استقر فيلم «أمن دولت» في المرتبة الثالثة بين أربعة أفلام بدأ عرضها في عيد الأضحي، وإن كان فرق الإيرادات كبيراً بين الفيلم الثاني «سيما علي بابا» والثالث «أمن دولت» والغريب أن أحدا من المتحزلقين الذين سارعوا بإلقاء أسهم الغضب علي فيلم أحمد مكي واتهموه بالاستسهال والبعد عن مشاعر الجماهير لم يلتفت إلي فيلم حمادة هلال ولم يوجه له أي نوع من الهجوم الذي يستحقه! في البداية لقد استسلمنا جميعا ومنذ سنوات بعيدة، لفكرة الاقتباس من السينما المصرية، رغم أن للاقتباس أصوله، التي تؤكد أن هناك نوعا من الإبداع المواز يجب أن تتوفر للفنان المقتبس وإلا تحول ما يقدمه إلي سرقة وليست اقتباسا، ورغم ذلك فإن ما قدمه السيناريست «نادر صلاح الدين» والمخرج «أكرم فريد» لا يعد اقتباسًا من الفيلم الأمريكي «The Pacifier» الذي لعب بطولته «فين ديزيل» ولكنه نوع من التشويه المقيت الذي يصل إلي حجم الجريمة الكاملة! كأن تسرق لوحة فنية ثم تحاول أن تطمس معالمها فتحولها إلي مسخ! وفي محاولة لتبرير فعلته يؤكد السيناريست نادر صلاح الدين بشجاعة يحسد عليها، أن ما فعله شيئا عاديا لأن الفيلم الامريكي نفسه منقول أو مقتبس من فيلم صوت الموسيقي! وهو قول يحمل الكثير من التضليل معمدا في ذلك علي أن أحدا لن يراجعه، ويبدو أن تصور أن كل فيلم به أطفال يتم ترويضهم يبقي صوت الموسيقي منتزعا من الفيلم الذي يعتبر أحد كلاسيكيات السينما العالمية أهم مكوناته الأساسية! وأسباب تميزه ونجاحه الاسطوري، والحقيقة أن فيلم The Pacifier يتخلله محاولة من شاب مراهق المشاركة في مسرحية مأخوذة عن صوت الموسيقي، فهل هذا معناه أن الفيلم هو اقتباسا منه؟ يعني لو أن فيلما قدم بعض مشاهد من غادة الكاميليا يبقي هو نفسه غادة الكاميليا؟ ويسألون لماذا وصل حال السينما المصرية إلي هذا المستوي المتدني رغم تاريخها الطويل؟ ما علينا.. فيلم The Pacifier من الأفلام متواضعة القيمة علي أي حال وإن كان جيد الصنع! يبدأ بمطاردات في البحر بين مجموعة من المروحيات الهوائية وإحدي السفن الحربية والقصد من العملية اغتيال عالم جليل توصل إلي اختراع ينقذ البشرية من الدمار، وهناك جهات تحاول الحصول علي هذا الاختراع ويقوم بحماية المخترع ضابط بحرية هو «شان وولف» أو الممثل «فين ديزيل» ولكن تفشل العملية ويتم اغتيال العالم، وتطلب الإدارة التابع لها «شان وولف» حماية أسرته المكونة من زوجته وخمسة أطفال في سنوات الطفولة والمراهقة، ونظرا لسفر الأم إلي سويسرا حيث وضع العالم سر اختراعه في خزانة خاصة بأحد البنوك، يصبح علي «شان وولف» القيام برعاية الاسرة وتأمين أفرادها خوفا من أن تمتد لهم أيدي الشر التي اغتالت والدهم! ولأن شان وولف رجل بحرية صارم وجاد يؤمن بالانضباط والالتزام فهو يلقي المتاعب في معاملة أبناء العالم! ولكن مع الوقت يستطيع بانضباطه وحزمه أن يتقرب من الأطفال ويعوضهم عن حرمانهم من والدهم بل إنه ينجح في إنقاذهم من محاولات اصطيادهم من قبل عصابة تسعي للوصول إلي سر الاختراع! الحكاية بسيطة وسبق تقديمه في أكثر من فيلم سينمائي! ولكن أسلوب المعالجة يمنح كل محاولة جمالها وتفردها، ولكن ماذا فعل نادر صلاح الدين! في سيناريو فيلم أمن دولت؟ لقد حول ضابط البحرية إلي ضابط أمن دولة «حمادة هلال» اسمه حسام الفرشوطي! والده نائب في مجلس الشعب المنحل، وهو رجل صارم ومستبد أجبر ابنه علي الالتحاق بالشرطة رغم أنفه، وتم إلحاقه بأمن الدولة رغم أنه خيبان ويخاف من خياله! ولا أفهم سر هذا الأداء الغريب الذي قدمه حمادة هلال من أول الفيلم لآخره، بحيث يصبح ضابط أمن الدولة شخصاً عبيطاً مهزوزاً مرعوباً، لا يتحدث إلا بالصراخ وتحريك ذراعيه «التشويح» عمال علي بطال! وهو نوع من الأداء الكوميدي الذي انتهي من العالم كله، فالكوميديا لا تحتاج الي كل هذا الضجيج وهذا التشنج؟ الذي كان يقدمه محمد عوض في السبعينيات! أحداث فيلم «أمن دولت» لم يخرج من الفيلا إلا في قليل جدا من المشاهد، إنه فيلم مخنوق خال من الإبداع أما الأطفال الخمس الذين اختارهم المخرج أكرم فريد فليس من بينهم موهوب أو خفيف الظل، ولدينا مشكلة تصل إلي حد الجريمة في التعامل مع الأطفال في السينما حيث نقدمهم وكأنهم مخلوقات ممسوخة يتحدثون بلغه الكبار ويفتقدون جمال وبراءة الطفولة، وكلما قال الطفل كلمات سخيفة اعتبرنا هذا إنجازا، وتبدو طفلة في العاشرة من عمرها وكأنها سيدة «أروبة» تتحدث بحواجبها وكلتا يديها، بعكس تلك التي ظهرت في الفيلم الأمريكي وكانت مليئة بالحيوية وعفوية من هن في عمرها! أما الطفل الذي يقلد شخصية سوبرمان فكل كلماته ضايعة وغير مفهومة! وقد تم صناعة دور تقليدي لشخصية نسائية حتي يحبها البطل وكانت شيري عادل! ولأن بطل الفيلم مطرب فكان لابد من إقحام أغنيتين أحداهما قدمها في فرح شعبي والأخري في مناسبة عيد ميلاد وكلتاهما لم تقدم أو تؤخر في الأحداث وتفتقد للبهجة أيضا! وفي المشاهد الأولي من الفيلم يقدم المخرج بعض حالات تعذيب المعارضين للنظام السابق، عن طريق كهربتهم وحرقهم ولا أعرف كيف تكون مشاهد حرق إنسان مثيرة للضحك؟ إلا لو كنا جميعا نعاني من السادية، وفي محاولة لركوب الموجة ينتهي الفيلم بالثورة والهجوم علي مقار أمن الدولة، وقيام ضباط بحرق وفرم الملفات، ثم تأتي العبارات الإنشائية الختامية بأن الأطفال علموا ضابط أمن الدولة ضرورة أن يكون له موقف من الحياة ولا يستجيب لاستبداد والده! أو استبداد أي حاكم أو صاحب سلطة! وكنت أتمني أن يقوم كاتب السيناريو والمخرج بنقل الفيلم الأمريكي بحذافيره بدون زيادة أو نقصان بدلا من محاولات طمس الفيلم التي جاءت بنتيجة عكسية وسيئة للغاية!