من النادر أن تجد في المكتبات المصرية كتاب رُعب مميزا أو كتابا يدور حول عالم ماوراء الطبيعة يجذب القُراء لشرائه، خاصة لو كانت كاتبة هذا الكتاب امرأة؛ إلا أن هذه القاعدة تم خرقها بعد إصدار رواية "نيكروفيليا" وهو العمل الأول للكاتبة شيرين هنائي والذي احتل المركز السادس ضمن قائمة الكتب الأفضل مبيعا طوال الأسبوعين الماضيين في مكتبات "فيرجن ميجاستور" في منافسة شرسة مع كتب الأدب الساخر وكتب كبار الكتاب. الرواية التي تقع في 107 صفحات من القطع الصغير تحكي عن فتاة في سن المراهقة تُدعى"منسية" وتعاني من مرض نفسي نادر وهو نيكروفيليا – مدرج بالفعل في مراجع الطب النفسي- لكن من شدة ندرته في الوطن العربي يُهيأ إليك أنك تقرأ عن مرض ميتافيزيقي من المستحيل أن يُصاب به شخص ما. فالشخص المصاب بالنيكروفيليا يُصبح لديه استثارة جنسية عند مشاهدة صورة الجثث أو حتى مشاهدة الجثث الميتة وقد يصل الأمر إلى حد الممارسة الجنسية الكاملة وأحياناً يضطر المريض للقتل لتوفير هذه الجثث. تغوص الرواية في أعماق النفس البشرية بكل متناقضاتها بأسلوب أدبي قوي وسلس في نفس الوقت، حيث تحدثنا الكاتبة عن "منسية" منذ طفولتها وتستعرض كل الظروف النفسية التي مرت بها بداية من وفاة والدتها وهي طفلة ومشاهدتها لعملية تغسيل الأم، مرورا بزواج الأب بزوجة جديدة فأصيبت منسية بفقدان شهية مستمر وتقيؤ بعد تناول أي طعام نتيجة لتقديم زوجة والدها لها طعاما فاسدا. وتكبر الطفلة منسية وتصبح مراهقة نحيلة الجسد دميمة الشكل تُصاب بحالات إغماء متكرر نتيجة لسوء التغذية وفي يوم من الأيام يأخذها والدها للطبيب الشاب الوسيم جاسر الذي يرى في منسية حالة تصلح بشكل كبير لرسالة الماجستير الخاصة به فيتولى علاجها على نفقته الخاصة لتتوالى الأحداث التي تنتهى بمفاجأة غير متوقعة. استفاضت الكاتبة في وصف ملامح الشخصيات والأجواء المُحيطة بهم ربما بسبب كونها رسامة في الأصل مما أعطى للعمل بُعداً فنياً يُشعر القارئ بأنه يُشاهد فيلماً أو يقرأ سيناريو؛ حيث كتبت هنائي: " ساق نحيلة، برزت أوتارها، وتكاد تعد شرايينها الزرقاء المنتفخة، فخذ ضامرة، عظام حوض بارزة، ملابس رخيصة تُغطي ذلك الهيكل شاحب البشرة .. يد معروقة مهتزة يُغطيها كم أبيض طويل مزدان بالدانتيلا الرخيصة، حنجرة بارزة تكاد ترى فيها تفاحة آدم كأوضح ما يكون..." تتميز كتابة شيرين هنائي بأنها لا تكتب نوع الرعب الدموي الذي يُصيبك بالتقزز نتيجة المشاهد أو الألفاظ الحادة، لكنها كتابة تتلاعب بأعصاب القارئ وتجعله يعيش في أحداث الرواية . وأوضحت الكاتبة في مقدمتها بالكتاب سر اهتمامها بكتابة هذا العمل حيث كتبت: "لقد نشأت وقد وجدت نفسي- بلا مبرر- مُحبة لكل كائنات الله، وخصوصاً ما يكرهه منها البشر بلا مبرر.. عشقت العناكب والسلاحف والحرباء وما إلى ذلك من كائنات لم تجد متسعاً لها في قلوب الناس... كنت أراقب كيف يُفرق البعض بين الأسود والأبيض.. بين السمين والنحيف، بين الجميل وبين من لم يعطه الله جمال الصورة... حقاً لم أجد بعد- حتى في نفسي- ذلك الإنسان العادل الذي يُعطي اهتمامه وحبه لأي كائن دون الحكم عليه بمظهره. ما أرقني ثانياً هو عدم الاهتمام بالصحة النفسية للأطفال، وكأنهم لا يتأثرون بشيء، ولا يفقهون الغث من الطيب... إن ما نزرعه في نفوس أطفالنا –بلاقصد- من تفرقة ولا مبالاة لن نجنيه للأسف، بل سنجني أضعافه، وسيجني منا البرئ ايضاً ثمار زرع المذنب".