كانت حالة الصمت التي التزم بها الزعماء العرب تجاه الاحتجاجات الشعبية التي اطاحت بالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي من السلطة معبرة للغاية . وشاهد الناس بشغف في شتي انحاء المنطقة كيف ان احتجاجات الشوارع اجبرت بن علي علي الفرار من تونس التي حكمها طوال 23 عاما في مشهد لم يسبق له مثيل في العالم العربي حيث لا يمكن اسقاط الزعماء المستبدين الا بانقلاب عسكري او باغتيال او بوفاتهم . وحث الرئيس الامريكي باراك اوباما علي اجراء انتخابات حرة ونزيهة في تونس وهي دعوة كررها زعماء غربيون اخرون غض كثيرون منهم الطرف عن اسلوب بن علي القمعي في الحكم. ولكن العواصم العربية لزمت الهدوء الي حد كبير بعد ان اذهلها علي ما يبدو الانفجار المزلزل للاحتجاجات في تونس. وقال "هنري ويلكنسون" من مؤسسة "جانوسيان سيكيورتي الاستشارية" إن الامر الذي سيقلق حكومات كثيرة في المنطقة هو ان الازمة كانت عفوية ولم تكن منظمة. وأضاف بقوله إن الاحداث في تونس اظهرت خطر تأثير الكبت، اذا انتهجت نظام القمع العنيف دون معالجة اسباب السخط يمكن ان يؤدي اي شرخ في النظام الي انفجار. ودعا بيان حذر من الجامعة العربية التي تتخذ من القاهرة مقرا لها كافة القوي السياسية وممثلي المجتمع التونسي والمسئولين للتكاتف والتوحد.. واعربت المملكة العربية السعودية التي سمحت لبن علي باللجوء اليها عن دعمها للتونسيين من اجل تجاوز هذه المرحلة الصعبة. وفي مصر قالت وزارة الخارجية انها تحترم خيارات الشعب التونسي وتثق في حكمة الاخوة التونسيين علي ضبط الوضع وتفادي سقوط تونس في الفوضي. وقال السودان انه رحب بالتغيير السياسي في تونس مستخدما لغة مماثلة بشأن احترام ارادة الشعب التونسي. وربما تكون اطاحة الجيش بالرئيس السوداني السابق جعفر نميري في عام 1985 بعد موجة من الاحتجاجات الشعبية اقرب مثيل في تاريخ العرب الحديث للاطاحة ببن علي . وتولي الرئيس السوداني الحالي عمر البشير السلطة في انقلاب وقع عام 1989. وفي العراق تفادي علي الدباغ المتحدث باسم الحكومة التعليق علي القلاقل في تونس. وقال ان هذه مسألة داخلية تخص الشعب التونسي والعراق لا يتدخل في شئون الدول الاخري ويحترم خيار الشعوب في المنطقة.ويمكن للعراق ان يتباهي بحكومة شكلت وان كان بصعوبة بالغة بعد انتخابات حقيقية علي عكس الانتخابات في معظم الدول العربية التي تقدم شكلا اكثر من الجوهر. وربما يعكس تحفظ الزعماء العرب بشأن تونس تخوفهم مثلما قال المحلل كميل الطويل من ان ما حدث في تونس اثبت ان بامكان الشعوب اسقاط نظام حكم في العالم العربي بالخروج الي الشوارع والتظاهر. ولكن ذلك لا يعني بالضرورة انهم سيكونون متأهبين اذا ما رأت شعوبهم تكرار ثورة تونس. وقال: "ريتشارد دالتون" وهو سفير بريطاني سابق في ليبيا وايران ان حكاما مستبدين اخرين لن يتورعوا عن قمع العنف الذي اظهره التونسيون. واضاف ان البعض مثل الرئيس الليبي معمر القذافي سيخلص الي انه مازال علي صواب في عدم تقديم شبر واحد سواء للاسلاميين او لمجرد الاصلاحيين. وان افضل ما يخدم بقاء النظام هو مقاومة اي ضغوط غربية من اجل التغيير. وغالبا ما يبرر الحكام العرب القمع بالاشارة الي ان البديل لذلك هو رؤية اسلاميين راديكاليين يمسكون بالسلطة ولكن تونس لم تقدم دعما واضحا يذكر لهذه الحجة. وقال المحامي والمحلل السياسي الجزائري سعد جبار: ان نظام بن علي بالغ في استخدام مسألة الاسلاميين محاولا تخويف الناس من القاعدة والناس رأوا الوضع من خلال ذلك.