«الانقراض أو الاختفاء وتحدى الزمن والتاريخ».. هذا هو حال صراع مهنة تعد من أقدم المهن فى مدينة طنطا، وهى مهنة برادع الحمير وسروج الخيول، وتعنى قطعة المقعد وكسوة الدابة أو الفرس والتى يركب عليها صاحبه أو راكبة، ومعظمهم من المزارعين وأصحاب عربات الكارو الصغيرة بخلاف فرسان سباق الخيول طبعاً. وحتى «البرادعى» نفسه وهو الصانع المحترف الذى يقوم بإنتاج البردعة والسرج ومستلزماتهما أصبح فى ذمة التاريخ ومازالت بقاياه تتحدى الزمن وحتى المستورد الصينى من برادع الفرنجة! فالسوق أصبح شبه خاوٍ على عروشه إلا من بقايا تشهد على ما كان فى الزمن الجميل. وبعد أن كان شارع سيدى نوار «المتفرع من سوق الفسيخ» بطنطا عاصمة محافظة الغربية يعج بالعمال الذين يعملون ليلاً ونهاراً لتلبية طلبات الفلاحين من كافة المحافظات على شراء وطلب «البرادع»، بات الشارع مهجوراً، خالياً من الصخب الذى كان يشهده، فلا بيع ولا شراء، وأغلب «البرادعية» يجلسون أمام محلاتهم يسترجعون الذكريات، ويتحسرون على أيام العز والزمن الجميل التى كانوا لا يتوقفون فيها عن العمل ولو لساعة واحدة، عندما كانت البردعة مظهراً من مظاهر ثراء الفرد ومكانته الاجتماعية وقيمة الحمار نفسه! ورغم انقراض مهنة «البرادعى» فمازال وحتى الآن عدد من أصحاب المهنة يحتفظون بمحلاتهم ويصرون على فتحها كل يوم، حتى لو لم يبيعوا «بردعة واحدة» حتى إن البعض اضطر لتطوير المهنة وتغييرها قليلاً ليصبح من «برادعى» إلى صانع سروج الخيل بألوان وأشكال زهية وعصرية، لكن سرعان ما تعرضت هى الأخرى للركود ووقف الحال لأنها مرتبطة بنشاط حركة السياحة وشغل خان الخليلى المصغر. داخل محل صغير عمره يزيد على قرن من الزمان جلس الحاج «على سلطان».. كبير البرادعية فى المنطقة، يعمل فى همة ونشاط، رغم أنه تجاوز ال75 سنة غير مبالياً بحالة الركود التى أصابت المهنة والتى تهدد بزوالها ولسان حاله يقول الحمد لله و«أه لو لعبت يازهر» واتبدلت الأحوال. قائلاً «مهنة البرادعى تراثية، والثروة الزراعية العمود الفقرى للمزارع ولا يوجد فلاح يستطيع أن يستغنى عن الحمار» وكنا إلى وقت قريب نعمل ونجنى أرباحاً طائلة إلى أن تم نقل سوق المواشى من قلب مدينة طنطا إلى مدينة قطور، مما جعل الإقبال علينا ضعيفاً وقضى على البقية الباقية من الزبائن. والحاج «سلطان» يعتز جداً بحرفته وخبرته ومهنته ويتفاخر بها قائلاً «أنا ربيت 5 من ولادى أحسن تربية من المهنة دى ودخلوا أحسن كليات، لأن رزقها حلال وبنتعب فيها كثيراً». ويكمل حديثه قائلاً «البردعة عبارة عن بطانة من القماش والقش والصوف توضع على ظهر الدابة ويستغرق صنع الواحدة 5 ساعات متواصلة وتبدأ سعرها من 40 جنيهاً إلى 100 جنيه باختلاف الخامات المستعملة فيها من حديد وجلد، فهناك خامات صينى وأخرى محلية الصنع بتكون أجود وأغلى من الصينى، لافتاً إلى وجود مستلزمات أخرى للبردعة مثل «الرقبية والطوق». «برادعى» آخر وهو عادل مصطفى اضطر لتغيير مهنته من «برادعى» إلى صانع «سروج الخيل» ومستلزماتها ولكنه يشتكى أيضاً عدم وجود أى بيع أو شراء بسبب الركود وتوقف السياحة فى مصر قائلاً «تراجع حركة السياحة فى مصر أثر على نشاطنا، وأيام كثيرة بتمر علينا دون أن نبيع ولو قطعة واحدة». ويضيف، نضطر كل يوم بالتفكير فى طرق جديدة لتطوير مهنتنا عبر إدخال ألوان وتصميمات كثيرة وجيدة على شكل السروج، مشيراً الى أن سعر سرج الخيل يبدأ من 150 جنيهاً إلى آلاف الجنيهات حسب الخامات المستخدمة، كما أن قيمة السرج لابد أن تتناسب مع نوع الخيل وقيمته، فهناك سروج تكلف آلاف الجنيهات والتى تتم صناعتها من الفضة لأمراء العرب والأثرياء.