البابا تواضروس: نتألم بشدة لاتساع رقعة الحرب في المنطقة    رئيس استئناف القاهرة يبحث مع وفد ألماني تبادل الخبرات في مجال التحكيم    سعر جرام الذهب عيار 21 يتراجع 5 جنيهات خلال ختام التعاملات    أسعار اشتراكات السكك الحديدية للطلاب لمحطات الوجهين القبلي والبحري    «العناية الطبية بلبنان»: القطاع الصحي يقدم جهود جبارة للجرحى    مراسل القاهرة الإخبارية: استمرار القصف العنيف على قطاع غزة    وزير الخارجية يشدد على أهمية تفادي انزلاق المنطقة لحرب إقليمية    في غياب عبدالمنعم| نيس يتعادل إيجابيا مع ريال سوسيداد في الدوري الأوروبي    أرسنال يعبر إلى دور ال16 بكأس كاراباو بخماسية أمام بولتون    سميرة سعيدة تدعم لبنان: بلدنا ستبقي رمز الحياة والأمل    «الثقافة» تبدأ تحضيرات الدورة الجديدة ل«سيمبوزيوم أسوان للنحت»    معهد تيودور بلهارس يكشف حقيقة وجود مرضى مصابين بالكوليرا    أحوال الطقس في مصر.. معتدل الحرارة ليلا على أغلب الأنحاء    جامعة الأقصر تنظم مسابقة في حفظ القرآن الكريم احتفالاً بالمولد النبوي الشريف    اقرأ غدا في "البوابة".. إسرائيل تواصل عدوانها على لبنان    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة سوزوكي بالفيوم    أخبار الأهلي: حرس الحدود يرفض ضم لاعب الأهلي    السوبر الأفريقي.. غدًا المؤتمر الصحفي لمباراة الزمالك والأهلي    محمود حميدة يتحدث عن أزمة فيلم الملحد: «الناس بتربط الخيال بالواقع»    ماكرون يطالب إسرائيل وحزب الله بالتراجع عن التصعيد فورا    النائب أحمد بلال: فلسطين دائما قضية مصرية.. وندعم المقاومة اللبنانية    "الأوقاف": رفع قيمة القرض الحسن لهذه الفئة ل 50 مليون جنيه    خاص.. جدول حفلات مهرجان الموسيقى العربية 2024    أمين الفتوى يوضح حكم "قراءة الفنجان"    وزير الخارجية: مصر تؤكد خطورة تأثير ظاهرة التغير المناخي على ندرة الموارد المائية    "الكهرباء": تركيب مصيدة قلب مفاعل للوحدة النووية الثالثة بالضبعة في هذا الموعد    واعظات الأوقاف يشاركن في مبادرة «خُلُقٌ عَظِيمٌ» بعدد من مساجد بني سويف    لمواليد «العذراء» و«القوس» و«الجوزاء».. ماذا يخبئ هذا الأسبوع لأصحاب هذه الأبراج؟    «زيرو تحرش».. عام دراسي بدون أزمات وانتشار الشرطة النسائية رسالة طمأنة لأولياء الأمور (فيديو وصور)    أهالى دراو بأسوان لقناة إكسترا نيوز: المياه آمنة ونشرب منها فى أي مكان    أرسنال يرغب في التعاقد مع أوزيل الجديد    خبير شؤون إسرائيلية : الحديث عن استهداف نصف قدرات حزب الله غير صحيح    على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.. وزير الخارجية يشارك في فعالية رفيعة المستوى حول المياه    ابدأ يومك بها- 10 أطعمة لخفض الكوليسترول    وثيقة سياسة ملكية الدولة.. مدبولي: هدفنا تعظيم الأصول والعروض غير المناسبة لا نقبلها    تستغل ابنتيها القصر.. قرار عاجل من النيابة ضد التيك توكر "وحش الكون"    خالد الجندى: عمليات التجميل والتحول الجنسى فعل شيطانى للحرب على بنيان الله    انطلاق دورة التعامل اللائق مع رواد المسجد لعمال المساجد    ترحيب واسع بدعم الرئيس السيسي لتوصيات الحوار الوطني.. تعزيز لحقوق الإنسان والإصلاح القانوني في مصر    كلامها حلو.. هشام عباس يكشف تفاصيل ألبومه الجديد