مع تزايد المؤشرات على فوز التيار السلفي في الانتخابات وإمكان تحقق فرضية مشاركته في الحكم تبدو أهمية التساؤل حول المآل الذي يصل إليه في مسيرته تلك خاصة في ضوء المفارقة بين فكر السلفيين والواقع الذي هم مقدمون على التعاطي معه؟ يذكرنا هذا الموقف بشكل أو بآخر برحلة ابن فضلان إلى بلاد الصقالبة – بلاد الشمال والتي تشمل روسيا والدول الإسكندنافية. لقد خرج ابن فضلان ضمن بعثة للخليفة العباسي المقتدر بالله (509 ه - 921 م) بناء على مطلب ملك الصقالبة بإرسال من يفقهه في الدين ويعرفه بشرائع الإسلام. ومع إيغال الوفد في الرحلة بدا لابن فضلان يدرك الواقع المغاير للشعوب التي يتجه إليها ومفارقته المثال الإسلامي الذي يسعى لتقديمه ، الأمر الذي يبدو لنا في أكثر صوره وضوحا فيما يشير إليه في رسالته بقوله: نزلنا يوماً على رجل منهم فجلسنا وامرأة الرجل معنا فبينما هي تحدثنا إذ كشفت فرجها وحكته ونحن ننظر إليها فسترنا وجوهنا وقلنا: أستغفر الله فضحك زوجها وقال للترجمان: قل لهم تكشفه بحضرتكم فترونه وتصونه فلا يوصل إليه هو خير من أن تغطيه وتمكّن منه». وبعيدا عن التفاصيل التي يوردها ابن فضلان فقد كان من بين ما استدعى ذكره لديه ويخالف الشريعة ما أشار إليه بخصوص السباحة عراة وشرب الخمر– الأمران اللذان يمثلان مقومات السياحة وأبرز التساؤلات بشأن موقف السلفيين حال توليهم الحكم في مصر. يقول ابن فضلان في ذلك: «وينزل الرجال والنساء إلى النهر فيغتسلون جميعاً عراة لا يستتر بعضهم من بعض»؟. وقد سعى الرجل لتصحيح الموقف دون جدوي حيث يقول «وما زلت اجتهد أن يستتر النساء من الرجال في السباحة فما استوى لي ذلك». أما الخمر فمما يذكره قوله «وهم مستهترون بالنبيذ يشربونه ليلاً ونهاراً وربما مات الواحد منهم والقدح في يده». بعيدا عن الجدل العنكبوتي بشأن الرحلة والذي قد لا يستطيع القارئ الخروج منه إذا دخله، ومفارقة أحوال شعوب الصقالبة التي توجه إليها ابن فضلان، عن أحوالنا ، نشير إلى ما ذهبت إليه إحدى الروايات الغريبة بشأن مصير ابن فضلان نفسه، وهو الأمر الذي لم نعثر له على أثر في رسالته التي ذكر فيها تفصيلات رحلته ما يثير التساؤل بشأن مصدر استنتاجه. وفقا لهذه الرواية فقد انتهى الأمر بابن فضلان ليكون أقرب إلى كونه واحدا من هذه الشعوب حيث تقاعس عن الصلاة بفعل تغيرات الظروف والاحوال، وإزاء موجات الصقيع التي تسود هذه البلاد ورصد بعض ملامحها، اضطر لشرب الخمر باعتبارها وسيلة للتدفئة، ما يشير إلى أن الواقع يكون له متطلباته التي تتجاوز حدود الفكر والنظر. وقد يكون من الجوانب المهمة هنا الإشارة لنهج ابن فضلان في التعامل مع هذا الواقع والذي يذكره المستشرق كريتون من أنه رغم أن ابن فضلان كان قد شعر بالوجل «من كثير مما شاهده واعتبره فظا وفاحشا أو وحشيا ، لكنه لم يبدد وقته بتوجيه الإهانات له ، فإذا ما أبدي امتعاضه مرة، عاد مباشرة إلي ملاحظاته النيرة وكان يروي ما يراه بأقل قدر من الاستعلاء أو الشعور بالتفوق». فهل ينتهى السلفيون بالاندماج في الواقع الذي يرفضونه ويكونون أحد مكوناته؟ في ضوء حقيقة أن السلفيين يرون ان هذا الواقع مزر وينتابه مخالفة الدين في العديد من الجوانب – وهو كذلك بالفعل إذا نظرنا إليه من منظور معين في الإسلام. في معرض محاولة تصور مستقبل السلفيين حال مشاركتهم في الحكم، وبعيدا عن السيناريوهات التخويفية التي ترسم صورة بشعة لهم يمكن القول إن ذلك قد لا يخرج عن بدائل اساسية ثلاث أولها محاولة تطبيق فهمهم للإسلام وهو فهم يقوم في جانب منه على نظرة ضيقة لمضمون الدين وفي هذه الحالة فإن الصدام مع المجتمع سيكون حتميا. وعلى هذا فإذا سارت الامور وفق منطقها الديمقراطي فإنهم لن ينجحوا في الانتخابات المقبلة. أما البديل الثاني فهو الذي أشرنا إليه على شاكلة ابن فضلان ونهايته الغريبة التي قد تبدو متخيلة وهو أمر ينزع عنهم سمتهم السلفي بشكل يبدون معه وكأنهم كانوا يسعون للحكم ليس إلا، ويقضي على أي بصمة خاصة لهم وهو بديل يبدو كذلك مستبعدا وإن كانت وطأة الواقع قد تفرضه. أما البديل الثالث فهو محاولة المواءمة بين الفكر والواقع بتقديم نموذج أكثر معقولية ومقبولية مقتربين في ذلك من فكر الأحزاب الإسلامية الأخرى مثل «الحرية والعدالة» و«الوسط» .. الأمر الذي قد يجدون صعوبة فيه إزاء كونهم ما زالوا مبتدئين في هذا المجال فيما يمكن وصف الحرية والعدالة، مثلا، باعتباره امتداداً للإخوان المسلمين بأنه مخضرم في هذا الصدد. في النهاية فإن الأمر، يعبر بكل المعاني عن مأزق يواجهه التيار السلفي، الأيام وحدها كفيلة بأن تحدد لنا كيف سيتعامل معه؟