قرابة 10 أشهر مضت على تحركات المجموعة القانونية المصرية لاسترداد أموال مصر وملياراتها المهربة للخارج خاصة إلى الدول الأوروبية على أيدى رءوس وأذناب عناصر النظام السابق . غير أن تلك المجموعة التى يقودها شخصيات معروفة منها محمد سليم العوا أحد مرشحى الرئاسة والدكتور حسام عيسى أستاذ القانون بجامعة عين شمس، والدكتور فؤاد رياض أستاذ القانون الدولى والقاضى السابق بالمحكمة الجنائية الدويلة ليوغسلافيا السابقه، وغيرهم، قد وصلت فيما يبدو الآن إلى طريق مسدود . ليس لأن الدول الأوروبية لا تريد إعادة الأموال، بقدر أن السبب الحقيقى يرجع إلى تقاعس الحكومة رسميا وقانونيا عن بذل جهودها الحقيقية لاستعادة تلك المليارات، من دول أبدت من قبل استعدادها لإعادة الأموال، وعلى رأسها بريطانيا، اسبانيا، فرنسا، بلجيكا، فقد تقاعست حكومة عصام شرف فى اتخاذ خطوات حاسمة قانونية وسياسية لاسترداد تلك الأموال ومن قبلها حكومة أحمد شفيق. والآن الجنزورى وحكومته مطالبين باتخاذ خطوات حقيقية وجادة لاستعادة تلك المليارات، والتى يمكن أن تسد جزءا كبيرا من العجز المالى والأزمة الاقتصادية التى تعانيها مصر الآن، والتى حذر الجنزورى نفسه أنها ستدخل نفقا أكثر ظلاما، غير أن تلك الدول الأوروبية وغيرها تحتاج إلى خطوات مصرية واضحة من الناحية القانونية حتى تتمكن من اتمام إجراءاتها القانونية أيضا داخل البنوك، لرد الأموال. وأولى تلك الخطوات صدور أحكام مصرية واضحة حول عدم مشروعية ملكية عناصر النظام السابق للأموال المودعة بالبنوك الأوروبية، مع تحديد حجم هذه الأموال ولو بصورة تقريبية، والتأكيد بأنها أموال مصدرها الكسب غير المشروع، وأنها ملك لمصر، وبالتالى يمكن لوزارة العدل بالدولة الأوروبية المعنية تسليم أحكام القضاء المصرى، والتعامل الرسمى معها وإخطار البنوك لديها، التى تتخذ بدورها إجراءاتها لإعادة تلك الأموال . وقد يمكن فى الواقع الاستغناء عن كل تلك الإجراءات الرسمية الأوروبية، وتسليم الأموال إلى مصر، لأنها معروفة ومسجلة بأسماء عناصر النظام المصرى المخلوع، كما فعلت بعض الدول الأوروبية مع تونس . ولكن يبدو أن الاتحاد الأوروبى يتعامل مع مصر غير تعامله مع تونس، وتحاول دول أوروبا الاحتفاظ بأموال مصر للأبد، أو لأطول وقت ممكن لاستثمار تلك الأموال وتشغيلها، ومن ثم تسليمها فيما بعد، هذا إن بقى منها شىء، ولم يتم غسلها فى مشروعات أخرى، على غرار ما حذر منه الدكتور فؤاد رياض فى تصريحات خاصة سابقه للوفد، والذى أشار إلى أن الدول الأوروبية يشوبها شبه تواطؤ لغسل الأموال المصرية عن طريق خبراء فى هذا المجال حتى لا تعود أموالنا للأبد . والمثير أن دول أوروبا تتظاهر الآن بسعيها لتقديم مساعدات مالية لمصر، لدفع العملية الديمقراطية، وهى مساعدات يأتى غالبها فى صورة قروض، والأخرى منح تافهة، لا يمكن أن تنقذ الوضع الاقتصادى الكارثى فى مصر، ولا يمكن أن تدفع العملية الديمقراطية وفقا