بدأ ظهور الجماعات الإسلامية بمفهوم سياسى وليس دينياً، حيث رأى قائد ومؤسس تلك الجماعات ضرورة الخروج لمقاومة فساد النظام وهو المنهج الذى سار عليه جميع مؤسسى تلك الجماعات بداية من «سالم رحال الأردنى الأصل»، صاحب فكر الجهاد ضد الحاكم ومقاومته، وهذه التفاصيل ذاتها التى قام عليها تنظيم الجهاد بزعامة أيمن الظواهرى، وهو ما اتفق عليه قادة الجماعة الإسلامية فى أواخر السبعينيات من القرن الماضى وشكلا معاً تنظيماً سرياً لقتل السادات وهو ما حدث فى أكتوبر 1981. وعلى خلفية التحقيقات فى ذلك الوقت أكد المتهمون أن فساد الحاكم وراء مقتله وابتعاد الدولة عن تطبيق الشريعة الإسلامية كان السبب الرئيسى فى اغتياله ومحاولة إقامة نظام إسلامى بديل. «الوفد الأسبوعى» طرحت سؤالاً على قادة الجماعات الإسلامية الذين شارك معظمهم فيما عرف بحادث المنصة الذى أودى بحياة الرئيس السادات، وبعد اقتراب الإسلاميين من الحكم بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتى سيطرت خلالها الجماعات الإسلامية، وهو: هل يجوز الخروج بمظاهرات ضد الحكومة الإسلامية التى أفرزتها الانتخابات؟ وما موقف الإسلاميين من ذلك، رغم وجود مبدأ «الحاكمية» الذى يرفض الخروج على الحاكم حتى وإن كان ظالماً أو فاسداً تجنباً لحدوث الفتنة ووقوع البلاد فى أزمات ومشاكل وصراعات. ناجح إبراهيم، زعيم الجماعة الإسلامية ومؤسسها وهو أيضاً أحد المتهمين الرئيسيين فى مقتل السادات، يقول إن الشريعة الإسلامية فى رأيى واجبة التطبيق على المجتمع المصرى بحسب وسع المجتمع، فلكل مجتمع وسع كما لكل فرد وسع ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها والشىء نفسه بالنسبة للمجتمعات. ويؤكد أن الوسع يختلف من مكان لآخر ومن مجتمع لآخر، فالمجتمع السعودى «وسعه» أعلى من المجتمع المصرى الذى يعد مجتمعاً أوسع من مجتمع تونس وتونس مجتمع أوسع من تركيا وهكذا. وأضاف أن الفترة المقبلة المفروض أن تشهد تدرجاً فى الأحكام بحسب وسع المجتمع المصرى ولابد من تبنى الحريات العامة والعدل السياسى والاجتماعى وإقامة دولة قوية اقتصادياً وأظن أن الإخوان سيكونون متعقلين لفهم ذلك. وأشار ناجح إلى أن تحريم المظاهرات والخروج على الحاكم أمر لا يستطيع تيار أو جماعة إقراره أو ترسيخه فى المجتمع حالياً، والدستور لابد أن يكون توافقياً فهو خاص بالمصريين جميعاً ولا يخص الإسلاميين فقط. وأكد أن الأغلبية البرلمانية قد بقت لسنوات قليلة، أما الدستور فهو دائم لسنوات طويلة ولابد أن يراعى أطياف المجتمع كله. د. كمال حبيب، القيادى السابق بتنظيم الجهاد مؤسس حزب التنمية والسلامة، يؤكد أن الحاكمية قيمة بمعنى أن الشريعة تتجلى فى مناحى الحياة لكن المفترض ألا يخيف الناس، فالإخوان يتبنون مبدأ أن الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع، وأن أغلب القوانين لا تتعارض مع الشريعة ويرون أن تأهيل المجتمع لابد أن يأتى فى المقدمة كشرط أساسى لتطبيق الشريعة. وأضاف أن المظاهرات حق من حقوق الناس خاصة بعد الثورة، فهناك علاقة عقدية بين الحاكم والناس فهم الذين منحوا الحاكم الشرعية التى لا تستمد من الجماعات، بل من صندوق الانتخابات، وإذا لم يلتزم الحاكم بالبرنامج الذى وضعه يمكن ألا يصوت الناس له فى الانتخابات المقبلة. وأوضح «حبيب» أن هذا يعد خروجاً سياسياً مباحاً لمحاسبة المسئول أو الحاكم، أما فكرة الخروج بالسيف فهى قديمة وغير موجودة، فالانتخابات هى الطريق الآن للتغيير فى حالة عدم وفاء الحاكم بتعهداته. وأكد أن المفاهيم القديمة للبيعة وولى الأمر نمط سياسى قديم، فى عصور سابقة، حيث كان أهل العقد والحل هم علماء ووجهاء القبائل ورؤساء جيوش لكن الحال اختلف الآن ومن ثم ففكرة البيعة غير موجودة، وهناك شكل سياسى جديد تتوافق عليه المجتمعات الدولية جميعاً. وأضاف أن تفعيل القيم الإسلامية هو الأهم فى الفترة المقبلة، والتى أمرنا بها الإسلام من العدل والأمانة والنظافة والحرية وكلها قيم سوف تؤدى إلى النهوض بالمجتمع. أما ممدوح إسماعيل، مؤسس حزب الفضيلة أحد الفائزين