علي طريقة حملات ترشيح جمال مبارك للرئاسة التي ظهرت قبل عام، فاجأتنا حملة دعم المشير طنطاوي لرئاسة الجمهورية، التي أعلن ائتلاف مجهول يحمل اسم «مصر فوق الجميع» مسئوليته عنها، تحت شعار دعم الشرعية.. وتمادت هذه المجموعة المجهولة وأعلنت استعدادها لجمع مليون توقيع لتأييد الحملة. ولجأ أعضاء هذا الائتلاف لاستخدام نفس الأسلوب والاستراتيجيات التي عرفت بها مجموعات دعم نجل المخلوع.. فالغموض سيطر علي طريقة إعلانها وحقيقة الأشخاص الداعين لها، فضلا عن إنكار النظام صلته بها.. وهو ما حدث بالضبط من المجلس العسكري الذي سارع بنفي صلته بهذا الائتلاف،ما أعطي انطباعا بأن المنبع واحد، ودفعنا للبحث وراء من يحرك هذه الحملة المريبة والهدف من تحريكها في هذا التوقيت الحرج الذي تمر به البلاد. وصلنا إلي محمود عطية منسق الائتلاف، والذي استجاب لطلب مقابلة، حدد مكانها في مقهي شعبي بميدان رمسيس في التاسعة والنصف ليلا.. في الموعد استقبلنا مبديا رفضه تسجيل الحوار والاجابة عن أي أسئلة تتعلق بشخصه، ثم أخذ في الحديث من طرف واحد رافضا مقاطعته. بدأ عطية بتعريفي لشخصين آخرين قال إنهما من أعضاء الائتلاف هما خالد مصطفي وفتحي اسماعيل.. ووصفهما بأنهما من أولاد التحرير وشاركا في الثورة من بدايتها، معلقا: لكننا لانريد المتاجرة بذلك كما فعل الجميع. ثم وجه نقدا للهجوم الذي تعرض له بالفضائيات والصحف، متسائلا: لماذا ينتقدوننا رغم أن طلعت السادات طالب بترشيح رجل عسكري للرئاسة، وأسامة الغزالي حرب طالب ببقاء المجلس العسكري في الحكم لمدة عامين. الشيء الذي لفت انتباهي هو تكرار الاشخاص الذين كانوا يقطعون حديثنا لإلقاء السلام، وفجأة دخل أحدهم وجه حديثه لعطية «ازيك يا سيادة النائب».. أحسست بحرج الجميع، ما دفع أحدهم إلي أخذ الرجل بعيدا قبل أن يسترسل في الكلام طالبا منه أن يأتي معه إلي السبتية. حاولت تجاهل الموقف بسؤال عن موعد بدء حملة جمع المليون توقيع لدعم المشير فرد بسرعة «لسه شوية»..سألته عن خطة الدعاية وعدد البوسترات التي تم توزيعها، فقال ملتفتا إلي صديقه خالد» 12 ألفا تقريبا» فرد خالد «15 ألفا» تم توزيعها في ميادين التحرير ورمسيس والقائد إبراهيم..قاطعته: لقد حاولت البحث عن بوستر واحد أوبقايا بوستر لهذه الحملة فلم أجده؟.. رد بعفوية «الناس قطعتها». وعن تكلفة البوسترات قال بتهكم: مش فاكر بالضبط، وأضاف:كلها بالمجهودات الذاتية، وصاحب المطبعة تطوع بخصم 25% من التكلفة.. وباءت محاولة معرفة تلك المطبعة بالفشل. عمال المقهي يتعاملون مع مضيفنا بحميمية تؤكد كونه وأعضاء الائتلاف زبائن دائمين.. «شفنا العجب من العيال اللي عاملين ثوار، كانوا بيعملوا حاجات ماتتعملش».. وأن ابن أخته ذهب إلي ميدان التحرير فاتصلت به شقيقته لإقناع ابنها بالعودة، وأنه استطاع إقناعه بأن الموجودين في التحرير لن يسمحوا له