جرائم التعديات التى ترتكب فى حق نهر النيل.. لم تعد تحتمل، وقد وصلت التعديات حتى ديسمبر الماضى إلى 50 ألفاً و399 حالة تعد، أى خلال عام واحد فقط، وتتنوع المخالفات والتعديات بين منشآت سياحية، وأندية اجتماعية، وقاعات احتفالات مخالفة، بالإضافة إلى آلاف المصانع الصغيرة فى القرى والمدن، التى تلقى بمخلفاتها من الصرف الصحى فى النيل، بعدما سمحت وزارات الرى والزراعة والبيئة بالتعدى على مجرى النهر الذى لا يقدر بثمن.. وشرطة المسطحات المائية التزمت الصمت.. وغابت القوانين الرادعة التى تحافظ على ثرواتنا المائية.. وتركته فريسة سهلة يعبث بها الطامعون وأصحاب السلطة! ولن نبالغ إذ ما توقعنا يوماً حدوث مشاكل وتداعيات مستقبلية كارثية على الموارد المائية المصرية، إذا لم يتم وقف طوفان التعديات فوراً. والمتابع جيداً لحجم التعديات على النيل، يدرك تماماً مدى الإهمال والاستهتار، نتيجة التغافل العمدى عن حماية وتطهير النيل، وصارت الفوضى سمة محافظات مصر المطلة على مجرى النهر، ناهيك عن الموت الإكلينيكى للبيئة، بل إنها تتم بحماية القانون وعلم المسئولين، وهو ما يستوجب وقفة من المجتمع بأكمله.. لذا فمن الضرورى إجراء خطة مدروسة لإنقاذ شريان الحياة، ووضع المعايير والضوابط القانونية لردع المخالفين، حفاظاً على نهر النيل، وحمايته من التلوث والتعديات . خطة وزارة الرى مؤخراً، قال الدكتور حسام مغازى، وزير الموارد المائية والرى: إنه تم الانتهاء من مراجعة كل التراخيص النيلية بالوجه البحرى، بدءاً من القاهرة وحتى نهاية فرعى دمياط ورشيد بنسبة 100%، كما تم الانتهاء من حوالى 70% من التراخيص بالقاهرة الكبرى، و50% بالوجه القبلى . مشيراً إلى وجود 10 لجان فنية ومالية وإدارية تقوم بمهام المراجعة والتفتيش بالوزارة . ضوابط ملزمة بداية، قال اللواء حامد العقيلى، مساعد وزير الداخلية ومدير الإدارة العامة لشرطة البيئة والمسطحات المائية: إن خطة الإدارة تقوم على منع الجريمة قبل وقوعها، من خلال التنسيق مع كل الأجهزة المعنية فى مواجهة ردم نهر النيل، والحملات الأمنية والتفتيش المستمر، حيث يتم حصر ومراجعة المنشآت النيلية للتأكد من استيفائية لشروط التراخيص، وتوافر قواعد السلامة والأمان، ومدى قانونيتها، وفى حالة المنشآت النيلية المخالفة يتم تحرير محاضر فورية، وتحدد الغرامة المالية وفقاً للقانون، لكنها «هزيلة» للغاية، بالإضافة إلى أن الإزالة على نفقة المخالف. وأكد «مساعد وزير الداخلية»: أن الإدارة تمكنت من فرض القانون، لأن الدور المنوط بالإدارة العامة للمسطحات التأمين أثناء إزالة كافة التعديات على نهر النيل . مشيراً إلى أن إجمالى الإزالات التى تم تنفيذها لعام 2015، وصل 2560 حالة تعد من إجمالى نحو 50 ألفاً و399 حالة تعد على نهر النيل والقنوات والمجارى المائية، من أقصى الشمال إلى الجنوب.. وأننا ماضون بكل حزم فى تنفيذ خطة الدولة لإزالة التعديات النيلية، مهما بلغت التضحيات. وأضاف: أن قانون البيئة قادر على منع عمليات الصرف فى النيل، فهناك ثلاثة أنواع للصرف أولها الصرف الصحى الخاص، الذى يفترض أن يكون لجميع الأماكن المقامة على ضفاف النيل ربط بشبكة الصرف الصحى سواء كان مشتلاً أو فندقاً أو ما يشبه ذلك، وهناك الصرف الزراعى، حيث توجد إدارة للتحكم فى مياه الصرف بوزارة الرى لتحديد نسب خلط المياه العذبة بمياه الصرف، بحيث تكون نسباً محسوبة لا تمثل خطورة على صحة الإنسان، أما النوع الثالث فهو الصرف الصناعى وهو أكبر مشكلة قد تواجهنا، لأنه يحتوى على بعض الكيماويات التى لا تذوب فى الماء.. فتمثل ضرراً بالغاً على صحة الإنسان، لذلك تم وضع خطة بالتنسيق مع وزير البيئة، حيث تم عمل حصر بكافة المصانع المقامة على نهر النيل، وتخرج حملات على هذه المناطق لأخذ عينات مياه بمحيطها وتحليلها للتأكد من خلو المياه من التلوث، وفى حالة إفراغ أى مصنع لنفاياته وصرفها فى نهر النيل يتم إغلاقه فوراً، مع العلم أن المعنى بمتابعة المعديات والرقابة عليها فى المقام الأول المحليات، أما نحن فدورنا قانونى فقط، فالإدارة غير مسئولة عن إيقاف المعديات المخالفة بل تنفيذ قرار الإيقاف الذى يصدره المهندس المسئول. ويري خبراء أن قانونى 48 لسنة 1982، و12 لسنة 1984، المعنيين بحماية النيل، والعقوبات المنصوص عليها فيه «ليست رادعة».. فحسب نصوص