وموعد طرحه    وزير التموين يجتمع مع رئيس البريد وممثلى شركة فيزا العالمية لبحث أوجه التعاون    وليد فواز يكشف سبب خوفه من دوره في مسلسل «برغم القانون».. قللت وزني    "اليوم" يسلط الضوء على الأوضاع فى لبنان بعد الهجمات الإسرائيلية بالجنوب    كنوز| 54 عاما على غياب زعيم في ذاكرة المصريين    سكرتير عام مطروح المساعد للأهالي: التصالح هو ميراثك للأجيال القادمة    قافلة شاملة في قرية البصارطة ضمن مبادرة بداية بدمياط    13 مليون جنيه إجمالي إيرادات فيلم عاشق بدور العرض السينمائي    وزير النقل اللبناني: لا توجد مشكلات لوجيستية بمطار بيروت.. وملتزمون بقوانين الطيران العالمية    تنظيف وتعقيم مسجد وضريح السيد البدوي استعدادًا للمولد (صور)    مدرب السد القطري: مباراة الغرافة ستكون صعبة للغاية    إجراء 267 ألف تدخل طبي في مستشفيات التأمين الصحي الشامل    «صحة المنوفية»: إدارة المتوطنة قدمت خدماتها ل20 ألفا و417 مواطنًا في مجالات الفحص والمكافحة    عملت وشم فشلت في إزالته هل صلاتي باطلة؟.. رد حاسم من داعية (فيديو)    ضبط نحو (14) ألف قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    حارس ليفربول: 5 أمور تحسنت في مستوى محمد صلاح تحت قيادة آرني سلوت    إمام عاشور يكشف مفاتيح الفوز على الزمالك ودور اللاعبين الكبار في تألقه    القبض على عنصرين إحراميين يديران ورشة لتصنيع الأسلحة النارية بالقليوبية    إصابة 7 أشخاص فى مشاجرة بين عائلتين بقنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هموم مصرية
أسعار اللحوم.. ومشوار عمره 71 عاماً
نشر في الوفد يوم 08 - 11 - 2011

صورة لن تنمحي من ذاكرتي.. كان ذلك في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي.. الصورة كرنفال شعبي كان يتكرر في معظم المدن القديمة والقري الكبيرة.
هي صورة مظاهرة أو مهرجان.. قافلة كبيرة من الجاموس الذي تشتهر به دمياط وضواحيها..
ومن الأبقار وقليل من الأغنام والماعز.. وكل ذلك تم تزيينه بالورود وسعف النخيل.. طابور طويل تتقدمه فرقة الفناجيلي وهي النسخة الدمياطية من فرقة حسب الله للموسيقي النحاسية والطبول الكبيرة والطابور يتحرك ببطء شديد، يطوف شوارع مدينة دمياط كلها.. وأمام الفرقة الموسيقية بملابسها الحمراء شديدة الحمرة وباريهات حمراء علي رأس كل موسيقي.. ثم صوت يرتفع هو في الغالب من أصحاب الجاموس والأبقار.. الصوت يدوي كالرعد يقول وهو يشير إلي طابور الحيوانات «من ده بكره.. بقرشين» وكان معني هذا النداء أن أصحاب هذه الحيوانات سيبيعون الرطل من لحومها بقرشين.. والرطل يساوي نصف كيلو جرام تقريباً..
** وينطلق كل الصبية والأولاد - وأنا منهم - نهتف جميعاً ونردد ما يقوله «المعلمين» من الجزارين نردد قولهم: من ده بكره.. بقرشين، وكان هذا الطابور «الحيواني» يطوف بكل شوارع دمياط في اليوم السابق لوقفة عيد الأضحي المبارك.. وكان كبار السن من المشاهدين يسألون هؤلاء الجزارين عن عنوان محلاتهم التي ستبيع رطل اللحم بقرشين في يوم الوقفة.. وكانت حركة الشارع الذي يمر به هذا المهرجان الشعبي الرائع تتوقف تماماً.. إلي أن يمر الطابور بكل ما فيه من جاموس وأبقار وأغنام.. ومن فيه من صبيان وفتيان.. وكانت هناك لافتات من قماش مكتوب عليها اسم كل جزار ومحل جزارته..
