نشرت في الأسبوع قبل الماضي تفاصيل عملية فساد كبري موثقة بالإدلة المادية التي تثبت بشكل قاطع هذه الجريمة والمتورطين فيها. وتصورت أن وزير الزراعة سوف يشعر بالفزع من جرأة مافيا الفساد وأنه سيأمر فورا بإحالة كل من تورط في هذه الجريمة لتحقيق أمين وعادل وسريع. ومرت الأيام ووزير الزراعة صامت وكأن الأمر لا يعنيه، وعدت لتذكيره ببشاعة هذه الجريمة في مقال الأسبوع الماضي، وتصورت أن صمت الوزير سببه سفره إلي الخارج وعدم متابعته لما نشر. ويبدو أنني احسنت الظن بأكثر من اللازم فقد استمر صمت الوزير وكأنه يبارك نشاط مافيا الفساد ويشجع المشاركين في جريمة الفساد الكبري علي المضي في طريقهم مطمئنين إلي حماية يسبغها الوزير عليهم. فبدلا من بدء تحقيق جاد فيما نشرناه أطلق الوزير يد الدكتور محمد عمارة مدير المركز الإقلمي للأغذية والأعلاف ليقوم بتشريد عدد من العاملين بالمركز ممن تصور أنهم قاموا بتسريب المستندات الدامغة التي كشفت وقائع جريمة الفساد الكبري. البحث المتشنج عن مصدر الأخبار بدأ الدكتور عمارة عملية البحث عن الأشخاص الذين تصور أنهم سربوا المستندات لجريدة «الوفد» وتجهيزاً لحملة متشنجة ضد هؤلاء عين أحد مساعديه وكيلا للمعمل المركزي الذي يضم العاملين الذين يشك الدكتور عمارة أنهم سربوا المعلومات ل «الوفد». وبدأ الوكيل الجديد «محمد الطحان» عمله بحملة إرهاب عنيفة لجميع العاملين ولم يتورع في تهديداته من استخدام عبارات غير لائقة في مخاطبة العاملين وجاهر بالتهديد بإجراءات عنيفة ضد من يثبت أنه مسرب معلومات إلي الصحافة!! وأكد أنه لا يهتم بما تنشره الصحف وأنه سينكل بأي موظف يثبت أنه سرب أية معلومات إلي الصحف. ولإثبات جدية التهديد تم نقل خمسة من العاملين بالمعامل المركزية إلي مواقع تبعدهم عن المواقع المسئولة عن تحليل عينات الأسمدة والأعلاف، وهي المواقع المسئولة عن تحديد مدي مطابقة الأسمدة والأعلاف للمواصفات القياسية التي وضعتها الوزارة. وزيادة في التنكيل بهؤلاء العاملين تم حرمانهم من المكافآت والحوافز. التوريث في معامل عمارة ورغم أن ثورة 25 يناير كان رفض التوريث أحد أهم محركاتها، فإن الدكتور عمارة لم ير في التوريث علي ما يبدو مشكلة! ففي المعامل التي يتولي سيادته رئاستها يشغل أكثر من ستة من أقاربه المقربين مواقع حساسة. بينهم زوج أخته وزوج بنت أخته وابن أخته وابن خالة زوجته، والأسماء لدينا لكننا لا نجنح إلي الإثارة أو التعرض الشخصي لهؤلاء العاملين. غير أن مبدأ حشد الأقارب في أي مؤسسة أمر مرفوض لاعتبارات مهنية وأخلاقية كثيرة. هل يحمي الوزير هذا الفساد؟! نعود إلي صلب الموضوع وهو تجاهل وزير الزراعة لجريمة فساد مركبة تبلغ حد الفضيحة نشرنا تفاصيلها والمستندات الدامغة التي تثبت كل خطوات الجريمة. أولاً: قررت اللجنة العليا للأسمدة والأعلاف إعدام أو إعادة تصدير شحنة أسمدة غير مطابقة للمواصفات لاحتوائها علي نسبة عالية من بروتينيات حيوانية وبالتحديد (دم خنزير) كما أثبت المعمل المركزي للوزارة. ثانيا: بعد أن نشرنا خبر هذه الشحنة وطالبنا بتنفيذ قرار اللجنة العليا، عقد وزير الزراعة السابق دكتور فريد أبوحديد اجتماعاً حضره الدكتور عمارة وطلب الوزير من د. عمارة تشكيل لجنة لتنفيذ قرار اللجنة العليا. رابعاً: تم بالفعل تشكيل اللجنة التي ذهبت إلي المخازن التي حددت الأوراق الرسمية أن الشحنة موجودة بها، وأثبتت اللجنة أن الشحنة غير موجودة بل أثبتت اللجنة ما هو أخطر وهو أن هذه الشحنة لم يتم إدخالها المخازن أصلا!! خامساً: لم يتخذ الدكتور عمارة الإجراءات القانونية التي يتحتم عليه اتخاذها في مثل هذه الحالة وهي إبلاغ النائب العام بجريمتي «التزوير» و«التبديد». سادساً: بدلا من اتخاذ الدكتور عمارة الإجراءات القانونية قام بتجاهل تقرير اللجنة وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية يعتبر إخلالا خطيرا بمسئولية الدكتور عمارة الوظيفية يجب أن تتم مساءلته القانونية عليها. سابعاً: ما حدث بعد ذلك يمثل مهزلة وفضيحة كبري. فقد قام الدكتور عمارة بعرض طلب من الشركة المستوردة علي اللجنة العليا للأسمدة والأعلاف، وهي نفس اللجنة التي قررت إعدام الشحنة أو إعادة تصديرها، واستصدر سيادته قرارا من اللجنة «بالإفراج» عن هذه الشحنة؟! ثامناً: سارع الدكتور عمارة بإرسال خطاب إلي ميناء الإسكندرية للإفراج عن الشحنة، وهو يعلم أن الشحنة غير موجودة بميناء الإسكندرية يبلغه بقرار الإفراج عن الشحنة؟! هذا ملخص لوقائع جريمة الفساد الكبري التي نشرناها والتي لم يتحرك وزير الزراعة للتحقيق فيها. فما هو سر صمت الوزير؟! سوف استبقي بعض حسن الظن وأتصور أن الوزير لم يقرأ ما نشر عن هذه الجريمة، وأن المكتب الصحفي التابع له لم يعرض عليه ما نشر رغم أان هذا المكتب يقترض أنه يقدم يوميا تقريرا عن كل ما يكتب عن الوزارة. وأصل بحسن الظن إلي نهايته فأطالب وزير الزراعة بإحالة جميع المتورطين في هذه الجريمة إلي تحقيق سريع وجاد (ولدينا جميع المستندات الدامغة التي تؤكد صحة كل كلمة نشرناها). وأخشي إذا لم يبادر الوزير باتخاذ هذه الخطوة الضرورية والتي تحتمها مسئوليته، أخشي في حالة التباطؤ أو التجاهل أن يؤدي هذا الموقف إلي إثارة تساؤلات كثيرة عن مدي تورط الوزير في حماية مافيا الفساد، وعن سر هذه الحماية. وفي جميع الحالات فلن نترك الموضوع ليطويه النسيان وسوف نتابع موقف الوزير لنجيبه إذا قام بتحمل مسئولياته أو لنستطلع أسباب صمته إذا واصل هذا الصمت غير البليغ.