كاميرا فضائية cbc مصوبة على ميدان التحرير على مدار الساعة، وهذا البث المباشر الصامت كشف التراجع الشديد في عدد المعتصمين بالميدان منذ انتهاء مليونية الجمعة 25 نوفمبر الماضي، ومليونية "رد الاعتبار" الجمعة 2 ديسمبر كان حضورها محدودا، والمؤسف أنه بعد أن كانت معركة الميدان مع استبداد مبارك ونظامه خلال الثورة، ثم مع تباطؤ المجلس العسكري عن تنفيذ أهداف الثورة تصبح المعركة اليوم مع الباعة الجائلين. هذه إهانة للميدان رمز الثورة، الميدان يجب أن يظل عزيزا، وتظل صورته ناصعة، ورمزيته مصانة، وهيبته قائمة، ولا يجب أن يهون أو تتراجع قيمته في عيون الشعب المصري، فالميدان ليس ملكاً لمن يعتصمون فيه، ولا من يريدون احتكاره، إنما هو ملك الشعب كله صاحب الثورة، فاحفظوا كرامة الميدان، ولا تشوهوه، فالدفاع عن عظمة الميدان مسؤولية كل مواطن مصري. الأضواء تحولت من التحرير إلى الانتخابات ونتائجها ومفاجآتها والمزاج العام في الشارع الذي ظهرت توجهاته في المرحلة الأولى. التحرير انتزع نتائج جيدة من المجلس العسكري فيما يسمى بالموجة الثانية للثورة، حيث استقالت حكومة عصام شرف، وتم التعجيل بانتخابات الرئاسة الى يونيو المقبل، وجارٍ تشكيل مجلس استشاري مدني، وهذه إنجازات مهمة، ولذلك فالبقاء فيه أكثر من ذلك بلا معنى واضح. الانتخابات تنتقل بمصر من حالة الثورة في ميدان التحرير المحدد المساحة، إلى ميدان تحرير آخر أرحب حدوده مساحة مصر كلها، وهو لجان الانتخابات وعرس الديمقراطية. الثورة تتجاوز الآن عتبة المليونيات والاعتصامات والشعارات إلى عتبة أعلى وهي تنفيذ أهدافها، والبدء بمراحل البناء السياسي الديمقراطي للدولة، وبالتالي لا معنى لاستمرار الاعتصام لأيام إضافية، والقراءة الواعية لمسار الأحداث يفرض على المتواجدين فيه أن يفضوا اعتصامهم، أو يعلقوه، ويفتحوا الميدان لحركة المرور، وعدم تعطيل المنطقة أياماً أخرى، وهذا موقف سيساهم في تحسين الصورة المشوشة عن المجموعة التي تسيطر على الميدان باسم دماء الشهداء، خصوصا بعد بروز ميدان العباسية، واحتشاده بالألوف يوم الجمعة الماضي سيغري من يقودونه لتكرار مظاهراتهم، وانتعاشهم النفسي بأنهم أصبحوا معادلا عدديا للتحرير، وهذا سيعمق الانقسام في المجتمع، وقد يحدث ما لاتحمد عقباه لأن من يريدون اللعب والعبث في مصر، سيستفيدون من هذه الأجواء والانشطارات المجتمعية بين ثوار مصرين على تنفيذ ما تبقى من مطالبهم، وآخرون يقولون نحن الكتلة الصامتة، وقد خرجنا عن صمتنا، ولن نسكت بعد اليوم، والأمر الآن وصل الى التراشق بالألفاظ القاسية، والاتهامات الغليظة بالعمالة والتخوين، وهذا عبث يهدد السلام الاجتماعي، ويهدد الثورة التي يعلن الطرفان أنهما أصحابها، ويحافظان عليها، ويدافعان عنها. فليفتح ميدان التحرير، ولتتوقف مظاهرات العباسية، وليتجه المصريون جميعا سواء كانوا من الثائرين أو من الصامتين الى العمل والإنتاج. كنت أتمنى أن أجد شباب التحرير خارج الميدان، وأن يكونوا متواجدين في ميادين الانتخابات بالترشيح في كل دوائر مصر، والاستثمار السياسي في الشارع ووسط الناس، بدل هذا الانعزال عن الشعب، لينالوا مقاعد بالبرلمان الجديد، فهذا هو المجال الحيوي العملي لبناء البلد بعد الثورة، هم خارج العملية الانتخابية الآن لأنهم انشغلوا طويلا بالتحرير، وتوحدوا معه نفسيا ويبدو أنهم غير قادرين على فراقه، وهذا شعور نبيل، فهو المكان الذي غير منه الشعب وجه الحياة في مصر، هذا الانشغال بالتحرير ربما يتفوق على انشغالهم بحياتهم العملية والخاصة، وبالتالي فقد أهملوا استحقاقات ما بعد التحرير، وهي الخطوة التالية الأهم بعد الثورة. ومن المحزن ان يكون شباب الثورة خارج لعبة الانتخابات الآن، إلا القليل منهم، ولم يكن مهما الفوز، بل التدريب على الممارسة الديمقراطية والاستعداد لقيادة الوطن. التحرير باقٍ في مكانه، والعودة إليه يسيرة، رغم أن مصر ستظل مشغولة باستحقاقات انتخابية ودستورية حتى يونيو القادم، أي لن يكون هناك وقت، أو ضرورة للعودة إلى الميدان، طالما أن خطوات التحول وانتقال السلطة من المجلس العسكري إلى المؤسسات المنتخبة تتم حسب الجدول المعلن. أيها التحريريون، شكراً لكم، لكن عودوا إلى حياتكم الطبيعية.