تحتل الرياضة يوما بعد يوم في عالمنا المعاصر, حيزا كبيرا من اهتمام ووقت الناس علي اختلاف مشاربهم وثقافاتهم وفئاتهم العمرية, في ارجاء واسعة من العالم. وتنتقل بين عواصم وبلدان العالم يوما بعد اخر, مباريات في العاب كرة القدم والسلة. وألعاب القوي. والفروسية والمبارزة وغيرها في شكل مسابقات دولية او اقليمية او محلية.الامر الذي يعكس اهتماما عالميا بالرياضة, ويجسد احدي ثمار الجهد البشري في ايجاد نوع من المنافسة الشريفة بين شعوب العالم في مسابقات تتضمن المهارة والارتقاء بالصحة واللياقة الجسدية وتوفير المتعة وتحقيق اهداف اجتماعية تتعلق بتنمية الثروة البشرية وبالتالي المجتمع. لكن في العقود الاخيرة, وبعد سيادة التعولم, تحولت الرياضة الي لون من الوان التجارة, كما ان الرياضة العالمية بكل فروعها ومسابقاتها تشكل اليوم اداة فعالة في حركة السياحة الدولية, ودخلت هذه السياحة الرياضية منافسة قوية تعتمدها الدول المتقدمة للسياحة الترفيهية واصبحت تتربع علي قمة السياحة عالميا. واليوم نري رياضة كرة القدم, علي سبيل المثال وقد تحولت من رياضة جماعية تأسر الجماهير الغفيرة بما توفره لهم من متعة استعراضية, الي واحدة من اكثر فرص الاستثمار التجاري في العالم. وهذا التحول في مفهوم اللعبة وجوهرها له العديد من الشواهد التي يمكن ان نلاحظها من بينها تحول هذه اللعبة الجماهيرية من اللعب للمتعة والاستعراض المهاري الي نظام صارم يقوم علي القوة الجسدية الهائلة والسرعة ولامكان فيها للفرح او الخيال او الفن. وفي ظل هذا التحول في المفهوم تغيرت النظرة ايضا للاعب الكرة بالنسبة للمستثمرين اذ تحول ذلك الشاب القادم من رياضة الشوارع الي سلعة بيد رجال الاعمال يشترونه ويبيعونه ويستأجرونه, ولايملك من ارادته شيئا سوي الخضوع لقوانين السوق وتزداد معها عبوديته. ولكن بعد سنوات اخري ومع تطور قوانين اللعبة ومهارات لاعبيها, وماواكب ذلك من تنام كبير لجماهيريتها بدأ الملوك والحكام يرون فيها وسيلة ناجعة لامتصاص الكبت لدي الجماهير. ولاستغلالها في التقرب من تلك الجماهير والتحكم في أمزجتها وتوجيه غضبها بعيدا عن اداء السلطة وقصورها في رعاية مصالح الجماهير. لكن الامر الآن, وكما نري تجلياته قد اتخذ شكلا مختلفا في عصر العولمة, فقد تحولت النوادي الرياضية التي كانت بمنزلة فضاءات اجتماعية تمارس فيها الرياضة كوسيلة للترويح عن النفس, والمحافظة علي اللياقة البدنية والاستمتاع باللعب الرياضي في مجالاته المختلفة, تحولت الي شركات تجارية محضة, تمارس فيها الصفقات, ويتدخل في استثمارها رأس مال عولمي, ليس بالضرورة ان يكون محليا, والدليل علي ذلك مانسمعه اليوم عن صفقات شراء اندية اوروبية من قبل رجال اعمال من امريكا وروسيا, او حتي بمشاركة من رؤوس اموال عربية من منطقة الخليج العربي وسواها, كما تعقد صفقات كبيرة لتجديد مباني ومنشآت بعض الاندية الانجليزية الكبري باستثمارات عربية مقابل عقود دعاية تستمر لسنوات. وهكذا اصبحت العولمة في مجال الرياضة مجالا لصفقات خيالية تغذي طموح صناعة الاموال لدي المستثمرين وتغذي مجالات جديدة نشأت في ظل الوضع الجديد من قبل السماسرة ومحترفي التعاقدات وعقد الصفقات بين اللاعبين والاندية, ما يعيد للاذهان صفقات بيع البشر في الزمن القديم, فقد اصبحت الرياضة اليوم املا للعديد من الدول الافريقية ببيع ثروتها البشرية للاندية الكبري كمحترفين في كرة القدم, كما يعيد للاذهان فكرة استخدام الرومان للرياضة كوسائل للتر فيه,. باعتبار اصحاب المهارات في المصارعة وماشابهها وسيلة هذه التسلية. علي حساب العديد من القيم التي تنشأ عليها الرياضة من الاساس. وجهة النظر هذه تقوم علي الكثير من الوقائع التي تداولتها الصحف الاجنبية اخيرا حول دور المراهنات في اهتمام المافيا بالانشطة الرياضية لدرجة قيام اعضاء من المافيا الروسية بشراء اندية في اوروبا, وتحديدا في الدنمارك. ان مثل هذه الوقائع وغيرها يجعلنا تتساءل عن جدوي العولمة في الرياضة. ان هذا السؤال هو احد الاختبارات الحقيقية التي تواجهها الرياضة اليوم في مجالاتها العديدة, وعلي نطاق عالمي لايختص بمنطقة او اقليم دون اخر, ولعل تجليات السؤال تبدو اليوم في نعرات التعصب التي تشهدها بعض ملاعب العالم اليوم, حيث اصبحت مباريات كرة القدم سببا في اثارة الشغب بين جماهير من المتعصبين تتجاهل ان اسمي قيم الرياضة هي مايعرف بالروح الرياضية التي تستوجب تقبل الهزيمة ومعرفة ان الرياضة مجرد فوز وهزيمة, ومايهم هو ان يبذل كل رياضي الجهد ويظهر مهاراته ويخدم بها فريقه اخلاصا لمبدأ الايثار لمصلحة المجموع علي حساب الفرد كقيمة من ابرز القيم التي تهتم بها الروح الرياضية. ان الرياضة بكل العابها, وفي مقدمتها كرة القدم وغيرها من الالعاب الاكثر جماهيرية وجذبا للناس اصبحت ركنا اساسيا من تكوين المجتمعات البشرية في كل مكان, ومثلما نفكر ونبحث عن وسائل الارتقاء بمجتمعاتنا في مجالات التعليم و الصحة والصناعة والزراعة فعلينا أن ننظر الي هذا القطاع الرياضي بالمستوي نفسه الذي ننظر به الي المجالات الاخري, وألا نترك هذا المجال ينمو عشوائيا فيسقط بيد المرابين والمتاجرين به فلابد ان نأخذ بعين الاعتبار واليقظة اهمية رعاية هذا القطاع والاهتمام به قانونيا, وان نوليه رعاية ونظرة اجتماعية ترتقي به, وتنشره في الوعي الثقافي للمجتمع والاستفادة من جماهيريته للارتقاء بالمجتمع صحيا ونفسيا وترفيهيا.