التفوق والتألق في عالم الساحرة المستديرة أمر صعب للغاية، والحفاظ عليه أكثر صعوبة، إلا أنه لم يكن كذلك على أسطورة التدريب وجنرال الكرة المصرية، الراحل محمود الجوهري، الذي لم يعرف غير النجاح ومنصات التتويج، فكتب اسمه بحروف لا تُمحى في جنبات المستطيل الأخضر على المستويين المحلى والدولي كلاعب ومدرب. تحل اليوم الذكرى الرابعة على رحيل رجل الإنجازات، حيث توفى الجوهري في مثل هذا اليوم 3 سبتمبر من العام 2012، ذلك الرجل الذي أفنى حياته مخلصًا للعبة كرة القدم حتى مات بين طيات الملعب، بعد أن سقط بنزيف في المخ، خلال قيامه بعمله في الاتحاد الأردني لكرة القدم، إذ كان يحضر لمعسكر للمنتخب الأردني. محمود نصير يوسف الجوهرى، هو الاسم الكامل لرجل الإنجازات في تاريخ كرة القدم المصري، من مواليد فبراير 1938، ويعد أحد أبناء الجيش المصري، حيث شارك في حرب 1973 برتبة مقدم، وأنهى خدمته العسكرية برتبة عميد في سلاح الإشارة، ولعل خلفيته العسكرية هذه إضافة إلى صرامته في العمل السبب وراء تسميته ب«الجنرال». بدأ الجوهري مسيرته الكروية من خلال اللعب في القلعة الحمراء منذ عام 1955 وحتى 1966، إلا أنه اضطر لاعتزال كرة القدم نهائيًا وهو فى سن ال28 من عمره، بسبب إصابته بالرباط الصليبى، وخلال تلك الفترة القصيرة تمكن من تحقيق 6 بطولات للدوري العام مع النادي الأهلى، إضافة إلى بطولتين لكأس مصر. وحصد مع منتخب مصر كأس إفريقيا 1959، وكان هو الهداف في هذه البطولة، كما أنه شارك مع المنتخب في حصد المركز الرابع بأولمبياد طوكيو 1964، بعد الخسارة من ألمانياالشرقية في مباراة تحديد المركز الثالث. وبعد أن انتهى مشوار محمود الجوهري كلاعب اتجه لاستكمال نجاحه الكروي بخوض مجال التدريب بعد حرب أكتوبر، والبداية كانت مع عمله كمدرب مساعد بالنادى الأهلى، ثم انتقل لنادى اتحاد جدة السعودي، الذي عمل فيه مساعدًا للمدرب الألماني كرامر. وظل الجوهري لمدة 4 أعوام في نادي اتحاد جدة، أثبت نفسه خلالها ليصبح للمرة الأولى مديرًا فنيًا به، وبعدها استدعاه رئيس النادي الأهلي، الراحل صالح سليم لتدريب الفريق بداية من موسم "1982-1983"، ووقتها حصد لقب دوري أبطال إفريقيا للمرة الأولى في تاريخ القلعة الحمراء. وفي الموسم الثاني له فشل في الحفاظ على اللقب الإفريقي، إضافة لخسارته الدوري أمام الغريم التقليدي "للشياطين الحمر" وهو نادي الزمالك، ليقرر بعدها الجوهري تقديم استقالته والرحيل للعمل في نادي الشارقة الإماراتي، إلا أنه عاد من جديد لإدارة الأهلى الفنية. ولم تستمر ولايته الثانية في الأهلى طويلًا، إذ نشبت الأزمات منذ المباراة الأولى له، عندما قرر النادي الأحمر إيقاف محمد عباس، مهاجم الفريق وقتها لسلوكه السيئ وعدم انضباطه في التدريبات، إلا أن الجوهري تمسك باصطحاب اللاعب في معسكر الفريق قبل مواجهة الزمالك. ووقتها وقع الصدام بين إدارة الأهلي، برئاسة صالح سليم، والجوهري وهو ما دفع الأخير لتقديم استقالته، إلا أنه سحبها فيما بعد عقب تأزم موقف القلعة الحمراء. وفي 1988، وقع الاختيار على محمود الجوهري لتدريب المنتخب المصري، بالتزامن مع تصفيات كأس العالم، لينجح في أول قيادة له للمنتخب بالصعود للمونديال في 1990، الذي سجل مجدي عبدالغني خلاله هدفه الشهير في منتخب هولندا من ضربة جزاء في مباراة انتهت بالتعادل الإيجابي. ووقتها ارتدى المنتخب المصري القميص الأخضر واستمر في ارتدائه حتى بطولة أمم أفريقيا 1998، وذلك بسبب الجنرال محمود الجوهري، نظرًا لحبه الشديد لعلم مصر القديم، الذي كان يكسوه اللون الأخضر ويتوسطه ثلاثة نجوم. وفي عام 1991 رحل عن المنتخب إلا أنه عاد لإدارته الفنية سريعًا وحقق معه البطولة العربية 1992 وبطولة الأمم الأفريقية 1998، ليكون هو المدرب المصري والعربى الوحيد الذي فاز ببطولة الأمم الأفريقية كلاعب ومدرب. وفي مفاجأة من العيار الثقيل في موسم "1993- 1994"، الجنرال الأهلاوي محمود الجوهري أصبح مديرًا فنيًا للقلعة البيضاء، ليكون هو المدرب المصري الوحيد الذى تولى قيادة القطبين، وحقق مع نادي الزمالك بطولة دوري أبطال أفريقيا، ليكون المدرب الأفريقي الوحيد الذي فاز بدوري أبطال أفريقيا مع ناديين مختلفين، كما حصد بطولة السوبر الأفريقي على حساب النادي الأهلي. وأنهى جنرال الكرة المصرية مشواره التدريبى مع منتخب الأردن الذي انضم إليه في 2002، وقادهم للتأهل لكأس الأمم الآسيوية للمرة الأولى في تاريخه، إضافة إلى الوصول للمربع الذهبي في كأس الأمم الآسيوية، كما حصل معهم على المركز الثالث فى البطولة العربية للمرة الأولى فى تاريخ الأردن والحصول على وصيف كأس غرب آسيا، وهو دفع ملك الأردن لتكريمه بأعلى وسام لديهم. وفي 2007 أعلن محمود الجوهري اعتزاله للتدريب، وبعدها عمل كمدير فني للاتحاد المصري لكرة القدم، ثم عاد مرة أخرى إلى عمان، للعمل في الاتحاد الأردني لكرة القدم، ووضع لهم برنامجًا متكاملًا للبناء الرياضي وشرع لتنفيذه حتى آخر لحظة في حياته. وخلال مشواره الكروي حصل على لقب أفضل مدرب في أفريقيا 3 مرات بناءً على اختيار الاتحاد الأفريقي في أعوام "1989، 1993، 1998"، كما منحه جائزة أسطورة التدريب، واختارته "الفيفا" ضمن أفضل 20 مدربًا في العالم عام 1998، ليحقق بذلك الجوهري ما تمناه عندما قال ذات مرة :«اعتزالي المبكر جعلني أسعى بقوة لتحقيق ما فاتني في الملعب ومع اللاعبين الذين أدربهم».