لمزاعمها. والمثير أيضا أن الجهود الرسمية المصرية التى سبق وبدأها المستشار عاصم الجوهرى مساعد وزير العدل لشئون جهاز الكسب غير المشروع ورئيس اللجنة القضائية لاسترداد الأموال المهربة للخارج فى أكتوبر الماضى مع إسبانيا، والتى التقى خلالها بسفير إسبانيا فى مصر، وتم الاتفاق على تسليم حسين سالم لمصر، وبالتالى إعادة الأموال التى يمتلكها سالم فى إسبانيا، فإن هذا الجهود ونتائجها شابها الغموض. ولم نعد نسمع أى تصريحات فى هذا الشأن، لا عن تاريخ محدد لتسليم سالم ولا إعادة ملياراته فى إسبانيا لمصر، وتتردد فى الأصداء الأوروبية تفسيرات حول وجود صفقة سرية بين سالم وإسباينا للمماطلة فى تسليمه أو عدم تسليمه مطلقا، مقابل بضعة مليارات، وأن يتنازل عن عقاراته وأمواله ببنوكها، ولكن لا يعرف أحد مدى مصداقية هذه المزاعم، وهل هى مجرد شائعات أم أن لها تماس حقيقيى على أرض الواقع. وما حدث فى إسبانيا، حدث أيضا فى بريطانيا فقد هدأت الهوجة التى أثارها أندي سلوتر، عضو البرلمان البريطاني ووزير العدل في حكومة الظل البريطانية، وذلك الشهر الماضى بموجب تحركات المجموعة المصرية القانوينة لاستراداد أموال مصر . حيث طالب سلوتر وزير الخارجية ويليام هيغ، بإعلان أسماء عناصر النظام السابق المصرى وإعلان أرصدتهم لدى البنوك البريطانية، والعمل على إعادة تلك الأموال بسرعة حفاظا على العلاقات مع مصر الجديدة، ولدعمها فى تحركاتها الديمقراطية الجديدة، إلا أن هذا المطالب من سلوتر ذهبت أدراج الرياح . لأن المجموعة القانونية المصرية لم تجد دعما ولا تحركا حقيقيا من الحكومة المصرية، سواء حكومة أحمد شفيق، أو حكومة شرف، رغم حصول المجموعة على وثيقة رسمية من بريطانيا تتضمن اعترافاً بوجود أموال مصرية في بنوك بريطانيا بأسماء عناصر النظام السابق تم كسبها من مصادر غير مشروعة . والآن توقف دول أوروبا تجاوبها بصورة ايجابية من المطالب والاحتياجات المصرية لرد المليارات المنهوبه على صدور أحكام جنائية نهائية فى مصر ضد عناصر النظام ، أحكاما تتضمن الكسب غير المشروع تؤكد أن هذه الأموال بالخارج ليست من حقهم وحق مصر والشعب، وهنا فقط يمكن أن تتحرك بنوك أوروبا لرد الأموال . والجنزورى وحكومته ووزارة العدل مطالبة الآن بسرعة إصدار تلك الأحكام، لأن مصر الآن فى مرحلة هى أحوج ما يكون لتلك الأموال، بدلا من مزيد من تفاقم الأزمة، أو انتظار الفتات الأوروبية، والتى لا يمكن أن ترقى فى الواقع إلى حجم عائدات أموال مصر ببنوك تلك الدول . كما مطلوب من المبادرة الشعبية لاسترداد أموال مصر المنهوبة الآن الاستمرار فى جهودها وعدم التوقف أو اليأس ، وألا تلهيها أحداث مصر الداخلية، فمصر داخليا تحتاج إلى تلك الأموال لتهدأ أوضاعها وتستقر، فالعامل الاقتصادى معروف أنه يشكل ضرورة كبيره للأمن والاستقرار فى أى بلد، فما بال مصر وهى على حافة الهوة الاقتصادية، وتمر بمنعطف تاريخى لمتغيرات سياسية وديمقراطية هائلة.