بقلم: مدحت بشاي منذ 1 ساعة 48 دقيقة كان اختراع حكاية «أحزاب بمرجعية دينية» أهم تجليات وتبعات ثورة يناير غير المفهومة، والأغرب تبرير المستشار طارق البشري بتمرير الموافقة عليها بالقول إنها أحزاب لا تميز ولا تفرز بين أتباع الديانات.. حد فاهم حاجة يا بني وطني؟!! يسأل البعض منا: هل من الممكن أن تذهب بنا الأحزاب بمرجعية دينية، ومن أعلنوا أخويتهم للنجمة كاميليا، ومن أفتوا أن الديمقراطية ليست فقط حراماً، ولكنها لون من الكفر بالله، ومن دعوا أتباع ديانتهم لإنشاء دولة قبطية في الجنوب، وقبلها الدعوة لتشكيل برلمان قبطي، وأيضا من تنادوا لإقامة إمارة إسلامية في سيناء.. هل من الممكن أن يذهب بنا أمثال هؤلاء إلي دولة دينية؟!! يري بعض نشطاء الأقباط أن وجود أكثر من عشرة ملايين مواطن مصري يدينون بديانة أخري غير ديانة الأغلبية، لا يمكن معها نسخ نظام الحكم الديني المطلق كالمطبق في السعودية وإيران لسبب بسيط وهو وجود ملايين الأقباط، وأقباط اليوم ليسوا أقباط الأمس، فتعدد الأحداث الطائفية دون تحقيقات قضائية عادلة ناجزة وبعد قيام الشعب بثورة نادت في ميادين التحرير بالذهاب سريعا إلي دولة العدالة والقانون، قد بدلت ردود فعلهم.. لا للتظاهر أمام الكاتدرائية، لا للجلسات العرفية ولا لآلية تبوس اللحي، لا للتمييز علي أساس الهوية الدينية، لا لمن يتصورون أن الكنائس بنايات غير مرغوب وجودها باعتبار قبابها تصيب البعض بالاكتئاب، وتزعج أجراسها مسامعهم إلي حد عرض محافظ التعاون والمشاركة بالإمساك بمعاول هدم الكنائس وغير قابل للحوار أو المحاسبة رغم حالة رفض شعبي عام لحكمه الذي امتد من عصر النظام البائد، وفي المقابل تم تجميد محافظ لم يجلس علي كرسيه لسبب بسيط أن فصيلاً متشدداً قرر رفض وجوده لمسيحيته ولا أحد يعلم ماذا فعلوا بالرجل ونحن علي أبواب برودة شتاء التجميد القادم!! ويؤكد البعض الآخر أن جماعة «الإخوان المسلمون» والتي تمثل الكتلة الأعظم في التيار الديني، والقادرة دون غيرها من مكونات ذلك التيار علي ممارسة العمل السياسي باحتراف، ورغم ذلك لم تنجح بعد أكثر من 80 سنة في جذب الغالبية الساحقة من المصريين علي اختلاف أنظمة الحكم المتوالية، علي الرغم من إتاحة الفرصة لها في عهدي السادات ومبارك والتي استطاعت خلالهما اختراق معظم النقابات المهنية وأجهزة الإعلام ووزارة التربية والتعليم وكافة المؤسسات الخدمية والاقتصادية، وهو تيار ديني لا يملك إلا التخويف، وقد مضي عهد الخوف بعد ثورة قدم عبرها شعبنا العظيم القرابين علي مذابح الحرية والعدالة. وقبل كل ذلك سوف يحول المسلمون المستنيرون قبل الأقباط دون إقامة دولة دينية في مصر حتي ولو تولي التيار الديني زعامة أحزاب بمرجعية دينية!!! إننا في الأساس أمام دولة لا لون ولا مذاق محدد لها، دولة تعيش حالة توهان بادعاء الوسطية، فيكون اللعب علي كل الحلول والانحياز للتيار صاحب القوي الأكثر شعبية ربما، الأعلي صوتاً أحياناً، الأخطر تأثيرا علي حالة الأمن العام والسلام الاجتماعي في مراحل تاريخية ما، وفي أصعب المرات تيارات من يدعون أن لديهم توكيلات من السماء لتحديد هوية البلاد والعباد عبر آليات الترهيب والترغيب وفق الظروف وشكل الحكم وبأس رموزه من عدمه. فقبل ان نعيش أحداث ثورة يناير كان تيار الإخوان هو الأجدر والأقوي تأثيرا في مواجهة طاغوت الحزب الوطني، وذلك برضا ورغبة قيادات الحزب ليمثل ذلك التيار مطرقة النظام المخيفة لشراذم قوي الأحزاب الرمزية بقوانين وآليات منضبطة تحت السيطرة. وبمرور الأيام وبقفز الرموز