القوانين يعاقب بالغرامة لا تقل عن 50 جنيه، ولا تزيد على 300 جنيه فقط، كل من اعتدى على نهر النيل بأى صورة كانت دون ترخيص طبقاً لأحكام تلك القوانين، والغريب أيضاً استمرار العمل بقانون 10 لعام 1956، والذى يفرض غرامة 10 جنيهات فقط لمن لا يحمل ترخيصاً بالمعديات النهرية، وحتى الآن لا يوجد القانون القادر على مصادرة المعديات أو المراكب المخالفة فى نهر النيل. مطالباً بضرورة وجود تعديل تشريعى من أجل تفادى الأزمات التى تحدث، مع أهمية تغليظ العقوبات المناسبة تجاه المخالفين، وذلك بفرض غرامات تصل إلى 50 ألف جنيه، إلى جانب تطبيق عقوبة الحبس المشدد. مكافحة التعديات فيما رأى الدكتور سيد أحمد طه، نائب رئيس جامعة جنوب الوادى لقطاع شئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة: أن ما يحدث يعد جريمة وإهداراً لثروتنا المائية، التى يجب الحفاظ عليها من أجل الأجيال القادمة، حيث إن 90% من مراكب النيل غير آمنة أو مرخصة. مشيراً إلى أن تلك المراكب لا تخضع لأى رقابة، فضلا عن أن ما يزيد علي 100 مصنع مقام على ضفاف النيل تلقى بحوالى مليار متر مكعب من الصرف الصناعى الأشد خطورة على صحة الانسان، كما يوجد خطر آخر هو مياه الصرف الصحى التى تتسرب إلى نهر النيل عن طريق حوالى 5500 حوضاً الموجودة داخل محطات الصرف الصحى تلقى بمخلفاتها فى النيل، وهذا خطر فادح. وأضاف الدكتور «طه»: أنه لا توجد أى تحركات حكومية لإنقاذ النيل من التعديات، بل ان التصريحات التى جاءت مؤخراً على لسان وزير الرى الدكتور حسام المغازى.. متناقضة، وفى مجملها «لم تجد»، فى ظل غياب سلطة القانون، وضعف الأجهزة الرقابية عن حماية النيل، مما سمح للأندية والنقابات.. وغيرهما، بالتعديات على نهر النيل من المنشآت السياحية والفندقية والكافتيريات وصالات الأفراح، خلال الفترة الأخيرة، دون الحصول على ترخيص بذلك من الجهة الإدارية، ناهيك عن غياب القانون، مما يصعب وقف نزيف اغتيال نيل مصر، وينذر بعواقب وخيمة. ولا يحتاج المرء لمزيد من الخبرة كي يوقن أن الإهمال والاستهتار يضرب بسهامه قطاع حماية وتطهير النيل، وأكثر المحافظات تعدياً على نهر النيل هى القاهرة والجيزة والقليوبية وأسوان والمنوفية والغربية والدقهلية وبنى سويف، وهو ما يتطلب سرعة التدخل لضبط كل المخالفات البيئية، ومنها المنشآت الملوثة لنهر النيل، والتفتيش على الاشتراطات البيئية الخاصة بالعائمات، وتنفيذ إزالات الرى، لخطورتها على المجرى المائى للنهر، وتنفيذ أعمال التنمية والتطهير، وفقاً للمادة الرابعة لقانون شئون البيئة، خاصة أننا دخلنا عصر ندرة المياه . جدير بالذكر أن عدد المراكب النيلية، التى تعمل ليلاً من القاهرة لأسوان يتراوح بين 3000 و3500 مركبة، حسبما صرح مؤخراً المهندس سمير سلامة، رئيس هيئة النقل النهرى. قانون.. هزيل! هذه التعديات الكبرى تمثل تهديداً شديداً للنيل – كما يؤكد الدكتور عبد المطلب عبد الحميد، الخبير الاقتصادى مشيراً إلي أن المؤسسات والمنشآت السياحية الواقعة على النيل، تدخل ضمن الاقتصاد غير الرسمى، وهو ليس مسجلاً لدى الدولة، أما عن الخسائر الحكومية فتقدر ب3 مليارات جنيه سنوياً بسبب تلوث النيل. وتشير دراسات إلي أهمية أن تتبنى الدولة رؤية واضحة المعالم، بدءاً من إعداد التقارير بحجم المخالفات، وأنواعها، وكيفية التعامل معها، لتوفيق الأوضاع، ووضع المعايير والضوابط القانونية لردع المخالفين، وحماية النيل من التلوث، ويكتب نهاية جرائم التعديات، بما يواكب التغيرات الجديدة . كما يذهب خبراء لأهمية تعديل بعض أحكام القانون رقم «48» لسنة 1982، بشأن حماية نهر النيل والمجارى المائية من التلوث، لكونها تشمل عقوبات «هزيلة»، بمشروع القانون رقم «103» لسنة 2015، الذى ينص على معاقبة كل من يخالف أحكام المواد «3، 2/ فقرة أخيرة، 4، 5، 7 «من هذا القانون والقرارات المنفذة لها بالحبس مدة لا تزيد علي سنة وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائتى ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفى حالة تكرار المخالفة تضاعف العقوبة، ويجب على المخالف إزالة المخالفات فى الميعاد الذى تحدده وزارة الرى.. فإذا لم يقم المخالف بالإزالة أو التصحيح فى الميعاد المحدد يكون لوزارة الرى الحق في اتخاذ هذه الإجراءات بالطريق الإدارى، وعلى نفقة المخالف.