بالدخول بينهم حتي لا يقاسمهم الأموال التي يحصلون عليها. سألنا أصحاب المحلات والمارة بعد انتهاء اللقاء، هل شاهدتم بوسترات دعم ترشيح المشير طنطاوي للرئاسة، فكانت بالنفي وقالوا إنهم شاهدوها في الفضائيات والصحف فقط، ورغم سؤال العشرات لم نجد إجابة واحدة تؤكد وجود البوسترات في هذا الميادين. الصورة الوحيدة التي توفرت لنشاط ائتلاف «مصر فوق الجميع» تناقلتها مواقع الإنترنت، وتتمثل في صورة شخص يقوم بتعليق أحد بوسترات الحملة، وهي الصورة الوحيدة التي تناقلتها وسائل الاعلام المرئية والمقروءة،ما يؤكد ما قاله أحد رواد مقاهي رمسيس بأن الصورة الموجودة علي الانترنت رفعها أعضاء الائتلاف وهم من قاموا بتصويرها وليس أي مصور صحفي. جولتنا أكدت أن رقم ال15 الف بوستر هو عدد مبالغ فيه جدا بهدف الشو الاعلامي فقط وربما التربح من ممولي الحملة الحقيقيين الذين لم تتبد ملامحهم من وراء الكواليس. وفي منطقة الفجالة القريبة التي تقع تحت نواصيه عدد من المقاهي الرئيسية بجوار نهاية كوبري 6 أكتوبر كانت الجولة الثانية لكشف سر كلمة «النائب» التي وجهها أحد الاهالي إلي محمود عطية منسق الائتلاف، لكن المشكلة التي واجهتنا هنا أنها منطقة تجارية ومعظم الموجودين بها جاءوا من خارج المنطقة، ما دفعنا الي التوغل في المنطقة السكنية القريبة، وكانت المفاجأة علي لسان أحد الاهالي الذي أكد أن محمود عطية محام تقدم إلي المجمع الانتخابي للحزب الوطني ليترشح في الانتخابات الأخيرة علي قوائم الحزب، إلا أن أحمد عز أمين التنظيم رفض ترشيحه ورسب في المجمع. عدنا إلي المقهي التي التقينا عليه محمود عطية ورفاقه في اليوم التالي، ولكن في وقت مبكر عن موعد حضوره المعتاد، وفي السابعة مساء كنا هناك، وأثناء جلوسنا علي المقهي سألت أحد العاملين عما يعرفه عن محمود عطية أو أي من المسئولين عن ائتلاف مصر فوق الجميع، فلم يتعرف عليه، وعندما أشرت إلي المكان الذي يجلس عليه دائما، فقال «تقصد محمود باشا.. زمانه جاي دلوقتي».. ثم أخذ يحدثنا: إنه يأتي الي هنا أغلب الأيام.. وعن مجموعة أصدقائه، قال: منهم أحمد سعد وهو مرشد سياحي، بالاضافة إلي خالد مصطفي وفتحي إسماعيل، اللذين يلازمانه باستمرار، وأحيانا ما يأتي معه بأشخاص من خارج المنطقة، ربما سوف تكشف الايام القادمة عمن يحركهم. ربما كان ما فعله أعضاء هذا الائتلاف المثير للجدل والريبة معا، يصب في خلق رأي عام معارض للمجلس العسكري، وليس خلق مناخ متقبل لترشيح المشير حسين طنطاوي للرئاسة فعليا، كما قال المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية محمد سليم العوا الذي وصف هذه الحملة بأنها مدسوسة بقصد الوقيعة بين المجلس العسكري والشعب والقوي السياسية.. إلا أن الأغلب هو أنها إحدي تجليات الفوضي التي سمح بها المجلس العسكري نفسه في الشارع السياسي بإصراره علي الغموض الدائم.