وسط حالة من الهدوء الحذر بميدان التحرير؛ يقف أحمد كمال المنسي، ليمارس مهنته في بيع الشاي. يبلغ أحمد من العمر 22 عامًا، ولد وتربى على أرض ميدان التحرير، فكان والده بائعا للشاي فيه، وورث أحمد عنه هذه المهنة، فمنذ صغره وهو يساعد والده "على النصبة" وإعداد الشاي لسائقي الميكروباصات. بعد أن حصل على دبلوم صنايع فضّل أحمد أن يمتهن مهنة والده الذي توفي وترك له شقيقتان إلى جانب والدته وجميعهم على باب الله، ليجد نفسه يتحمل مسئوليتهم بشكل كامل. كانت الحياة تسير على ما يرام إلى أن جاء يوم 25 يناير وقامت الثورة، "انقلب شكل الميدان.. شهداء وضحايا وهتافات ومظاهرات.. لم أعد أشعر بالاستقرار في شغلي.. وحاسس إني مهدد في أي لحظة بمغادرة الميدان وخاصة هذه الأيام". "مش هنمشي" من مكانه بالقرب من أحد مخارج محطة المترو يرى أحمد نفسه "بشوف اللي بيحصل وشاهد على كل صغيرة وكبيرة في الميدان"، حيث يقيم هو وأخته التي تقربه في العمر بشكل كامل في هذا المكان، حيث تعمل هي بالنهار في بيع الشاي بينما يعمل هو بالليل. يقول: "الناس كلها معتقدة إن كل البائعين الموجودين في الميدان بلطجية وطبعا هذه الصورة خاطئة، فالإعلام بيقول للناس كلام مش حقيقي، إحنا هنا بائعين هدفنا هو أكل العيش والرزق وبس، ولما بتحصل اي مشكلة بيقولوا البائعين هما السبب أو إنهم بلطجية والعكس هو الصحيح". يقطع حديثه قدوم أحد الشباب ليطلب كوبًا من الشاي، وبعد أن ينتهي منه يضيف: "إحنا مش بنعمل مشكلة لحد وقاعدين في حالنا، والثوار هما اللي عايزنا نمشي من الميدان، بيقولوا إننا عاملين زحمة فيه وبيحاربونا في أكل عيشنا، وإحنا مش هنمشي ولا هنتحرك من هنا، لأن المكان ده بتاعنا من قبل ما الثوار ينزلوا الميدان، وعملوا محاولات كتيرة علشان نطلع، لكننا صمدنا زي ما هما كمان صامدين على موقفهم ومحدش قادر يطلعهم منه". أكل العيش "الميدان ملك للشعب كله مش للثوار وبس"، يقول أحمد وهو يشير إلى أماكن المعتصمين في صينية الميدان، ويتابع: "هما اعتبروا إن ده بقى مكانهم لوحدهم وإنهم هما المسيطرين عليه وعلى اللي فيه، وده طبعا كلام مش مظبوط، هما هنا جايين يعملوا ثورة وإحنا جايين ناكل عيش.. يخليهم في حالهم وإحنا في حالنا". يتطرق أحمد إلى الاشتباكات الأخيرة بين شباب المعتصمين والباعة الجائلين التي وقعت الأسبوع الماضي، فيحكي عن سببها: "واحد من الموجودين فى الميدان تعدى على بائع شاي، وهو صاحبي، لأنه يبيع الشاي بجنيه ونصف مش جنيه، فقامت خناقة كبيرة بينهم وراح جمع أصحابه وضربوا البائع وكان هيموت بسببهم، وطبعا أصحاب البائع جاءوا وبقت معركة بين البائعين والثوار، وكل ده بسبب نص جنيه زيادة". كلنا ولاد ناس وبحزن يتابع: "أنا نفسي الناس دى تمشى بقى علشان نعرف نشتغل ونشوف أكل عيشنا، بدل ما يتهجموا علينا ويتخانقوا معانا المفروض يتعاونوا معانا، إحنا في الآخر شباب زي بعض وكلنا ورا الحق، وكلنا مصريين، وكلنا ولاد ناس، مش معنى إني ببيع شاي إنهم يتعاملوا معانا بالطريقة دي، ومش معنى أنهم قاعدين في الميدان إنهم ليهم حق يتحكموا فينا بالشكل ده". يحلم أحمد بأن يعود ميدان التحرير إلى شكله الطبيعي، وأن تستقر الأمور، و"أن ينتهي الظلم الموجود في مصر بأن يأخذ كل واحد حقه وأولهم حق الشهداء".