آمال فهمي، صوت غرد عبر الأثير علي مدي أكثر من خمسين عاماً، فهي صاحبة أقدم وأشهر برنامج إذاعي يتناول قضايا المجتمع والشباب وهو برنامج «علي الناصية» تركت عملها لمدة 10 سنوات ومنعت من السفر حين هاجمت نائب رئيس الجمهورية «علي صبري» عام 1967 وأعادها الرئيس السادات، فهي محاربة من أجل شرف المهنة وترفض الاستسلام وتؤمن بالثورات، عشقت أغاني عبدالحليم حافظ وتحلم بعودة الغناء الراقي النظيف، وتؤمن بالقضية الفلسطينية وترسل رسالة للعالم عبر الأثير لانتخاب فلسطين كعضو في الأممالمتحدة، وترفض مقدمات برامج التوك شو. لماذا وصفت جميلات التوك شو بالغربان.. واعترضت علي أدائهن؟ - هذا أقل وصف أصفه لهن، لما يسببن من اندلاع الشائعات وعدم استقرار الشارع المصري وقلب الحقائق، ولقد تعجبت من برامج الجميلات اللاتي يستعرضن فيها عضلاتهن باستضافة ضيوف تحرض الرأي العام، علي عدم العمل واللجوء للعنف، وهنا ندق ناقوس الخطر من أن يصبح الإعلام طرفاً في المعارك السياسية في مصر.. تسببت فيها الجميلات مني الشاذلي وريم ماجد ولميس الحديدي وآخريات. جيلك صنع إعلاماً حراً التف حوله الملايين، فهل الجيل الإعلامي الجديد اختلف عنكم؟ - بالتأكيد لأننا صنعنا إعلاماً يحمل فكراً وبعدنا عن الفرقعة الإعلامية الهشة فوثق فينا المستمع وتعلمنا علي أيدي كبار الكتاب، وكنا نقرأ بصفة مستمرة حتي نقدر علي مسايرة الوسط الثقافي، خاصة أن الثقافة كانت تتربع علي عرش الدولة، أما الجيل الجديد يستسهل ولا يبحث عن الجديد رغم وجود وسائل الاتصال الحديثة التي تمكنهم من المعرفة دون بذل مجهود كبير والقليل منهم الذي يحاول أن يصنع اسماً له. عاصرت ثورتي يوليو ويناير.. هل يوجد فرق بينهما؟ - الفرق كبير.. ثورة يوليو كان معروفاً من قام وخطط لها، أما ثورة يناير لم نتعرف علي الرأس المدبر لقيامها، وركب من ليس له علاقة بالثورة الموجة ونصب لنفسه البطولة وأنه العقل المدبر، في حين أنها ثورة أسقطت النظام في أيام وحققت حلم الملايين من الشعب المطحون الذي يسعي للحصول علي لقمة عيش وعدالة اجتماعية. بعد ثورة يوليو كان المحرك الرئيسي لمصر مركز قيادة الثورة.. فهل كان يفرض عليكم توجيهات بعينها؟ - مصر كانت تشهد تغييراً كبيراً والإعلام جزء من الثورة، فقيادات الثورة كانوا يضعون استراتيجية الإعلام وسير البرامج والهجوم علي الملك وإظهار عيوبه وسلبياته وانحرافاته حتي يعرف الشعب حقيقته، ونفس الشيء الأفلام السينمائية، وأصر مجلس قيادة الثورة أن تحجب صور فاروق من الأفلام، وعدم استضافة أية شخصية من محبي الملك، بما فيهم كوكب الشرق أم كلثوم، وكان وجيه أباظة يحتفي بليلي مراد، ويتجاهل أم كلثوم، وسبب لها هذا جرحاً كبيراً. وماذا فعلت أم كلثوم؟ - كانت تراقب الأحداث عن بعد، وأتذكر كلمة قالها أحد معجبيها، كيف تجلس كروان الفن في منزلها، فبعد أن كانت تدخل مبني الشريفين وعلي رأسها هالة، تدخل مكسورة الجناح، لكن بعد فترة انزاحت الغمة وعادت لطبيعتها. هل كانت للإذاعة دور في نشر مبادئ الثورة؟ - جميع البرامج وظف من أجلها، ونشرت مبادئها مثل الإصلاح الزراعي ومجانية التعليم وتحديد الملكية والقضية الفلسطينية والقومية العربية. هل أخذت ثورة يناير ثأرك من النظام السابق؟ - هذا حقيقي.. فقد سعدت كثيراً من سقوط النظام لأنني ظلمت في عهده وظلم الآلاف مثلي من حكم مستبد أشبه بالسوس الذي ينخر في جسد الشعب المصري. معني هذا أن استبعادك عن حضور احتفالات عيد الإعلاميين كان بفعل فاعل؟ - كان وراءها صفوت الشريف الذي كان يدير الإعلام بفكر أمني بحت، وكان يضحك علي مبارك بعيد الإعلاميين، وفتح الاستوديو أو إطلاق قمر صناعي، فالشريف كان يخاف من أسئلتي وأن سبب له إحراجاً مع الرئيس. حصلت علي مكافأة من الدكتورة حكمت أبوزيد علي تميزك في إدارة الحوار؟ - قررت أن أحاور وزيرة الشئون الاجتماعية وسجلت معها ساعات طويلة، وكان من المفترض إذاعتها بعد ساعة من اللقاء، ولكن المفاجأة أن الشريط لم يسجل كلمة واحدة، فتحدثت مع الوزيرة وطلبت منها أن تنقذني وتقبل إجراء الحوار علي الهواء من خلال برنامج «فنجان شاي» وقبلت الدعوة وحيتني علي الهواء وأخرجت جنيهاً من شنطتها كمكافأة لي وطلبت أن تكون برامجي علي الهواء لأنني مذيعة شاطرة ومثقفة «علي حد تعبيرها». ما سر إبعادك عن الإذاعة لسنوات في ظل حكم عبدالناصر الذي تدافعين عنه دائماً؟ - دي حكاية «ولا في الخيال» خاصة أن عصر عبدالناصر أعشقه واعتبره من أحسن العصور، بدليل أنه مات دون أن يملك شيئاً ولا أحد يقدر أن يشكك في ذمته، ولكن كان الحظ حليفي فبعد استضافتي لبعض الأهالي من إحدي قري الشرقية يشكون إهمال الحكومة لهم بعكس قرية مسقط رأس «علي صبري» نائب رئيس الوزراء التي زودوها بالكهرباء، عاقبني محمد فايق وزير الإعلام الذي كان متزوجاً من ابنة شقيق علي صبري بالجلوس في منزلي سنوات. ما سبب كراهيتك لعصر السادات؟ - جيلي رفض التطبيع مع إسرائيل وتضامن مع فلسطين ورفض بدوره زيارة السادات للكنيست، ومع تحليل الموقف وانتصارنا في حرب أكتوبر واسترداد أرضنا جعلني أفكر بعقلي وليس بعاطفتي وبررت ما فعله السادات لصالح مصر ونظرت للأمر بشكل آخر، ولكنني مازلت أكره إسرائيل ولا أتعاطف معها ولا مع أي شخص يذهب إليها بحجة التعرف علي ثقافتها لأنها تعيش علي أرض أخذتها بالقوة وليس لها حق فيها علي الإطلاق. هل لعب الإعلام في وقت الأزمة الفلسطينية دور المتفرج؟ - الإعلام العربي والخاص لم ينصف القضية الفلسطينية وشاهدنا في الحرب علي غزة أكبر قناتين للأخبار كانتا تحاربان بعضهما ونسيا القضية الحقيقية، وكانت الجزيرة تتعامل مع المشكلة الفلسطينية كأنها مشكلة عابرة وكان خبراء إسرائيل أكثر الشخصيات ظهوراً علي شاشتها كأنها تقول للعالم إن إسرائيل دولة لها حقوقها، وأن الجزيرة ليست ضدها، وأعلم أن أمير قطر له قصر في تل أبيب ودائماً يزور إسرائيل. وماذا يفعل الإعلام الآن ليؤثر علي الأممالمتحدة لانضمام فلسطين في عضويتها؟ - يجب أن نعد برامج تتحدث عن فلسطين وتراثها التي سطت عليه إسرائيل ونسبته لها وفضح الجرائم الإسرائيلية تجاه شعب أعزل ولابد أن يأخذ الشباب هذه القضية علي عاتقه ويؤسسون صفحات علي الفيس بوك للمطالبة بانضمام فلسطين للأمم المتحدة وأن يتصدوا لأوباما الذي يشحن العالم ضد التصويت لفلسطين ومعاقبة اليونسكو لأنها قبلت عضويتها، فنسي أوباما حقوق المواطنة وحقوق الإنسان. صرحت مؤخراً بأنك محاصرة كالأسلاك الشائكة التي تلتف حول ماسبيرو.. لماذا؟ - بالفعل أنا محاصرة من كل الجوانب، فالأسلاك الشائكة وضعت لحماية ماسبيرو ولكن محاصرة من الفوضي والبلطجية في الشارع وفضائيات تهاجم بعضها البعض والأخري تعمل علي إثارة الشعب ضد الجيش لمصلحة دول تريد سقوط مصر، والكل مشغول بنفسه ولا أحد ينظر لمصلحة مصر، فالكل خرج ليبحث عن زيادة مرتبه وحوافزه وحاصر الوزارات والشوارع وتوقفت المصانع والإنتاج دون النظر لأزمة مصر المالية. معني هذا أنك تعترضين أيضاً علي الشخصيات السياسية والدينية التي تدعو للاعتصام؟ - نعم الكل يلعب لمصلحته، دليل علي هذا ماذا فعل عمرو حمزاوي لمصر غير أنه ليل نهار علي الفضائيات من المعارضة فقط، في حين أنه لم يقدم شيئاً ملموساً لمصر والبعض يتهمه بأنه يعمل لصالح أمريكا. من يقرأ كلامك يتهمك أنك ضد الثوار؟ - بالعكس.. أنا معهم قلباً وقالباً ولكني ضد الفوضي التي تدمر البلاد، وأعتبر نفسي أول مذيعة تنزل التحرير وأسجل مع الشباب وأطرح أفكارهم، خاصة أنهم يذكرونني بشبابي عندما كنت أسير في المظاهرات ضد الملك أنا وصديقي جلال معوض. السياسيون ينتقدون الإعلام الرسمي بصفة دائمة عبر الفضائيات.. فما تعليقك؟ - يظل الإعلام الرسمي بعيداً عن الأحداث لسنوات، وعمل لخدمة الحاكم وشلته وعمل في الفترة الأخيرة لفكرة التوريث، ويحاول حالياً أن يبرم اتفاقاً مع المشاهد والمجتمع بفئاته المختلفة، نظراً لأننا في عصر الفوضي، فأصبح الكل يهاجم الإعلام حتي يكون موجوداً علي الساحة وأري أن حملات التشويه للفضائيات الخاصة بها يد فيها لمصلحتها لحصاد كعكة الإعلانات بمفرده. هل أنت مع إلغاء وزارة الإعلام؟ - أرفض إلغاء الوزارة لأنه إعلام دولة مثل إعلام ال bbc التي تأخذ تعليماتها من الدولة ولكنها تحمل رسالة متوازنة. وأطالب أحمد أنيس وزير الإعلام بأن ينظر إلي القنوات المتخصصة بنظرة المنفعة العامة فهي عبء كبير علي الإعلام ولا تفيد المشاهد في شيء، وكان الهدف من إنشائها تدمير الإعلام بقيادة حسن حامد وجاء الوقت لإلغائها. عشت زمن الرومانسية، وارتبطت بصداقة قوية مع الفنان عبدالحليم حافظ.. هل يعود هذا الزمن؟ - من الممكن ولكن في حالة واحدة، لو أحب بعضه وعمل ورفض الأغاني الهابطة وسينما الإسفاف لعاد زمن الرومانسية.. فعصر عبدالحليم أعتبره عصر الحب، فمازلت أتذكر فيلم «حكاية حب» الذي ظهرت من خلاله واكتشفت عبدالحليم كم حب الناس ليس وإلي الآن يتذكرني الجميع بهذا المشهد لدرجة أنني أضحك من داخلي وأقول: هل تاريخي كله انحصر فقط في فيلم «حكاية حب»؟ هل أنت مع وصول الإخوان للحكم؟ - أنا ضد أي حكم ديني، أنا مع الشرعية المدنية التي تضمن حقوق الناس بعيداً عن التفرقة بين العقائد، ورغم هذا احترم فكر الإخوان.