من المعروف ان أبرز شعار لثورة 25 يناير هو «العيش - الحرية - العدالة الاجتماعية» وأهم الأهداف في هذا الشعار «العدالة الاجتماعية» ذلك لان الديمقراطية والحرية التي سوف تحققها الثورة للمصريين هي الطريق لتحقيق هذه العدالة الاجتماعية، فالحرية لكل فرد بما تحقيق حكم الشعب نفسه بنفسه، هو الطريق الوحيد لكي يكون حكم الشعب لمصلحته!! والجانب الأساسي لهذه المصلحة الشعبية العامة، هو يحقق «العدالة الاجتماعية» ولقد كان النظام البائد، يحكم بالاستبداد بالشعب لكي يحقق بالفساد نهب الثروة القومية لصالح وبواسطة المستبد الأعظم وعائلته، ومعاونيه، واتباعه مع إذلال الشعب وتجويعه، واعتقد انه قد تعمد الرئيس المخلوع فرض حالة الطوارئ منذ 1981 لكي يحمي ويحصن اللصوص والنهابين للثروة والدخل القومي من أي معارضة، أو عصيان أو ثورة، للمحرومين المحطونين! وتؤكد حقائق الأوضاع الاقتصادية، في مصر حاليا، خطورة الحالة الاقتصادية حيث بلغ حجم الدين الداخلي (924) مليار جنيه، كما بلغ حجم الدين الخارجي (35.5) مليار دولار وتصل تكلفة الدين المحلي (110) مليارات جنيه سنويا، وقد أكد «الببلاوي» نائب رئيس الوزراء ووزير المالية، ان الحكومة مستمرة في تبني «سياسة اقتصاد السوق الحرة»، وان الحكومة تلتزم بكافة تعاقداتها والتزاماتها السابقة مع كافة المستثمرين وتُثبت تلك السياسة الظلم الاجتماعي، الذي تعانيه الأغلبية العظمي من المصريين اقتصاديا والذي تؤكده الاحصائيات، حيث يحصل العاملون بأجر علي (20٪) فقط من الدخل القومي، بينما يحصل الملاك للعقارات والمشروعات علي (80٪) من هذا الدخل، كما يحصل (20٪) من السكان علي (8٪) فقط من هذا الدخل!! بينما يحصل الأغنياء علي (45٪) منه، ويبلغ عدد المهمشين الذين هم من معدومي الدخل أو الفقراء الذين لا يحصل الفرد منهم علي أكثر من دولار واحد يوميا حوالي 30 مليون مصري، وقد أصبح عدد المتعطلين من حاملي المؤهلات العليا حوالي 4 ملايين ويضاف إليهم 6 ملايين من ذوي المؤهلات المتوسطة، وممن ليس لديهم أية مؤهلات!!! وقد تم تجميد سعر الضريبة علي الدخل عند 20٪ فقط، ولم يتم فرض أية ضرائب تصاعدية لتحقيق العدالة الضرائبية، علي من تزيد دخولهم علي الملايين شهريا!! بل فرضت الضرائب غير المباشرة، وعلي الأخص ضريبة المبيعات والضرائب الجمركية، علي ملايين الفقراء ومعدومي الدخل!! رغم مزاعم الرئيس المخلوع في كل مناسبة بأنه منحاز لهؤلاء الفقراء والجائعين، وذلك حتي سقوطه!!! ورغم ارتباط العدالة الاجتماعية بالقضاء علي البطالة، وتحقيق العدالة الضرائبية، وبسياسة الأجور وتحديد الحد الأقصي والحد الأدني، وبالأسعار!!! فإننا سوف نركز في هذا المقال علي هذا الجانب لانه قد أثار هذا التحديد منذ فترة الآراء المتعارضة والوعود الكلامية من وزراء المالية المتعاقبين منذ الثورة دون نتيجة!! فقد صدر حكم من القضاء الإداري بتحديد «الحد الأدني» للأجر ب 1200 جنيه