في الوقت الذي شهدت فيه الانتخابات البرلمانية أقوى مشاركة نسائية، جاءت نتيجة المرحلة الأولى للانتخابات ( التي لم تفز فيها أية امرأة ) لتنبئ بأن برلمان الثورة سوف يعكس تمثيلا ذكوريا لم تشهده البلاد من قبل، فهل عقمت مصر عن إنجاب مرشحات قدر المسئولية؟ أم حدث إقصاء متعمد لمشاركة المرأة تحت قبة البرلمان ؟ بثينة كامل المرشحة للانتخابات الرئاسية، ترى أن إقصاء النساء من التمثيل البرلماني هو النتيجة الطبيعية لقيادة الملجس العسكري . وتوضح: في البداية قبلنا بإقصاء المرأة من لجنة التعديلات الدستورية وقبلنا بها في ذيل قوائم الأحزاب، فكانت النتيجة إقصائها من البرلمان بصورة شبه كاملة. وتشير إلى أن الفكر العسكري لا يصلح لإدارة دولة مدنية، بدليل تكبيلهم للثوار بالأزمة الاقتصادية والانفلات الأمني لينتهوا بصفقتهم مع الإسلاميين بتهميش المرأة وإقصائها عن الحياة السياسية . ورغم ذلك ترى بثينة كامل بريق أمل في الأيام القادمة، قائلة: مازال لدي أمل في نجاح الثورة، حينها سيتعدل حال النساء ونقف على أعتاب الديمقراطية مثل تونس . لطمة على وجه مصر " لطمة على وجه مصر وانتكاسة متوقعة سببها إلغاء الكوتة".. . هكذا تعرب د. عفاف مرعي ،رئيس الجمعية المصرية للمشاركة المجتمعية، ورئيس ائتلاف السيداو بمصر، عن رأيها في إقصاء حواء عن المشاركة البرلمانية، مؤكدة أنه منذ عام 1956 حتى 2010 لم تشارك المرأة في البرلمان بنسبة تتخطى ال 2% إلا عند تخصيص مقاعد لها في برلمان 1979 ، و2010". وتضيف: فضلاً عن ذلك فإن الثقافة الاجتماعية شديدة التخلف مازالت تكرس أن السياسة لعبة قاصرة على الرجال فقط، ولم يحدث طوال السنوات الماضية تمكين للمرأة لا سياسياً ولا ثقافياً، فحتى لم يتم تطوير مناهج التعليم لتوعية النشء، والاعلام كذلك مازال يستبعد حواء من بؤرة الأضواء، فكانت النتيجة ثبات المجتمع على موقفه من المرأة بشكل عام وترشيحها في البرلمان بشكل خاص. فضيحة دولية وتتابع: نظراً لتصديق مصر على اتفاقية إلغاء كافة أشكال العنف والتمييز ضد المرأة (السيداو)، فإنها ملزمة بتقديم تقرير دولي ترصد فيه كافة التدابير التي اتخذتها من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين ورفع التمييز عن المرأة، ولكن ما نحن بصدده هو فضيحة دولية .. حيث ماتزال بعض الدول المتقدمة مثل فرنسا وأسبانيا تعمل بهذه المادة رغم وعيهم الثقافي وتخصص الكوتة للمرأة. وترى مرعي، أن المشكلة تكمن في أن العالم أصبح مكشوفا على بعضه ولن تستطيع الحكومة اختلاق الأكاذيب والإدعاءات بإزالة التمييز، وإن حدث فإن تقرير الظل المقابل للتقرير الحكومي سيكشف كافة الانتهاكات لحقوق المرأة وبالتالي ستقع مصر في فضيحة دولية، وتلزمها لجنة السيداو ببعض التوصيات لضمان مشاركة أكبر للنساء في البرلمان، ولكن الأزمة أن ذلك لن يحدث إلا في الدورة البرلمانية القادمة . ومن الآن إلى حين المناقشة الدولية، تؤكد د. عفاف، أنه على الحكومة إثبات حسن النية وإدراك أخطائها بعد تشكيل برلمان خالي من النساء، بإدراجهنّ في المجالس المحلية بنسبة لا تقل عن 30%، ليكون ذلك خطوة مبدئية للمشاركة البرلمانية في الدورة القادمة . القانون هو السبب من جانبها تؤكد د. عزة كامل ،عضو الائتلاف المستقل لمراقبة الانتخابات، ومدير جمعية "وسائل الاتصال الملائمة من أجل التمنية"، أن قانون مباشرة الانتخابات هو السبب في هذه الردة، وكان من المتوقع ألا تزيد مشاركة النساء عن 2%، لأن القانون ألزم الأحزاب بترشيح امرأة على القوائم دون أن يحدد موقعها فجاءت بتمثيل رمزي في ذيول القوائم، لنجد نسبة المشاركة وليس النجاح 15%، وبعد اتساع الدوائر الفردية عجزت عن المشاركة فكانت نسبتها 6%، والأدهى من ذلك أن ما حدث مع جميلة اسماعيل ،وهي أكثر المرشحات حنكة سياسية، سيقلل من دخول المرأة تحت قبة البرلمان، وبالتالي ستنخفض المشاركة عن ال 2% . وتصف كامل قانون مباشرة الانتخابات ب "كوتة الأحزاب" مشيرة إلى أن هذه الردة لن يستسلم لها المجتمع المدني، وسيعمل بجهد أكثر على نشر الوعي السياسي وضرورة مشاركة المرأة في شتى مناحي الحياة. عودة للعصر الجاهلي تعتبر د. سامية خضر ،أستاذ علم الاجتماع، أن إقصاء النساء من البرلمان ومن جميع المشاركات الحياتية الآن ما هو إلا ردة للعصر الجاهلي الذي كانوا يئدون فيه النساء، لافتة أنه لا فارق بين الوأد بعد الولادة والوأد الحالي لصوتها في الحياة . وتلقي أستاذ علم الاجتماع باللوم على النساء أنفسهنَ، قائلة: النساء هنّ سبب الردة الحضارية التي نعانيها الآن، فأين أين جمعيات حقوق المرأة؟! أين المتشدقات باسم المرأة والمساواة في القنوات الفضائية؟! لماذا لم يخرجن لتوعية الناس بالشوارع؟! وإذا كانت هدى شعراوي استطاعت في القرن الماضي أن تحشد 500 امرأة في مظاهرة ضد الانجليز، فلماذا لا تستطيع نساء القرن ال 21 حشد عدد مماثل ومناقشة الردة التي نعانيها جميعاً كنساء؟! وتضيف: هذه الانتكاسة بسبب النساء انفسهنَ وعدم إيمانهنّ بالقضية، وليست بسبب الرجال، فهل يعقل أن الجيل الذي أشعل فتيل ثورة التغيير على الفيس بوك لا يستطيع جمع 500 امرأة مثلما فعلت هدى شعراوي ؟! وترجع د. سامية خضر عدم فوز جميلة إسماعيل إلى عدم دعم الحقوقيات لها، وتقاعس المرأة المصرية عن حقها بشكل عام، سواء كانت حقوقية أو مرشحة او امرأة عادية، لأن الجميع في انتظار الأيدي السحرية لحل المشاكل دون بذل مجهود واتخاذ خطى حقيقية لانتزاع الحقوق.