بقلم الدكتور أحمد عبد الظاهر منذ 2 ساعة 27 دقيقة خلال السنوات الأخيرة من حكمه، أدلى المخلوع «محمد حسني مبارك» ببعض التصريحات التي نرى من الملائم الوقوف عندها قليلا، لاستخلاص العبر والدروس. ففي بداية الألفية الثالثة، وعندما بدأ الحديث عن موضوع «التوريث»، رد المخلوع على ما يدور في الشارع المصري بهذا الشأن قائلا: «لن يحدث توريث، ومصر ليست سوريا». وقد أثبتت الأيام فعلا أن التوريث لن يحدث وأن مصر ليست سوريا. حيث فشلت فكرة توريث الحكم إلى نجل الرئيس، بفعل ثورة 25 يناير الخالدة، وبفضل وقوف الجيش المصري العظيم كعادته إلى جانب الشعب. ومع ذلك، لا يجوز لعاقل أن ينفي تهمة الكذب والخداع عن المخلوع، والذي استمر في مخطط التوريث حتى نهاية فترة حكمه. فقد كان كمن يقول شيئا في العلن، ويبطن في الحقيقة والخفاء شيئا آخر. وفي الثامن عشر من مايو سنة 2010م، وبعد فترة قليلة من إجراء عملية جراحية ناجحة بألمانيا، قام المخلوع بزيارة غير مبررة على الإطلاق إلى العاصمة الإيطالية «روما». وفي أثناء هذه الزيارة، وجه صحفي إيطالي سؤالا إلى المخلوع عن خليفته وعمن سيحكم مصر بعده، فكان الجواب: «الله وحده يعلم من سيكون خليفتي». وعندما عاد الصحفي الإيطالي ليسأله – في إلحاح – عمن يفضل هو شخصيا، قال المخلوع: «ده سؤال دمه خفيف». وهكذا، وبمنتهى الاستخفاف، اختار الرئيس أن يجيب على سؤال الصحفي الإيطالي في وقت تزايدت فيه المخاوف الوطنية والدولية بشأن مصير السلطة في مصر، لاسيما وأن هذه كانت أول زيارة دولية يقوم بها المخلوع بعد العملية الجراحية التي أجراها في ألمانيا !!! ولا يمكن الزعم أو الاعتقاد بأن السؤال كان مفاجئا له، وذلك بالنظر إلى توقيت الزيارة، وبالنظر إلى القلق المتزايد داخليا وخارجيا حول مصير السلطة في مصر وحول ضمان آلية الانتقال السلس الآمن لها. لقد كان بإمكانه أن يقول كعادته بعض العبارات المنمقة التي غدت فارغة من المعنى أو الدلالة مثل: «مصر دولة مؤسسات وأن هذه المؤسسات هي التي تحدد من يتولى الرئاسة أو من يخلفني». ولكن يبدو أن الله عز وجل هو الذي أراد لإجابة المخلوع أن تأتي على النحو الذي أتت به، والتي أثبتت الأيام صحتها. وربما كان المخلوع معتقدا بأنه كذلك يعلم شخص خليفته وأنه سيكون «جمال مبارك»، ولكن جاءت ثورة 25 يناير وأثبتت للمخلوع قبل غيره أن «الله وحده يعلم من سيكون خليفته وأن جمال مبارك تحديدا لن يكون هو الخليفة المنتظر». وبعد أقل من تسعة أشهر على زيارته إلى العاصمة الإيطالية روما، حيث أدلى فيها بالتصريح آنف الذكر، وبالتحديد مساء يوم الثلاثاء الأول من فبراير 2011م، خرج علينا المخلوع بخطابه الذي أكد فيه بأنه «وبغض النظر عن الظروف الحالية – لم يكن ينوي الترشح لفترة رئاسية جديدة، وأنه قضى ما يكفي من العمر في خدمة مصر وشعبها» !!! ويمكن الاعتقاد بصحة الشق الأول من العبارة، وأنه لم يكن ينوي فعلا الترشح لفترة رئاسية جديدة. ولكن ما لم يقله المخلوع أنه كان ينوي تأمين نقل السلطة لنجله قبل وفاته، وأن المؤتمر العام للحزب الوطني المنحل الذي كان مقدرا له شهر يونيو الماضي كان هو المناسبة التي يتم من خلالها إعلان «جمال مبارك» مرشح الحزب الانتخابات الرئاسة. وهكذا، ورغم صحة قوله بأنه لم يكن ينوي الترشح لفترة رئاسية جديدة، فإن كذبه يبقى قائما فيما يتعلق بأنه لم يقل الحقيقة كاملة، وإنما اقتصر على شق واحد منها فقط. وعلى كل حال، وعلى افتراض صدق «حسني مبارك» في كل التصريحات آنفة الذكر، فإن مسئوليته تبقى قائمة عن حالة الضبابية التي عاشت فيها مصر منذ قدومه إلى السلطة واستمرت طوال سنوات حكمه، وبحيث بقيت مصر خلال ثلاثين عاما تقريبا بدون نائب رئيس. وكان لثورة 25 يناير الفضل في أن يشغل اللواء عمر سليمان هذا المنصب – ولو صوريا – لمدة أيام معدودة في نهاية سنوات حكم مبارك. هذه الضبابية هي التي سمحت بالكلام عن مخطط التوريث، وشغلت الشعب ردحا طويلا من الزمن عن كثير من القضايا الهامة. لقد كان واجبا عليه أن يبعد السيدة الأولى والابن الوريث عن الحياة السياسية، ولو من باب سد الذرائع، والحرص على التفرغ للتخفيف من معاناة الشعب اليومية. والآن، وبعد ضياع أكثر من عشر سنوات في مخطط التوريث، وضياع ثلاثين عاما في ظل نظام سياسي بلا رؤية أو هدف، ينبغي علينا أن نطوي صفحة «حسني مبارك» وأسرته سريعا وأن نتفرغ لبناء مجتمع عصري متمدين يليق بمصرنا العظيمة، وأن نحاول تعويض السنوات العجاف التي قضيناها في ظل المخلوع. ---------------------- أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة