الكثير من النقاد والفنانين وحتى الجماهير فى البيوت اعترضت على تقديم جزء سادس من «ليالى الحلمية» على اعتبار أن الراحل أسامة أنور عكاشة قدم فى الأجزاء الخمسة التى كتبها كل ما يمكن تقديمه من دراما ترصد الواقع المصرى، وبالتالى فأى جزء يضاف إلى الأجزاء الخمسة الأولى هو مجرد استغلال لنجاح عمل أثر تأثيراً كبيراً فى كل مشاهدى مصر، والوطن العربى. وخرج بعض العاملين فى الجزء السادس وأعلنوا الحرب على المعترضين، وبعضهم استخدم لغة قاسية للدفاع عن هذا الجزء الجديد. ولكن مع انطلاق الحلقات الأولى جميعنا لم يشعر بهذا العمل، وربما كان الشىء الصحى الوحيد هو تتر العمل، لأن صناع الجزء السادس صمموا على تقديم التتر الأصلى للأجزاء الخمسة الأولى الذى لحنه ميشيل المصرى، وكتبه سيد حجاب، وغناء المطرب الكبير محمد الحلو.. وهذا التتر هو الحسنة الوحيدة الموجودة فى المسلسل، و«رب ضارة نافعة» لأن عرض التتر القديم كان أحد الأسباب التى جعلت الكثيرين منا يترحمون على الدراما المصرية القديمة ليس الحلمية فقط، ولكن كل الأعمال التى قدمتها الشاشة المصرية، «رأفت الهجان»، و«دموع فى عيون وقحة»، و«المال والبنون»، و«الوسية»، و«الليل وآخره»، و«بوابة الحلوانى»، وغيرها من الأعمال التى سطرت تاريخنا الدرامى. تتر «الحلمية» الذى يعرض حالياً ذكرنا بالماضى الجميل، ذكرنا بأعمال ارتبط بها المشاهد، وأعتبر كل ممثل شارك فيها جزءاً من أسرته، أعتبر كل شخصية من الشخصيات إنساناً من لحم ودم يعيش معه مواقفه الخاصة. تتر «ليالى الحلمية» لم يكشف فقط سوء المستوى الدرامى الذى نعانى منه فى أغلب الأعمال الدرامية التى تقدم على شاشة رمضان، لكنه كشف سوء مستوى جميع التترات التى قدمت هذا العام، فجميعها بلا استثناء لا تعبر عن الدراما الموجودة فى العمل، لكنها أغانٍ منفصلة من الممكن تقدم بعيداً عن المسلسل الذى تحمل اسمه، ومن الجائز أيضاً أن تستبدل التترات فيما بينها، ولن تكتشف أن هناك أزمة أو مشكلة. لأن كل الذين لحنوا التترات تعاملوا معها على أنها أغانٍ غير مرتبطة بأحداث درامية، من المفروض أن يعبر التتر عن ثقافتها ومجتمعها وبيئتها وأحداثها. هكذا علمنا عمار الشريعى وياسر عبدالرحمن وعمر خيرت ومحمد على سليمان وميشيل المصرى وبليغ حمدى. وكل من كان له علاقة بالموسيقى التصويرية بجد. أما الآن جاء جيل جديد يحمل أفكاراً ليس لها علاقة بالدراما من بعيد أو قريب. لذلك عندما يعرض مسلسل «الحلمية» هذا العام تجد الناس تذهب سريعاً لكى تستمع إلى صوت محمد الحلو، هذا الصوت المصرى الذى يحمل كل مواصفات المطرب الحقيقى والذى يتقاسم مع رفيق مشواره على الحجار لقب «ملوك التترات» على مر العصور. والغريب فى الأمر والشىء الغريب أن زحف تتار الموسيقى الجدد نحو الدراما أدى إلى إقصاء كل الأصوات الجادة التى صنعت مجد هذا الفن على مدار أكثر من 30 سنة. التتار الجدد جاءوا بثقافاتهم الخاصة التى أدت إلى انهيار الأغنية، والآن جاء الدور على الدراما حتى تصبح مصر بلد بلا غناء حقيقى، فى ظل حالة صمت رهيب من صناع الدراما الذين اكتفوا بالحصول على توقيع النجم فقط، المتمثل فى بطل العمل، وتركوا باقى فريق العمل للصدفة وللعلاقات.. وبالتالى هذا العام لم نجد محمد الحلو فى عمل جديد يغنى فيه للعام الثانى على التوالى، ولم نجد على الحجار، كما لم نجد ياسر عبدالرحمن، وعمر خيرت، وميشيل المصرى والأخير بعيد تماماً منذ سنوات طويلة، وكأن تتر الحلمية تحول إلى نقمة عليه، وليست نعمة. تتر «ليالى الحلمية» الذى يذاع الآن مع الجزء السادس من العمر كشف عورات كثيرة تعانى منها الأغنية، والدراما المصرية كشف أن الفن الآن تحول إلى سبوبة كبيرة هدفها الأول الربح والخسارة، وليس القيمة الفنية. الآن نحن فى زمن أغانى المهرجانات التى زحفت نحو الأغنية فدمرتها، ونحو السينما فأردتها قتيلة، وإلى الدراما فجعلت منها أضحوكة. الآن نحن نعيش زمن دراما العُرى والخيانة، والمرضى النفسيين، وكأن قضايا المجتمع المصرى، والتحديات التى يواجهها انتهت، لم نر عملاً درامياً أو غنائياً يخلد ويؤرخ مثلاً لقناة السويس الجديدة معجزة مصر الجديدة. تتر الحلمية أعادنا لزمن الدراما والغناء الجميل حتى نبرهن لفقهاء دراما هذا العصر إن لنا ماضياً ثرياً تركه كبار مبدعينا!!