على مدار 18 عامًا، هي عُمر الحقبة الرئاسية التي تولى فيه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر حكم مصر، سجل التاريخ له خطابات لا تُنسى حملت من القوة والجرأة كثيرًا، وانطوت على قرارات مثلّت مرحلة فاصلة في التاريخ المصري. انتقت "الوفد" في الذكرى ال46 لرحيل زعيم الأمة عبدالناصر، أسرش وأقوى 4 خطابات له ألقى البعض منها في الداخل، والبعض الآخر سمعها العالم أجمع في المحافل الدولية، فقد كان الراحل هو أول من تنبىء أيضًا بإرهاب جماعة الإخوان في رسالة شديد وجهها للمرشد آنذاك. "تأميم القناة" واحد من الخطابات القوية التي ألقاها الزعيم من قلب ميدان المنشية، في مساء يوم 26 يوليو عام 1956، حملت الخطبة زويتان، الأولى بمناسبة مرور 4 سنوات على رحيل الملك فاروق عن مصر، والثانية إعلان تأميم قناة السويس وجلعها ملك للدولة. "قرار من رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقنال السويس البحرية".. ما أن نطق عبدالناصر لتلك الكلمات حتى عج الميدان بالتصفيق الحار، وشهدت خطبته تجاوبًا وصدى كبيرًا ليس في مصر فقط بل في العالم كله. وهاج العالم في ثورة قوية ضد قراره، ووصفته وسائل الإعلام البريطانية بأنه فقد عقله، وشبه مسؤولون أمريكان ب"هلتر"، وقيل أن هذا القرار هو سبب العدوان الثلاثي على مصر في نفس العام، وكان القرار وقتها بمثابة بداية لدور مصر على الصعيد العالمي. "رسالة للمرشد" وكال الزعيم الراحل إلى جماعة الإخوان عدة اتهامات وسخرية لا تنسى، خلال واحدًا من أشهر خطاباته التي كرسها للتندر من تشدد الجماعة، قال فيه: "سنة 35 كنا مخلصين في أننا نتعاون مع الإخوان، على أن يسيروا في الطريق الصحيح والسليم، وقابلت المرشد العام للجماعة، وقعد وطلب مطالب أول شيء طلبه، أنه يجب أن نقيم الحجاب في مصر، وتخلي كل واحدة تمشي في الشارع تلبس طرحة". لتضج القاعة في تلك اللحظة بالضحكات الساخرة والتصفيق الحاد، ويتابع عبد الناصر: "إذا الواحد قال هذا الكلام هيقولوا رجعنا لأيام الحاكم بأمر الله، اللي خلى الناس تمشي بالنهار ومتمشيش بالليل". واستكمل: "أنا أرى أن كل واحد في بيته ينفذ هذا الكلام، فقالي لأ أنت الحاكم والمسئول، قولتله أنت بنتك في كلية الطب مش لابسة طرحة، ملبستهاش طرحة ليه؟، إذا كنت أنت مش قادر على بنتك، هقدر أنا ألبس 10 مليون بنت الطرحة". "المعونة على الجزمة" ولم تفلت الولاياتالمتحدةالأمريكية من خطاباته القوية، والتي نالت منه هجومًا قويًا، وقتما أعلن رفضه المعونة التي يستغلها الأمريكان للضغط على مصر والتحكم في سياساتها، موجهًا لها رسالة لم تنساها حتى الآن. وقال وقتها: "إننا نتعامل مع دول العالم على أساس أنه ليس مسموحًا لأحد أن يتدخل في شؤوننا، وإذا ظن الأمريكان أنهم بمعونتهم بإمكانهم أن يتحكموا فينا وفي سياستنا، فأنا أقول لهم آسف، ونحن مستعدون لتقليل استهلاكنا للحفاظ على استقلالنا وعلى معركة 1956". وتابع: "الأمريكان لا يمنحوننا مصانع، نحن نأخذ من الأمريكان قمح ولحوم ودجاج بحوالى 50 مليون جنيه، وميزانيتنا تبلغ في ألسنة ألف و100 مليون جنيه، وننفق على الخطة حوالي 400 أو 500 مليون جنيه". وأضاف: "وإذا استدعى الأمر توفير الخمسين مليون جنيه دي، نوفرها على الجزمة، واللي سلوكنا مش عاجبه يشرب من مية البحر واللي ما يكفهوش البحر الأبيض يأخد البحر الأحمر معاه، واللي هيتكلم كلمة هنقطعله لسانه، إحنا ما بنقبلش الضغط، ولا الكلام السخيف، ولا الرزالة، وإحنا ناس خلقنا ضيق وخلقتنا كدة وطبيعتنا كدة". واستكمل" "إذا كان الأمريكان فاهمين إنهم بيدونا شوية معونة علشان يتحكموا فينا، وفي سياستنا، أنا بقولهم إحنا مستعدين نقلل استهلاكنا من المواد الغذائية، في سبيل أن نحافظ على استقلالنا اللي حاربنا علشانه". "التنحي" ومن خطاباته المأساوية التي فجرت ثورة غضب في الشارع المصري، ما أعلنه يوم 9 يونيو حين ألقى خطاب التنحي عقب حرب 1967، التي هزم فيها الجيش المصري على يد القوات الإٍسرائيلية ووقعت سيناء والضفة الغربية فريسة لهم. وكان نص خطابه المدوي كالآتي: "لقد كنت أقول لكم دائمًا إن الأمة هي الباقية، وإن أي فرد مهما كان دوره، ومهما بلغ إسهامه في قضايا وطنه، هو أداة لإرادة شعبية، وليس هو صانع هذه الإرادة الشعبية". وتابع: "وتطبيقًا لنص المادة 110 من الدستور المؤقت الصادر في شهر مارس سنة 1964، فلقد كلفت زميلي وصديقي وأخي "زكريا محيي الدين" بأن يتولى منصب رئيس الجمهورية، وأن يعمل بالنصوص الدستورية المقررة لذلك". وأضاف: "وبعد هذا القرار فإنني أضع كل ما عندي تحت طلبه، وفي خدمة الظروف الخطيرة التي يجتازها شعبنا، إنني بذلك لا أصفي الثورة، ولكن الثورة ليست حكرًا على جيل واحد من الثوار، وإني لأعتز بإسهام هذا الجيل من الثوار، ولكن قررت أن أتنحى تمامًا عن الحكم وأعود إلى صفوف الشعب مواطنًا". واختتم: "أشكر تحقيق سيطرة الشعب على موارد ثروته وعلى ناتج العمل الوطني، واسترد قناة السويس، ووضع أسس الانطلاق الصناعي في مصر، وبنى السد العالي ليفرش الخضرة الخصبة على الصحراء المجدبة، ومد شبكات الكهرباء المحركة فوق وادي النيل الشمالي كله، وفجر موارد البترول بعد انتظار طويل". ليخرج الشعب في مظاهرات عارمة ملأت شوارع القاهرة، تطالبه بعدم التنحي وتؤكد تجديد ثقتها فيه كقائد ورئيس للدولة المصرية، وأقبل البعض على الاعتصام في الشوارع كي يعدل الزعيم عن قراره وهو ما حدث بالفعل.