** ولكن ما معني عبارة «من ده بكرة.. بقرشين» معناها أن الجزار ملتزم ببيع رطل اللحم بقرشين صاغ.. فقط لاغير، طبعا هذا الكلام كان من حوالي سبعين سنة..و ظل يتردد قبيل وقفة العيد لعدة سنوات حتي إن والدي كان قد طلب مني أن أذهب بسرعة الي بيت جدتي لأمي لأطلب منها الحضور.. حيث إن والدتي علي وشك أن تضع مولوداً جديدا، هو أخي الحبيب السيد، وقابلني في الطريق هذا المهرجان شديد الإغراء.. فاندفعت أسير معه ونسيت أمي التي توشك أن تضع مولودها.. وكانت بحاجة إلي مساعدة والدتها.. جدتي.. ولم أتنبه أن الوقت والمهرجان سرقني إلا عند المغرب.. فلما عدت للبيت كانت والدتي قد وضعت أخي السيد، بعد أن أرسلوا رسولا غيري لاستعجال جدتي!!
** والمهم هنا أن رطل اللحم كان بقرشين، أي أن سعر الكيلو أربعة قروش.. وكان شائعاً أن يباع اللحم أيامها بالرطل.. وطبعاً لا تقولوا إن ذاك زمنا كنا نشتري فيه العشرين بيضة بمليم!!
ودار الزمن.. وحضرت إلي القاهرة لألتحق بجامعتها عام 1957، وسكنت في الدقي - في أحد الشوارع المتفرعة من شارع سليمان جوهر أشهر أسواقها «وتوحمت»علي اللحم.. فنزلت اشتري رطلاً من اللحم ولما طلب مني الجزار تسعة قروش ثمنا للرطل.. طلبت منه ماسورة لم أدفع فيها شيئاً لكي«أسلقها» وأعمل علي شوربتها فتة بالخل والثوم.. تخيلوا كل ذلك بتسعة قروش.. وحتي أطبخ عليها حلة خضار اشتريت رطل كوسة وجزرتين ونصف رطل بصل ومثله من الطماطم، ودفعت في كل ذلك ثلاثة قروش.. وكانت وليمة مفتخرة!! أكلتها أنا وزميلي في الغرفة عبدالسلام أبو شحاته الذي هاجر الي أمريكا أوائل الستينيات.
** واستمرت أسعار اللحوم تقفز وتقفز الي أن صار سعر الكيلو أي حوالي رطلين عندما تزوجت حوالي 45 قرشاً.. ثم كانت المظاهرة التي خرج فيها القاهريون يهتفون أمام مجلس الشعب ويهللون علي رئيس المجلس «سيد مرعي» ويقولون «سيد بيه.. ياسيد بيه.. كيلو اللحمة بقي بجنيه»!!
الآن مصر تستورد حوالي نصف ما تأكل من لحوم.. وعندما كان الرطل بقرشين لم تكن مصر تستورد رطلاً واحداً لا من أثيوبيا ولا من استراليا أو من الهند والبرازيل.. ولكن للحقيقة كان عدد سكان مصر وقتها أقل من 15 مليونا.. كان خير مصر يكفي كل المصريين.
** ولكن بعد أن قفز عدد السكان ليصل الي حوالي 85 مليوناً لم يعد الانتاج يكفي.. ومع التهاب أسعار العلف والاعتماد علي الاستيراد وصل سعر اللحم البتلو إلي 100 جنيه والكندوز الي 70 جنيهاً والضاني كذلك لسبعين جنيها.. وياليت ما نستورد من لحوم يكون نظيفاً وصحياً وليس مدعماً بديدان الساركوسيست الهندية أو لحوماً مستوردة من أثيوبيا من أبقار مجهدة من مشوارها اليومي الذي يطول إلي 40 كم ذهاباً ومثلها عودة ما بين المرعي وبين الإقامة.. وأصبحنا ملطشة لمصدري اللحوم ومستورديها الذين يكتنزون الأموال.. من دماء المصريين باستيراد أسوأ لحوم في العالم.
** وانعكست أسعار اللحوم علي أسعار الدواجن والبط والأوز.. وكذلك علي الأسماك وكل لحوم بيضاء أخري.. وإذا كنت قد أكلت حبة السمان بقرشين في أوائل الأربعينيات.. فإنني أرفض الآن تناول السمانة وقد وصل سعرها الي 10 جنيهات!!
تري ماذا سيأكل كل المصريين غداً.. ورحم الله عصراً كان السمك يباع فيه بالشروة.. وكنا نشتري البلطي بأربعة قروش نأكله بتلذذ واستمتاع.. الآن الكيلو ب16 جنيها ولا طعم له..
** انه مشوارنا مع اللحوم وأسعار اللحوم.. وعجبي!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.