دولة الرصيف هي دولة صنعها هؤلاء الباحثون عن لقمة العيش في عالم يصفونه بضيق الرزق وقلة الحيلة. معظمهم شباب خريجي تعليم فني أو جامعي وقرروا الخروج من طابور البطالة ليقفوا علي الرصيف ليس تسولا أو طلباً لإعانة إنما للتجارة وإذا كانت قد تعالت الصيحات بعشوائية وجودهم، إلا أننا نطالب بتنظيم وجودهم وإتاحة فرصة محترمة وكريمة لأكل العيش دون إساءة لهم أو لشوارعنا. ميدان الجيزة أحد هذه الأماكن الأكثر إشغالا. - مولود في الشارع ففي شارع مراد يفترش رمضان محمود 22 سنة «فرشة» عليها عدد كبير من الأحذية وكأنها معرض للأندية الرجالي إلا أنها تقتطع تقريبا نصف الشارع مما يتسبب في صعوبة الحركة المرورية للسيارات وخاصة في وقت الذروة وعندما سألته أنت مش شايف إن وجودك في وسط الشارع عامل أزمة ومشكلة في الحركة والمرور؟! فقال «أنا زهقت من الشارع ووقفته» وكان نفسي أشتغل أي شغل حكومي بس قالوا لي مفيش شغل لكن يارب يكون الحال اتغير بعد الثورة وأوعدكم أسيب الشارع فورا ونجعله زي ما أنتم عايزين، وعلي فكرة أنا أتعلمت لحد أولي إعدادي وبعدها خرجت من المدرسة علشان مفيش فلوس اتعلم بيها واشتغلت مع والدي في بيع الجرايد في الشارع وبعدين عملت «فرشة» بتاعتي وبدأت أبيع عليها اكسسوارات حريمي وبعد كده اشتغلت في الجزم الرجالي وببيع الجزمة ب25 جنيه وطبعا ليها زبونها ومعظمهم من الموظفين وأمي قاعدة كمان علي «الفرشة» اللي تحت الكوبري تبيع مناديل وسجاير علشان تصرف علي أختي اللي في الجامعة والباقي متجوزين. ومش عارف ليه في ناس بتقول علينا بلطجية ونصابين لأننا مش كده إحنا ناس أرزقية علي باب الله اخترنا شغل الشارع بدل ما نسرق أو نبقي فعلا بلطجية. وأنا عارف إن في ناس عايزانا نمشي من هنا بس إحنا قاعدين مش بمزاجنا ولكن مضطرين نقف في الشارع علشان نعيش والموظف الغلبان كمان يقدر يعيش وياريت فعلا يخصصوا لنا مكان نقعد فيه زي ما قالوا بس لازم يراعوا إننا أرزقية مش تجار كبار ومعانا فلوس. - الوقوف في طابور البطالة أما أحمد سمير بكالوريوس تجارة فيري أن هدفه كان الخروج من طابور البطالة الذي ظل منتظرا فيه ثلاث سنوات بلا أي نتيجة وهذا ما اضطره للعمل في بيع الملابس والتي شيرتات في الشارع بلا أدني حرج أو ضيق لأنه لا يملك دفع إيجار محل إضافة إلي الضرائب وتكاليف الإنارة وغيرها من المصاريف التي لا يملك تسديدها فاتجه للرصيف وأصبح له زبونه الدائم وربحه في اليوم يصل إلي 100 جنيه وكان أكثر ما يقلقه هم موظفو البلدية الذين يضطروهم للهروب في الشوارع والحواري كأنهم تجار مخدرات. فالناس فعلا غلبانة وشقيانة لكن هنعمل إيه ونحن لا نطلب مرتبات ولا علاوات عايزين بس يسيبونا في حالنا مش رضينا بالهم والهم مش راضي بينا. - الرصيف له زبونه أما كريم فتحي دبلوم صنايع فيقف أمام منضدة من البضائع البلاستيكية كل حاجة عليها ب5,2 وقال: لسنا جميعاً نملك البضاعة التي نبيعها فمثلاً أنا متفق مع صاحب محل علي أخذ البضاعة وبيعها مقابل نسبة من الأرباح وكل مكان له زبونه المحل له زبون والرصيف له زبون وإحنا دلوقتي بنحمي نفسنا في الشارع وكلنا عارفين بعض حتي البلطجية أحياناً بيتعاطفوا معانا. - أرضية وقوف ومن تعاطف البلطجية إلي إرضاء أصحاب المحلات يقول صبري خليل أحد بائعي النظارات الشمسية لابد أولاً من إرضاء صاحب المحل الذي تقف أمامه أو بجواره وهذا في مقابل ما يعرف بالأرضية وهي مبلغ شهري أو يومي يحصل عليه صاحب المحل من باعة الرصيف وفي بعض الأحيان يتفق علينا أصحاب المحال التجارية ويرفضون الحصول علي أرضية مقابل عدم افتعال مشاكل والبعد عن فاترينات المحل، ودايما بنغير نشاطنا مع الموسم فمثلا دلوقتي أبيع نظارات وفي الشتاء أبيع طواقي صوف وشرابات وكوفيات وطبعا لابد من مصاحبة أحد عمال البلدية وكسب وده علشان المركب تمشي. - الرصيف أوسع من الباكيه بينما يتحدث عم محمود شكري بنبرة حادة قائلاً: ايوه إحنا اللي بيقولوا علينا الباعة الجائلين وأنا باقف في المكان ده من 30 سنة أبيع ساعات حريمي ورجالي الساعة ب10 جنيه وطبعا شفت فيهم بلطجة كتير سواء من البلدية أو بلطجية الرشوة والإتاوات.