تعد الانتخابات البرلمانية التي تجري في الوقت الراهن انتخابات غير مسبوقة في تاريخ مصر، فهي الأولى من نوعها بعد ثورة 25 يناير، والتي تتم تحت إشراف قضائي كامل، بدءً من إعداد قاعدة بيانات الناخبين ومرورا بتلقي أوراق الترشيح وإجراء التصويت وحتى إعلان النتيجة، وتتمثل أهميتها في كونها الانتخابات التي ستشكل مستقبل البلاد في المرحلة القادمة، وتمهد لقيام دولة سيادة القانون والعدالة والكرامة، وجاءت هذه الانتخابات في ظل تفهم المواطن المصري لحقوقه الدستورية والقانونية وأهمية مشاركته في الحياة السياسية، باعتبار ذلك واجب وطني وفقًا لما وافق عليه الشعب المصري في الإعلان الدستوري الصادر في مارس 2011. وقد كان للجولة الأولي من هذه الانتخابات العديد من الايجابيات والسلبيات، أما عن الايجابيات فتتمثل في إجراء الانتخابات في مواعيدها دون تأجيل، حيث كان هناك تخوف من إجراء الانتخابات في التوقيت الحالي لغياب الأمن وانتشار البلطجة، وطالبت أصواتا وأقلاما كثيرة بتأجيل الانتخابات وعدم إجراءها في موعدها ولكن رفض المجلس العسكري ذلك، وقد أصاب في هذا القرار، حيث أن هذه الانتخابات هي أولي الخطوات نحو بناء الدولة. كما أنه من أهم الايجابيات في هذه الجولة الحضور الكثيف للمواطنين المصريين والذي أعتقد أنه مع انتهاء المراحل الثلاثة للانتخابات سيصل إلي نسبة 60% من الذين لهم الحق في التصويت، لاحساس المواطن بأنه أصبح له دور في الحياة السياسية وأن صوته سيذهب إلي من ينتخبه دون أن يتم التلاعب فيه، ومن الواضح أن المواطنين سايروا بشكل غير مباشر رأي الفيلسوف أفلاطون حينما قال: "إن من يعزف عن المشاركة فى الحياة السياسية، فسيعاقب بأن يحكم بمن هم دونه، ومن لا يراعون مصالحه". كما أن الانتخابات تمت في جو آمن بلا أي مشاكل اللهم إلا بعض المشاكل الطفيفة والتي لا تخلو أي انتخابات منها. والتزامت الشرطة والقوات المسلحة الحياد التام والوقوف علي مسافة واحدة من كل المرشحين، وهذا كان لا يحدث في النظام السابق خاصة بالنسبة لجهاز الشرطة والكل يعلم ماذا كان يحدث منه. أما عن السلبيات فتتمثل في غياب التوعية السياسية - من قبل الجهات المسئولة - للناخبين بالنظام الإنتخابي خاصة أنه نظام جديد علي المصريين، وكنا نحتاج إلي مزيد من الوقت لهضم هذا النظام، فقد كان لذلك أثر في تعطيل عملية التصويت نظرا لتواجد أعداد كبيرة من المواطنين يريدون التصويت، والذي يدلي بصوته يريد أن يفهم قواعد التصويت فذلك تسبب في بعض المشاكل، كما أن غياب فهم الناخب للقانون تسبب في بعض الاشكاليات، فالقانون يوجب البدء بتواجد اثنين من المندوبين وفي حالة عدم اكتمال هذا العدد قبل بدء العملية الإنتخابية في الثامنة صباحاً، ينتظر رئيس اللجنة نصف ساعة ( للثامنة والنصف ) فإذا لم يصل المندوبين للعدد المطلوب ( اثنين ) تقوم اللجنة من تلقاء نفسها بتعيين اثنين من الناخبين الحاضرين المقيدة أسماءهم باللجنة الفرعية بشرط معرفتهم للقراءة والكتابة، وعندئذ تبدأ العملية الإنتخابية، فإن تعذر تعيينهما حتي الثامنة والنصف لعدم حضور أحد من الناخبين أو عدم قبولهم التعيين باللجنة كمندوبين، تنتظر اللجنة نصف ساعة أخري ( حتي التاسعة صباحاً )، علي أن تبدأ اللجنة عملها في جميع الأحوال ولو لم يحضر مندوبين عن المرشحين في تمام التاسعة صباحاً، وبالتالي يمكن بدء عملية التصويت الساعة التاسعة صباحا وفقا لاحكام القانون، ويعتقد الناخبون بذلك أن القاضي تأخر في بدء عملية الانتخاب وهو اعتقاد غير صحيح. كما أن هناك بعض التصريحات التي صدرت من رئيس اللجنة العليا للانتخابات تم فهمها من الناخبين بشكل خاطئ، مثل التصريح الخاص بانتهاء عملية الانتخاب في اليوم الثاني مع تصويت آخر ناخب، وهذا تم فهمه من بعض الناخبين أنه لابد من أن ينتظر القاضي حتي آخر ناخب في الدائرة الانتخابية وهو فهم خاطئ حيث أوجب القانون علي رئيس اللجنة الفرعية بأن يخرج في تمام الساعة السابعة مساء الي جمعية الانتخاب وهي المدرسة المحدده بسورها المحيط بها، فإذا وجد ناخبين عليه أن يقوم بعمل كشف بهم ويسمح لهم بالتصويت حتي آخر ناخب كان متواجد في المدرسة في هذا التوقيت، وإذا لم يجد رئيس اللجنة أي ناخب فيعلن انتهاء عملية التصويت ويقوم بتشميع الصناديق ويتوجه الي لجنة الفرز لاستكمال باقي اجراءات العملية الانتخابية. هذا وقد عانينا نحن كقضاه من ثلاثة أمور أولهما أنه لم يكن هناك تواصل مع اللجنة العامة بأي شكل، ففي اليوم الأول علي سبيل المثال علمنا بأنه تم مد فترة التصويت حتي الساعة التاسعة مساءا من المواطنين وهذا أمر غير طبيعي، لدرجة أنني علمت أن أحد القضاه قام بغلق باب التصويت الساعة السابعة مساء لعدم علمه بقرار مد فترة التصويت. ثاني هذه الأمور هي وصول أوراق التصويت في بعض اللجان متأخرا عن ميعاد بدء التصويت وهذه مسئولية جهاز الشرطة الذي كان يجب عليهم أن يرسلوا هذه الأوراق إلي اللجان قبل عملية البدء في التصويت بشكل كافي. وقد قامت وزارة الداخلية - علي أثر ذلك – بوقف مأموري الشرطة المسئولين عن هذا الخطأ، وإحالتهم للتحقيق. ثالث هذه الأمور هي أن المكان المعد لاجراء الفرز ضيق جدا وغير مجهز لاستقبال كل اللجان في الدوائر الانتخابية، فالكثير من القضاه رؤساء اللجان الفرعية لم يكن لهم أماكن يجلسوا بها لاجراء عملية الفرز، ورأيت بعيني بعض الموظفين المساعدين للقضاه يفترشون الأرض لاستكمال عملية الفرز، وهذا كان – وبحق - من الأمور السلبية المؤسفة خصوصا أننا أجهدنا بشكل كبير، فيومين للتصويت ويوم للفرز بلا راحة أمر متعب جدا، وكان الأمر يستلزم التحسب لمثل ذلك بأن يتم تجهيز المكان اللائق لاجراء الفرز حتي تكتمل العملية الانتخابية علي أكمل وجه. ----------- المستشار بمجلس الدولة