بقلم : محمود الفقي منذ 1 ساعة 26 دقيقة في الجزء الأول كنت أروم الإسراع إلى تخليق معجم عربي حديث يأخذ بعين الاعتبار كل ما يطرحه الغرب في رؤيته للإسلام والعرب والشرق بصورة عامة، ويضيف في ذات الوقت بُعدا تاريخيا للألفاظ العربية ومراحل تطورها وانتقالها من معنى إلى آخر تحقيقا لأدق درجات الفقه والفهم لمقاصد الألفاظ ودلالاتها. وما قلته هو أن التمييز بين (Islamic) إسلامي و (Islamist) إسلاموي الذي سجلته سابقا جوهري لأن وزن فعلوي الدخيل على الأوزان العربية ملون تلوينا سلبيا جدا والمقصود منه الذم. كما أن وصف العقل بكلمة إسلامي أمر غريب لأنك بهذا ستضطر إلى أن تقول العقل المسيحي والعقل اليهودي والعقل البوذي وهكذا. والأهم من هذا أننا لو حصرنا العقل الإسلامي في استخدام الإسلام كأيديولوجية ومطية سياسية لحجرنا بهذا واسعا لأن الإسلام بالأصل دين أثبت تاريخيا أنه بوتقة واسعة انصهرت فيها وتعايشت ثقافات شتى وملل ونحل وأفكار ورؤى ووجهات هائلة، والدال على هذا أول ما يتبادر إلى الذهن يأتي في العصر العباسي حيث يتعايش الأتراك والفرس والعرب والموالي من كل نوع والمسيحيون واليهود والصابئة والمجوس وغيرهم في انسجام لم يحدث في تاريخ المسيحية أو اليهودية. وأزيد الأمر جلاء فأقول إن صناعة المصطلح –التي ألح على أهميتها- هي بحد ذاتها صناعة للفكر ومُعين على النهضة، وإن نحن ظللنا هكذا نستورد المصطلحات فلن يكون هناك أمل ألبتة في أية صحوة مستقبلية. فكلمة إسلاموي أو لنقل وزن فعلوي يعني دلاليا (سيميائيا) أداء الشيء بتطرف أي بزيادة عن المطلوب أو القدر المعتدل. وفي مقال مصطفى أكيول (كاتب عمود في حريت التركية) عن علمانية تركيا ركز الكاتب جُلَّ اهتمامه على تحرير المصطلح في بيان ما يقصده أردوجان من تصريحاته عن العلمانية في مصر. وقد ميز الكاتب بين (secular) و (secularist) فأكد أن أردوجان يقصد الأولى بمعنى أن تطبق الدولة العلمانية على مؤسساتها لا أفرادها أي بترك الحرية للأفراد إن أرادوا التدين، لكن الأهم هو أن تبقى المؤسسات علمانية. لكن الكاتب كان يريد لتركيا أن تكون (secularist) بمعنى دولة علمانيين أي أن يكون الفرد والمؤسسة والروح وكل شيء مصبوغا بصبغة علمانية خالصة. أقول هذا لأن بعض الكتاب المتطرفين في علمانويتهم لا يضبطون المصطلح في الحديث عن مدنية الدولة أو علمانيتها. فعند الحديث عن المدنية يُوهمون القاريء أنهم يقصدون بها عكس الدولة العسكرية وهم في الحقيقة يقصدون بالمصطلح أن يكون مرادفا للادينية. ومن هنا وجب التفريق بين المصطلحات وتحديد الحدود وترسيمها بين الألفاظ بل ووضع حدود بين مستويات اللغة إكمالا للجهد الذي أتى به د. سعيد بدوي في كتابه "مستويات العربية في مصر" الذي لم ينل حظا من الشهرة مع الأسف. وفي الكتابات العلمانوية (وزن فعلوية أقصد به متطرفي العلمانية) يبحث العلمانوي بإبرة عما يشين المسلمين وهو يقصد الإسلام لكنه أجبن من أن يصرح بهذا لأنه يدري أنه خائن للمنهجية لكونه انتقائيا يعتمد على معلومات شحيحة ليس متخصصا فيها ابتداءً. وهذا يقودنا إلى الفرق بين المعالجة العلمانوية المتطرفة في مصر وبين المقاربات المنهجية في الغرب لليمين المتطرف فيها حتى في فرنسا نفسها حيث العلمانية غير متصالحة مع الدين عكس الولاياتالمتحدة. والسبب هنا أكرره وهو ضبط المصطلح وشفافية اللغة وترسيم الحدود بين الألفاظ في الإنجليزية، وما أسماه ابن جني تصاقب اللفظ والمعنى أي كونهما على نفس المقاس.