فى الانتخابات، فيؤكد أن الحديث عن تحريم المظاهرات أمر غير وارد مطلقاً، فالمظاهرات السلمية مكفولة والإسلام أتاح ذلك، والقول الآن بتحريم الخروج على الحاكم ضد الواقع السياسى الحالى. وأضاف أن المعارضة مكفولة للناس من عهد الصحابة فعمر رضى الله عنه قال: «إن رأيتم فى اعوجاجاً فقومونى» وإذا كانت هذه الآراء لتيار أو أشخاص فهم لا يمثلون إلا أنفسهم، والدستور لابد أن يكون توافقياً ومعبراً عن جميع أطياف المجتمع. منتصر الزيات، محامى الجماعات الإسلامية المرشح السابق لنقابة المحامين، يرى أن الحاكم ليست له عصمة ولابد من عزله إذا خرج عن تفويض الشعب، فينصح ويعزل ويقوَّم وهناك ضوابط لا يخرج عليها أى أحد فمن أخطأ لابد أن يحاسب. وتابع: إن تجريم المعارضة والمظاهرات السلمية ضد الحاكم ليس من الإسلام الذى كفل حرية الرأى وكان سباقاً إلى هذه القيم والمبادئ قبل الغرب أجمع، مشدداً على أن الدنيا الآن تغيرت عن العصور السابقة وأصبحت هناك آليات جديدة يعبر من خلالها الناس عن آرائهم ومعارضتهم للمسئولين الذين لابد أن يستمعوا إلى تلك الآراء المعارضة وأن تخضع للأجهزة الرقابية المختلفة التى لابد من تفعيلها الفترة المقبلة. أما القطب اليسارى أحمد بهاء الدين شعبان، أكد أن التيارات الدينية بعد الثورة بدأت فى حصاد نتائج الثورة وإقبال الناس على التصويت، وقضية الديمقراطية تقبل ذلك، ولكن استخدام سلاح الدين والتكفير أخطر شىء، حيث رفعت شعارات دينية مرتكزة على قضية واضحة هى الصبر على الحاكم الفاسد طالما لا يمنع الناس عن أداء فرائض الشريعة وحرمانية الخروج على الحاكم. وأشار إلى أن أى حزب أو تيار يمثل هذا النموذج لابد أن يراجع نفسه، حيث إن الشعب لن يقبل ذلك وسيضحى بأى شىء من أجل الحرية وكانت شعارات الثورة مدنية وحرية وعدالة اجتماعية ولن يسمح الشعب بأن تسلب منه الثورة والحرية التى ضحى من أجلها بدماء أبنائه. ويشدد على أننا لن نقبل الفاشية الدينية، وأن تفعيل مبدأ وفقه الحاكمية يعد انتكاسة للديمقراطية، والمفترض أن الأحزاب الدينية التى تمتعت بحرية كفلتها لها الثورة يجب ألا تكون هى نفسها قيداً على الحرية ويجب عدم المساس بمدنية الدولة ومبادئ الثورة وأحذر من وقوع كارثة فى حالة فرض هذا النموذج على الشعب المصرى الذى لن يقبل هذا أبداً. فيما يرى حافظ أبوسعدة، أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن فكرة إجبار الشعب على شىء الآن باتت غير مقبولة، ولن يسمح بعد الآن بنظام ديكتاتورى وتفعيل مبدأ تحريم المظاهرات وعدم قبول حرية التعبير أمر فى غاية الخطورة ويتناقض مع الالتزامات الدولية لمصر فى مجال حقوق الإنسان. وأضاف أن الدستور المصرى لابد من التوافق المجتمعى عليه وألا يعبر عن فكر واحد أو تيار معين والأغلبية البرلمانية تكون مؤقتة والشعب الذى اختار تياراً ما إذا لم يف هذا التيار أو الحزب بالتزاماته ووعوده سوف يسقطه الشعب فى المرات التالية للانتخابات. وأكد أبوسعدة أن المجتمعات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الآن تنظر باهتمام شديد إلى حرية الفرد ومبادئ الديمقراطية وحرية التعبير وتقف أمام قمع الشعوب وتسجل أى انتهاكات لحقوق الإنسان، من هنا فمصر مطالبة باحترام التزاماتها الدولية وأن تكفل حق التعبير والحرية وعدم التمييز بين أبناء الشعب، وإقرار مثل هذه القوانين متعارض مع جميع قوانين ومبادئ حقوق الإنسان فالتظاهر السلمى حق مكفول للجميع. المستشارة تهانى الجبالى، القاضية بالمحكمة الدستورية، ترى أن الدولة المصرية راسخة ولها تقاليد دستورية، وأى لاعب سيدخل فى الجماعة الوطنية لن يستطيع فرض شروطه فما حدث من استقطاب دينى وتغير ثقافى فى النظام القديم لا يؤثر على ثوابت الدولة ودستورها. وعما يثار عن نماذج لتحريم الخروج على الحاكم أو تحريم التظاهر السلمى قالت إن ذلك يتحمل مسئوليته لأن الأغلبية البرلمانية متغيرة فاليوم إسلامية وغداً يسارية وهكذا وفق الصندوق الانتخابى، ووضع الأغلبية المتغيرة للدستور يعد انحرافاً دستورياً فالدستور توافقى للمجتمع كله.