مصري شهريا، وذلك استنادا إلي ان الاحتياجات الأساسية للعامل من السلع والخدمات المختلفة في ظل الارتفاع الرهيب في الأسعار بالسوق!! ولم يجتمع المجلس الأعلي للأجور منذ سنوات لكي يتدارس تحديد الأجور، ولكنه قد اجتمع منذ أيام بحضور جميع أعضائه، وتداول المجلس علي تحديد الحد الأدني بنحو 700 جنيه مصري فقط كدخل شامل حسب اقتراح وزراء المالية الذي يتجاهل حكم القضاء الإداري، والتضخم والغلاء الشديد بالأسواق!!! وقد طالب رجال الأعمال بإعطائهم مهلة زمنية لتطبيق هذا الحد الأدني المقترح ولم توافق سوي جمعية مستثمري السادس من أكتوبر، وتناولت المناقشات وضع حد أدني عام للأجور وحد أدني جغرافي يختلف من محافظة لأخري، وقد وافقت المالية أيضا علي حساب الأجر التأميني علي أساس الأجر الحالي وهو 132 جنيهاً فقط!! أما بالنسبة للحد الأقصي للأجور فقد كان القانون رقم (105) لسنة 1985 تنص مادته الثانية علي ان يضع مجلس الوزراء الحد الأعلي لمجموع ما يتقاضاه العاملون في الحكومة والمحليات والهيئات والمؤسسات العامة والشركات والجمعيات في صورة مرتبات أو بدلات أو مكافآت، أو حوافز أو بأية صورة أخري وذلك بما لا يزيد علي أربعة وخمسين ألف جنيه سنويا، ولقد طعن علي هذا النص أمام المحكمة الدستورية فقضت في ديسمبر سنة 2009 بعدم دستورية هذا النص وبالتالي سقط قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر بناء عليه، ولم يبحث وضع حد أقصي للأجور حتي الآن!!! ويتضح مما سبق انه لم يحدث حتي الآن بعد ثمانية أشهر من ثورة يناير ان تمت دراسة شاملة سواء بمجلس الوزراء أو بالمجلس العسكري لجوانب العدالة الاجتماعية الواجبة التحقيق، تنفيذا لمبادئ هذه الثورة، ويبدو ان السلطة الحاكمة مازالت تسير بالقصور الذاتي طبقا لمبادئ وسياسات النظام المباركي الساقط!! الذي يرفع شعار اقتصاد السوق الرأسمالي الاستغلال الذي تتخلي فيه الدولة عن السوق تماما، لكي تستغل وتنهب القطط السمان أغلبية الشعب المصري وبذلك يتحقق الإصلاح الاقتصادي والمالي فقط للطبقة الجديدة والمستغلة والنهابة مع تمكين وحماية هذه الطبقة من الاستغلال الحر لنهب العاملين وإهدار قيمة عملهم وتجويعهم!! بالتناقض مع مبدأ العدالة الاجتماعية المنصوص عليه بالدستور المؤقت وشعارات الثورة الشعبية، ولا بد ان يدرك المجلس العسكري وحكومة شرف حقيقة ان ظاهرة الاضرابات والاعتصامات التي تسود البلاد حاليا وأبرزها اضرابات المعلمين والأطباء وعمال النقل العام، وعمال العديد من المصانع، ليس لها من أسباب سوي انخفاض مستوي الأجور بالنسبة للغلاء والتضخم في السوق المتروك لإرادة القطط السمان المتوحشة ولديناصورات النظام المباركي!! وان استمرار عدم تحقيق العدالة الاجتماعية سوف يؤدي حتما إلي ثورة شاملة للعمال وللعاطلين وللجياع بالملايين المستغلين والذين يطحنهم الظلم الاجتماعي. ---------------------- رئيس مجلس الدولة الأسبق