على حسّه الوطني الجارف عرفت مصر أول ثورة شعبية خلال تاريخها الحديث، فرغم الظلم الذي تعرض له واتهامات الخيانة التي لاحقته طوال 70 عامًا من العمل الوطني في الداخل والخارج، لم يترك نضاله لحظة واحدة، وجاب البلاد شرقًا وغربًا يندد بالاحتلال الإنجليزي. إنه الزعيم الراحل أحمد عرابي الذي عُرف باسم "زعيم الأمة المظلوم" وتحل ذكرى وفاته اليوم. التآمر عسكريًا حين كان عُرابي المولد بمحافظة الزقازيق، ضابط في صفوف الجيش المصري تعرض لأول ظلم في حياته، بعدما تم اتهامه بالتآمر عسكريًا وقيادة مخطط جُهنمي لإسقاط الخديوي توفيق. البداية كانت مع تعرض ضباط الجيش المصري لظلم كبير على أيدي ناظر الجهادية الذي يُعرف الآن باسم وزير الدفاع عثمان رفقي باشا، حينما أصدر قرارات عديدة ضدهم ولمصلحة الضباط الشراكسة. تلك القرارات الظالمة آثارت غضب وحفيظة الضباط المصريين، واتهموا الشراكسة بالعمل على استعادة دولة المماليك، فما كان أمامهم سوى الإتفاق على تقديم مذكرة إلى رئيس الوزراء رياض باشا ووقع عليها عرابي واثنان من زملائه. لم تلق مطالبهم وتعبيرهم عن الظلم إعجاب الخديوي واعتبرها ليست من حق الضباط المصريين، ورفضها وأمر باعتقال عرابي بتهمة التآمر عليه لإسقاط نظامه، وأمر بمحاكمته عسكريًا. دخول الإنجليز ورغم كفاحه الذي لا يُنسى ضد الاحتلال الإنجليزي، إلا أنه اتهم بكونه السبب في وجود الاحتلال لمدة 70 عامًا، بدعوى أن دخول تلك الأساطيل وقع حينما كان عرابي وزيرًا للدفاع. عقب عدة تغييرات حكومية كثيرة، واستجابة منقوصة من الخديوي لمطالب الضباط المصريين، تولى عرابي وزارة الدفاع، ونائب رئيس مجلس النظار، وبدأت خطوات إيجابية وفي مقدمتها إعلان الدستور، في 7 فبراير 1882. لكن الرياح كعادتها أتت بما لا تشتهي الأنفس، فالخلاف الذي نشب بين الخديوي والحكومة وتحديدًا عرابي، على بعض الأحكام العسكرية، كان ذريعة للأول كي يُدخل إنجلترا وفرنسا في شئون مصر، وبعثتا بالفعل بأسطوليهما إلى شاطيء الإسكندرية تحت ذريعة حماية الأجانب من الأخطار، وكال وقتها توفيق الإتهامات إلى عرابي معرضًا إياه للظلم للمرة الثانية على التوالي. مذبحة الإسكندرية واجه عرابي الظلم للمرة الثالثة في تاريخه الوطني، حين أبقاه توفيق وزيرًا للجهادية بعد الرفض الشعبي لمطالب إنجلترا بعزله، مما دفع الأول لتكليفه بحفظ الأمن في البلاد. وحدثت مذبحة الإسكندرية في 11 يونيو 1882، وقتل فيها نحو خمسين أوروبيًا وأصيب خلالها أيضًا أحد ضباط الأسطول البريطاني، بسبب مشاجرة افتلها إحدى الأوروبيين مع مصري، فكانت الذريعة لبريطانيا لمهاجمة مصر، لاسيما بعدما وقعت المجزرة بعد تكليف توفيق للزعيم الوطني بحفظ الأمن، فوقعت المسولية على عاتقه. دفاع عرابي المستميت للحيلولة دون وقوع المجزرة ظهر جليًا في التأمين الجيد للإسكندرية والمدافع التي وقعت على أسوارها، ألا أن بريطانيا اشتكت للخديوي منذ تلك المدافع واتخذتها ذريعة لنزول قواتها فيها. «قناة السويس» وحين اشتعلت المناوشات بين الجيش المصري وقوات الاحتلال البريطاني، أراد عرابى ردم قناة السويس لإغلاق الطريق أمام القوات البريطانية من التقدم، لكن «فرديناند ديليسبس» الحاصل على امتياز حفر وتشغيل قناة السويس تعهد لعه بعدم السماح بعبور سفن الأسطول الإنجليزي التي تحمل الجنود والسلاح لاحتلال مصر. العهد الذي أُعطى لعرابي دفعه للتحرك بقواته من قناة السويس إلى الإسكندرية، ولكن خيانة ديلسيبس كانت بمثابة طعنة وظلم كبير له، فسمح للأسطول البريطاني بعبور القناة، ليحتل الإنجليز بورسعيد والسويس. «التل الكبير» وحدثت في تلك الآونة معركة التل الكبير، في 13 سبتمبر 1882، شهدت هزيمة واستسلام الجيش المصري وسقوط القاهرة في يد الاحتلال، وسط اتهامات ظالمة لخيانة عرابي، بإنه ترك 15 كم دون أي مراقب لأي هجوم، بينما جلس الجنود في حلقة ذكر قبل أن ينقض عليهم جنود الإنجليز ليهرب جزء كبير من الجنود ويهزم الجزء الباقي. «النفي إلى سيلان» الإنجليز دخلوا القاهرة، والخديوي عاد إلى قصره في عابدين، وبقى عرابي مظلومًا باحتجازه مع عدد من رفاقه، في ثكنات العباسية، حتى انعقدت محاكمة عسكرية له وقضت بإعدامه، ثم تقرر تخفيف الحكم إلى النفي لجزيرة سيلان. في سفينة صغيرة استقلها عرابي ليغادر أرض الوطن مظلومًا، واستقر في مدينة «كولومبو» لمدة 7 سنوات، وانتقل بعد ذلك نقل إلى مدينة «كاندي»، و بعد صدور عفو من الخديوى عباس حلمي الثاني عاد الزعيم ساكنًا إلى مصر حتى توفى فى 11سبتمبر 1911 لتنتهى رحلة نضاله الطويلة من أجل الوطن.