قطاع الإعلام، من القطاعات الحساسة والخطيرة، وهو القطاع الوحيد الذى عانى كثيراً، وتعرض لسياسات متقلبة نتج عنها عدم ثقة المصريين فيما يسمعونه أو يشاهدونه، أو حتى يقرأونه، وأدى ذلك إلى هروب جماعى للمتلقين، إلى الفضائيات والقنوات الأخرى، من أجل الحصول على المعلومة الصحيحة والحيادية وغير المغلقة بإطار حكومى، قطاع الإعلام فى معظم دول العالم، حر طليق، قادر على المنافسة، أما عندنا فهو حالياً حائر بين عصر طويل مضى، أمسك فيه وزير الإعلام، أى وزير، بكل تفاصيل المادة الإعلامية، وصار كل ما يشاهده أو يسمعه الناس يخرج من عباءة الرقابة الحكومية، وتخصص الإعلام فى متابعة تحركات الرئيس والحكومة والوزراء رموز الحزب الوطنى المنحل، هذا الجو الروتينى العقيم أثر على أداء المذيعين وكل العاملين فى الحقل الإعلامى من المخرجين إلى المعدين، إلى أطقم الصوت والصورة وغيرهم وصار مبنى ماسبيرو مكاناً حكومياً ينطبق عليه، ما ينطبق على مبنى مصلحة الكيمياء أو شركة عمر أفندى قبل بيعها طبعاً. هكذا كان الماضى، عقم، وروتينياً، وبلادة، وانعكس ذلك بالطبع على الجمهور الذى تأكد من عدم جدوى التعامل مع الجهاز الإعلامى الحكومى المؤمم من قبل النظام، وفى بداية التسعينيات بدأت ولادة القنوات الفضائية، وحققت قناة الجزيرة شهرة كبيرة خلال العام الأول من بثها، وتلتها قنوات أخرى مثل العربية و«b.b.c» وغيرهما من القنوات وبدأ عصر الغروب للإعلام الحكومى، هرب الناس ولن يعودوا ثانية إلا بقنوات حرة متحررة، من قبضة السلطة، لجأ صفوت الشريف، وزير الإعلام الأسبق، إلى إجراء تحسينات لا تسمن ولا تغنى من جوع وأذكر أنه عندما وقع زلزال عام 1992، كان «الشريف» وقتها فى ماسبيرو، فأمر على الفور بنزول الكاميرات فوراً والبث المباشر من مواقع الأحداث، وبعد انتهاء الأمور، هلل الإعلام لقرار «الشريف» بنزول الكاميرات فوراً، فى سبق إعلامى فات عن قنوات أخرى، وظل الإعلام يذكر هذه الجرأة لوزير الإعلام، وهذا الحادث يدل على القبضة الحديدية لكل شىء فى يد شخص واحد اسمه وزير الإعلام، فلا مسئوليات لقيادات التليفزيون، شخص واحد هو كل شىء، وما دونه لا شىء، أى شعاع من نور فى النفق المظلم يكون سببه الوزير فقط وليس غيره. جاء أنس الفقى، ومن قبله الدكتور ممدوح البلتاجى ومن بعده اللواء طارق المهدى، والإعلام كما هو الكل ينتظر التعليمات، الكل يريد أن يتقدم ويترقى إلى أعلى الدرجات ليس لموهبته أو مهنيته ولكن بسبب تنفيذه للتعليمات، وخصوصاً فى عصر «الفقى» الذى حول الإعلام إلى أداة مطيعة فى يد السلطة، وبدأ فى محاربة القنوات الأخرى، وكلما سجلت إحدى الفضائيات أعلى نسبة مشاهدة بين المصريين، أمر رجاله فى ماسبيرو وغيرهم من الكتاب والصحفيين «الملاكى» بالهجوم على تلك الفضائية أو الأخرى، واتهمها بالعمالة، وكان ناقصا أن يتهم المشاهدين أيضاً بأنهم يسيرون وفقاً لأجندة خارجية! ثم جاء أسامة هيكل، وكان بحكم عمله أقرب إلى المنصب الجديد ولاحظ أن قطاع الإعلام فى حيرة، فلم تعد هناك تعليمات بعد الثورة، وأن الجميع يتلكأ فى العمل بسبب عدم ورود تعليمات، ولم يستغل «هيكل» هذا التحول ويقوم بإعادة هيكلة وزارة الإعلام من جديد، وللأسف لم يحرك ساكناً، وجاءت تغطية حادث ماسبيرو دليلاً على ذلك انفلت العيار وبدا أن التليفزيون المصرى أخطأ بسبب اختفاء التعليمات وزادت الانتقادات. منذ أيام عاد اللواء «أحمد أنيس» كوزير للإعلام هذه المرة ولأنه ليس غريباً عن ماسبيرو فالأمل عليه أن يعيد البناء من جديد، ويعترف بأن مازال هناك أمل فى إعلام مصرى حقيقى وحر بلا قيود، الأمل معقود عليه فى تنفيذ دراسة شيقة عن قناة فضائية جديدة تنافس كل الفضائيات ليس لها سقف، وكل عناصر النجاح موجودة إمكانيات عالية وبشرية وإدارية ومكانية.. ونحن ننتظر القرار.