدولة المصرية!!!
إننى أستطيع أن أفهم الدعوة لإسقاط النظام، وهذا يحدث فى كل الديمقراطيات العريقة عن طريق تداول السلطة كل عدة سنوات ومن خلال العملية الديمقراطية ذاتها، فيتبوأ الحزب المعارض مقاليد السلطة والحكم ، وينتقل الحزب الحاكم إلى صفوف المعارضة الرسمية، لكننى لم أسمع أبدا بأحد يطالب بإسقاط الدولة ذاتها إلا هنا فى مصر،.. هل يعرف حقا أصحاب هذه الدعوة ماذا يقولون؟! ،.. هل يعرفون الفرق بين إسقاط النظام وإسقاط الدولة؟ أتمنى أن يشرح لنا أصحاب هذه الدعوة الخطيرة ما الذى يقصدونه بإسقاط الدولة؟! لأن إسقاط الدولة لن يسفر عنه سوى ثلاث نتائج: أن تعم الفوضى، والعودة إلى شريعة الغابة، وإعطاء الذريعة للتدخل الأجنبى من جانب القوى العظمى لحماية مصالحها ورعاياها وحقوق الأقليات، وتكون المحصلة النهائية إعادة إحتلال سيناء، و " جود باى " قناة السويس، فهل هذا هو ما يريده أصحاب هذه الدعوة الجنونية الخطيرة؟!!!
إن ما يحدث فى مصر الآن هو صراع محتدم على السلطة ، وتضارب مصالح، وسوف يتصاعد هذا الصراع خلال الأسابيع والأشهر القليلة القادمة، ومصر فى خطر داهم ولن يدرأ الخطر عن مصر ويخرجها من عثرتها الحالية إلا تلاحم وتكاتف كل أبناء مصر العقلاء الشرفاء.
‎- يقول الرئيس الأمريكى الثالث توماس جيفرسون:
" أتمنى أن تكبر حكمتنا مع سلطتنا،.. أتمنى أن تعلمنا أنه كلما كان إستخدامنا للسلطة أقل كلما عظمت سلطتنا".
_ _ _ _ _ _ _
كاتب صحفى مصرى-كندى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.