الإخوانية علي منصات ميادين الحرية كأولياء أمور وحكماء وثوار قدامي أصحاب خبرات، كان أن نجحوا في تقليل فعالية أدوار التيارات الليبرالية، وأصحاب الدعوة لإقامة دولة القانون والعدالة الاجتماعية، وبسرعة كان الإعلان عن الإفراج عن رموز جماعة الإخوان، ثم الموافقة علي إقامة حزب الحرية والعدالة ليكون منبرهم السياسي بمرجعية دينية في ضرب لأبسط أهداف الثورة!! يطمئن «إسلام بحيري»، الباحث في الإسلام السياسي، كل الخائفين والمرتعبين، من أن مصر لن تصبح دولة دينية ولن يحكمها الإخوان يوما لأنهم يعيشون ويتغذون علي المطاردة، لكن ما لم يعهده الإخوان ان تتوقف هذه المطاردة بعد أكثر من ثمانين عاما توقفا سيكشف أنهم ليسوا إلا تجارا يبيعون الدين ويسوقونه كسلعة مطلوبة يستزيدون لها من الراغبين ليصلوا علي جسدها للحكم. ويري «بحيري» ان الشارع المصري علي بساطته الحالية وفطرته القريبة من الدين - أيا كان مفهوم هذا الدين ومن يمثله وما يمثله - في أغلب كتلته الصامتة لكنه لن يعطي الإخوان ما يحملون به ويوحي إليهم شيطانهم أنه بات حلما يتجسد. مؤكدا أن المعركة ليست مع «الجماعة»، ولكن المعركة رغم ضيق الوقت وعدم التكافؤ هي معركة «تحديث»، وهي أولي المراحل الحقيقية للدولة المدنية ذات الأسس الراسخة، وهذا التحديث عملية مرهقة جدا ومعقدة، ولكنها أصبحت غير ملحة فقط، بل هي واجب وطني علي كتاب مصر وأكاديمييها ومفكريها وناشطيها أن يحدثوا توعية شاملة وموجزة ومبسطة لرجل الشارع، وهو الأغلبية الصامتة التي بيديها مفاتيح المستقبل في مصر. علي القوي السياسية والائتلافات الشبابية، ان تخوض معركة كبيرة في انتخابات مجلس الشعب القادمة لضمان إيصال أكبر عدد من المؤمنين بالدولة المدنية. ومن منظمات حقوق الإنسان رصد أي انتهاكات ضد القوي السياسية المختلفة، والعمل علي تطبيق مفهوم الدولة المدنية وسيادة القانون. علي المواطن المسيحي الثائر الاندماج في النسيج المجتمعي، لقد كان مكرم عبيد القطب الوفدي الكبير أول سياسي مشارك في جنازة حسن البنا المرشد الأول لجماعة الإخوان، لابد من كسب ثقة الأحزاب من جديد، أرفض دعوات المقاطعة العبيطة للانتخابات، فكيف تبادر لرفض التمييز في وقفات احتجاجية، وتعود للجلوس علي كنبة اليأس والتغابي والانفصال المجتمعي. في وصفهم لصاحب الشخصية المتطرفة يؤكد علماء الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، أنه ضحل المعرفة بتعاليم دينه، بل وتصله أغلبها مغلوطة أو منقوصة، له قراءة أحادية الرؤية والنظرة في الحكم علي ما يتعامل معه من أحداث، يري أنه وحده الذي ينبغي أن يتمتع بحرية البوح والقول، وبمجرد الدخول في جدل مع الآخر تتحرك مشاعره تجاه إعلان الغضب والرفض، والمتطرف لا يقيم وزناً لأجواء ومعطيات الواقع، ولا يحاول استشراف تبعات ما يطرحه من آراء إن كانت إيجابية أو سلبية، ورغم محدودية معارفه إلا أنه يمتلك بشكل فطري مفاتيح اللعب علي بعض الثوابت العقائدية التي قد تكون في غالب الأمر ملتبسة المفاهيم لدي بُسطاء المعرفة من أهالينا المتعلقة قلوبهم ومشاعرهم بإيمان فطري بأديانهم «علي طريقة حافظ مش فاهم»، والمتطرف لديه مشاعر لها من سمات الجنوح العصبي ما يجعله دائماً في حالة غضب وهياج قابل لتبعية الأكثر تطرفاً، إنه الرجل الكثير الحديث عن الأمور المطلقة في الأديان ليثبت في النهاية أن عقيدته هي الأسمي والأعظم والوحيدة التي تذهب بمؤمنيها إلي الجنة، وقد يسخر في أغلب الأحوال من هؤلاء المشغولة عقولهم بأمر البحث عن مشتركات بين الناس بمختلف معتقداتهم.