الحكام والأمراء وأصحاب النفوذ والسلطة في عالمنا العربي نوعان، نوع يرعي الثقافة ومؤسساتها، ويهتم بالعلم ويتقرب من العلماء، ولا يدخر وسعاً في مساندتهم والوقوف بجانبهم للارتقاء بأمور بلدهم ووطنهم، ونوع لا يهتم سوي بالحياة الباذخة المليئة بالترف والأبهة ولا يري في هذه الدنيا سوي الاستمتاع بها وبملذاتها، والأمير سلطان ابن محمد القاسمي حاكم الشارقة وعضو المجلس الأعلي لدولة الإمارات العربية من النوع الأول. فهو حاكم من طراز فريد، وراع حقيقي للثقافة ومثقف وعالم أكاديمي يحمل العديد من درجات الدكتوراه، فعلي الرغم من تخرجه في كلية الزراعة جامعة القاهرة في عام 1971، فقد حصل علي دكتوراه الفلسفة في التاريخ من »جامعة اكستر« ببريطانيا عام 1985، ودكتوراه الفلسفة في الجغرافيا السياسية في »جامعة درام« ببريطانيا في عام 1999 وتقديراً لعلمه ومساهماته في خدمة المعرفة والثقافة حصل علي الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعة اكستر، وعلي الدكتوراه الفخرية في الحقوق من جامعة الخرطوم والدكتوراه الفخرية في التربية في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وإلي جانب ذلك فقد حاز علي وجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام والمسلمين في عام 2002 ووسام الجمهورية التونسية للفنون والآداب عام 2002م. وقد يعجب القارئ لهذا التنوع العجيب في المعرفة والثقافة للأمير سلطان علي الرغم من مشاغله كحاكم للشارقة، ولكن هذا العجب يزول أمام حب هذا الأمير للعلم واستعداده ورغبته في تبني المؤسسات والمشروعات العلمية المفيدة في مصر والعالم العربي، وهناك أمثلة متعددة علي ذلك نذكر منها: تأسيس سموه لجامعة الشارقة، والجامعة الأمريكية بالشارقة، وعدد من المتاحف والمعاهد الفنية. أما عن تأسيسه للمبني الجديد للجمعية المصرية للدراسات التاريخية فله تاريخ وقصة فبعد أن تعثرت أمور الجمعية المالية، وعجزت عن الاحتفاظ بمقرها العريق في شارع البستان بالقاهرة، نيتجة لقانون الإيجارات الذي نص علي زيادة القيمة الإيجارية إلي ثمانية أمثالها للأماكن غير المخصصة للسكني، ولم يفرق في ذلك بين تأجير محلات تجارية وتأجير جمعية علمية تعد أقدم جمعية من نوعها في العالم العربي، وتقدم للمشتغلين بالدراسات التاريخية العديد من الخدمات فإنها كادت تندثر، وتصبح ذكري رغم البصمات الواضحة التي تركتها في جبين التطور التاريخي في مصر والعالم العربي. وعلي الرغم من الصرخات المتوالية، والنداءات المتعددة للمسئولين عن الثقافة في مصر بتوفير مبني يحفظ للجمعية مكانتها وكنوزها من الكتب والمؤلفات النادرة. فإنهم لم يتلقوا ردوداً شافية سوي من »الدكتور سلطان بن محمد القاسمي« الذي أعلن عن استعداده للوفاء بأي ثمن لبناء أو شراء مقر تراه الجمعية مناسباً لها، وكلف مكتبه الهندسي في القاهرة بشراء المقر الذي تختاره الجمعية، وينتهي الأمر بشراء قطعة أرض في المنطقة التاسعة بمدينة نصر مساحتها 670 متراً، وتم تأسيس مبني علي الطراز الإسلامي ليكون مقراً للجمعية، كما أعلن الأمير عن استعداده لتحمل نفقات التأسيس الذي يعتبر مفخرة في البناء ثم أهدي سموه هذا البناء للجمعية بموجب عقد هبة رسمي. وإلي جانب ذلك فإن ولاء الأمير بكلية الزراعة بجامعة القاهرة التي تخرج فيها عام 1971 دفعه إلي التبرع ببناء مكتبة إلكترونية للكلية بتكاليف باهظة بلغت أكثر من اثني عشر مليوناً من الجنيهات، كما دفعه إلي شراء أحدث معمل لدراسات الوراثة في البنات بتكلفة زادت علي 650 ألف دولار، ولم تقتصر جهود الأمير سلطان الذي أحب مصر وشعبها علي ذلك، فقد وافق علي بناء مبني مستقل لاتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة ومبني حديث لدار الوثائق القومية. إننا حقيقة أمام شخصية فريدة كرست حياتها للعلم والمعرفة، ورعاية العلماء والمثقفين، فتحمل كل هذه التكاليف بصدر رحب، ودفعها من حر ماله. ولعل أريحية الدكتور سلطان القاسمي تحفز حكام العالم العربي، كما تحفز كبار رجال الأعمال علي السير حذوه، فيقومون بتبني المشروعات العلمية ذات التاريخ العريق، محافظة لها علي الاستمرار. وتقديرا وعرفانا من مصر وشعبها الذي لا ينسي الرجال أصحاب المواقف أعطاه المصريون حبهم وتقديرهم، كما منحته العديد من المؤسسات الثقافية ومنها الجمعية التاريخية رئاستها الفخرية.