في لحظات الشدة والأوقات العصيبة، تظهر معادن الرجال الأوفياء، وهم يجسدون معاني وقيم الوفاء لأهل الوفاء، وما مبادرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة وتكفله بترميم المجمع العلمي في القاهرة، سوى تجسيد لهذه القيم. ومن مقر إقامته في العاصمة الفرنسية باريس، حيث يقضي فترة نقاهته إثر العملية الجراحية البسيطة الناجحة التي أجريت لسموه، حرص “سلطان الثقافة” على الاتصال ببرنامج “العاشرة مساء” على قناة “دريم 2 المصرية”، ليعرب عن أسفه الشديد وألم كل غيور ومحب لمصر “على حرق المجمع العلمي، إحدى الثروات العلمية المهمة ليس لمصر فقط لكن للأمة العربية”، متعهداً سموه ليس بترميم المجمع العلمي على نفقته الخاصة، فحسب وإنما تزويده كذلك بنسخ من مقتنيات سموه من الكتب والمخطوطات الأصلية التي طالها الحريق، ومنها كتاب “وصف مصر”، والمجلة الدورية التي ظهرت عام 1860، والطبعات الفرنسية لبعض الكتب، وخرائط الأمير يوسف كمال النادرة، عرفاناً لمصر ودورها الحيوي في التعليم والتنوير في مختلف مناطق العالم العربي والإسلامي على الرغم من الظروف الصعبة التي كانت تمر بها. وترقرق الدمع في المقل، وسموه يقول “أطمئن الناس بأن ما يصيب مصر يصيبنا، وهذا ليس بمنة، وهذا ليس بإكرام، إنما هذا جزء من رد الجميل لمن يسر علينا نحن، خاصة أبناء الشارقة، فنحن أتتنا البعثة المصرية عام 1954، وفي هذا الوقت كانت مصر بحاجة إلى العملة الصعبة، ومع ذلك وصلت البعثة المصرية إلى أعداد كبيرة، تكفلت بها الحكومة المصرية، ونورونا وعلمونا وأكملوا الطريق في جامعاتهم في “القاهرة” و”الإسكندرية”، ونحن لا نستطيع رد الجميل بل مهما فعلنا لا يكفي لرد الجميل”. عبارات وكلمات أسرت القلوب، وهي تتحدث عن مساهمات رجال من كنانة الله على أرضه أتونا في أزمان صعبة، وأوقات شدة عليهم قبل أن تكون علينا. وفي خمسينيات القرن الماضي أيضا كان عشرات الآلاف من عرب الخليج وجنوب الجزيرة العربية، وبالذات من سلطنة عمان واليمن يقيمون في بلدان شرق أفريقيا، وصلتهم بعثات مصر التعليمية، لتساهم في حفاظهم على هويتهم ولغتهم العربية، في وقت كانت فيه الخزينة المصرية أحوج للعملات الصعبة. وابتعث عشرات الطلاب العمانيين واليمنيين من شرق أفريقيا للدراسة في القاهرة، يقاسمون أشقاءهم المصريين القوت في زمن كانت مصر تضمد فيه جراح العدوان الثلاثي والحصار الغربي. واليوم ومصر تمر بظروف وتحولات دقيقة، نحن مدعوون للوقوف إلى جانبها بكل ما تعنيه هذه الوقفة من معنى، ودعوات من القلب للخالق عز وجل أن يحفظ مصر وأهل مصر، وتبقى ذخراً للعرب لتواصل دورها الريادي. والشكر والامتنان لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لهذه اللفتة الأخوية غير الغريبة على أبناء القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، الذي تصدر لواء عودة مصر للأسرة العربية، عندما أراد البعض عزلها، وقال” لا غنى للأمة العربية عن مصر.. ولا غنى لمصر عن أمتها العربية”.