على طريقة الرئيس المخلوع حسني مبارك .. سرت شائعة قوية اليوم السبت مصدرها صحف سويسرية تحدثت عن وفاة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بعد تدهور شديد في صحته بجنيف، وذلك وفقا لمصادر طبية رافقت بوتفليقة إلى العناية المركزة في سويسرا والتي قالت إنه مات إكلينيكيا حيث كان قد سافر للعلاج في سويسرا في سرية ودون معرفة وسائل الإعلام. وتطل علامات استفهام عدة حول من سيخلف الرئيس الجزائري في حالة صحة هذه الأنباء وهل هذه الأنباء صحيحة بحق أم أنها على طريقة المخلوع مبارك سيثبت عدم صدقيتها ويكون لدينا رئيس عربي آخر يتوفى شهريا من ثلاث إلى أربع مرات . لكن المثير في الحالة الجزائرية هو أن وفاة بوتفليقة ربما لا تغير شيئا في نظام الحكم، لأن هذا الرجل مرتبط بالجيش الذي تقوم أركان الدولة كلها عليه، وليس على عكس الدول الديمقراطية التي تنشيء مؤسستها العسكرية. فقط ارتبطت ممارسة الجيش للشأن السياسي منذ ثورة التحرير الوطني التي اندلعت في نوفمبر 1954، حيث أسس الثوار الجزائريون حزبا سموه "جبهة التحرير الوطني" كما أطلقوا على جناحهم العسكري اسم "جيش التحرير الوطني"، ومن ثم حدث مبكراً هذا الاختلاط بين "العسكري" ب "السياسي". وأمام هذا الخلط، كانت هناك محاولات لإبعاد العسكر عن السياسة، من بينها المبادرة التي أطلقها عضو لجنة التنسيق والتنفيذ في الثورة الجزائرية عبان رمضان الذي دعا إلى فصل الحياة السياسية عن العسكرية في مؤتمر الصومام يوم 20 أغسطس 1956 ، لكن سرعان ما تبددت هذه الرغبة باغتيال عبان بمراكش في ديسمبر 1957 وتكرس انتصار الجناح العسكري على المدني. وكان جيش التحرير الوطني بزعامة قائد الأركان العامة هواري بومدين هو من نصب الرئيس الأسبق أحمد بن بلة عام 1962، وبإيعاز من بومدين نفسه هو من أطاح به يوم 19 يونيو 1965 ليشكل مجلس ثورة برئاسة بومدين مكونا من 25 عضوا منهم 12 عقيدا في الجيش واحتفظ بومدين بالإضافة إلى منصب الرئيس بمنصب وزير الدفاع وقد ظل هذا العرف ساريا من بعده. الجيش والسياسة وتنص المادة الثامنة من دستور الجزائر لعام 1963 على أن الجيش "يسهم في مناحي النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد في نطاق الحزب" كما يناط بالجيش في دستور 1976 مهمات سياسية تبيّنها المادة 82 من الفصل السادس حين تقول: "يساهم الجيش الوطني الشعبي باعتباره أداة الثورة في تنمية البلاد وتشييد الاشتراكية" بينما يخلو آخر دستور جزائري تم التصديق عليه عام 1989 من إسناد دور سياسي للجيش إذ تكتفي المادة 25 من دستور 1989 التعددي بالنص على أن مهمة الجيش هي : "المحافظة على الاستقلال الوطني والدّفاع عن السيّادة الوطنية". ومع وفاة الرئيس بومدين يوم 27 ديسمبر ،1978 تراجع دور الجيش السياسي حين تولى العقيد الشاذلي بن جديد الحكم وفي هذه الفترة تم اعتماد دستور الخامس من فبراير 1989 الذي كرس التعددية الحزبية فانسحبت عناصر الجيش من اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني. غير أن نجاح الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجولة الأولى من تشريعيات ديسمبر 1991 أدى إلى تدخل الجيش في يونيو 1992 ليجبر الشاذلي بن جديد على الاستقالة بعد 13 سنة من الحكم ويلغي نتائج الانتخابات التشريعية المذكورة وأيضا الجولة الثانية من تلك الانتخابات. ويقول الباحث الجزائري الهواري عدي إن أزمة 1992 أوضحت أن الجيش الجزائري هو أهم لاعب سياسي وقد تعاقب على الجزائر سبعة رؤساء تغلب عليهم الخلفية العسكرية كالتالي : الرئيس أحمد بن بلة مدني ظل 3 سنوات في الحكم أخلفه هواري بومدين عسكري ظل 12 عاما في السلطة أعقبه الشاذلي بن جديد عسكري 14سنة في السلطة ثم محمد بوضياف مدني عدة أشهر ثم علي كافي عسكري عامين واليمين رزوال عسكري 5سنوات وآخرهم عبد العزيز بوتفليقة مدني منذ 1999 وحتى عامنا الجاري. ومشكلة هيمنة العسكر على نظام الحكم ليست مرتبطة فقط بمؤسسات الدولة بل أيضا بضعف الحياة الحزبية في الجزائر، حيث أن انعدام التداول في قيادات الأحزاب السياسية الجزائرية حولها إلى أحزاب شخصيات ، وظلت الجزائر محكومة بنظام الحزب الواحد مدة 27 عاما إلى أن تم التصويت على الدستور التعددي عام 1989نصت فيه المادة 42 على أن حق إنشاء الأحزاب السياسية مضمون بشرط عدم تأسيسها على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو مهني أو جهوي. وكان القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية قد صدر في مارس 1997، ويحدد المسلكيات التي يجب على كل حزب التقيد بها في مادته الثالثة، ومن بينها عدم استغلال مكونات الهوية الجزائرية التي هي الإسلام والعروبة والأمازيغية وكذلك احترام مباديء ثورة نوفمبر 1954 فضلا عن احترام الحرية العامة والوحدة الوطنية وتبني التعددية السياسية. ويعطي القانون دورا هاما لوزارة الداخلية في علاقتها بالأحزاب اعترافا أو تعليقا أو حلا ، فوزارة الداخلية هي الجهة المسؤولة عن الاعتراف بالأحزاب السياسية كما جاء في المادة 12 ولوزير الداخلية الحق في تعليق أو منع نشاط أي حزب سياسي لم يعترف به بعدُ ، بحجة خرق القوانين المعمول بها أو بحجة حالة استعجال أو خطر يوشك أن يخل بالنظام العام كما في المادة 36 وإذا كان الحزب معترفا به فلا بد عند منع نشاطه ، حلا أو تعليقا ، من حكم قضائي تصدره الجهة القضائية لمدينة الجزائر بدعوى من وزير الداخلية كما في المادة 37 وتتناول المواد من 38 إلى 41 العقوبات والغرامات التي يمكن أن تصدر في حق الأحزاب السياسية. الحياة السياسية وتنقسم الأحزاب السياسية الجزائرية بحسب توجهها الفكري إلى إسلامية مثل حمس والنهضة ، ووطنية مثل جبهة التحرير الوطني ، وعلمانية كحزب العمال والحزب الديقراطي الاجتماعي ، وإن كان بعضها يهتم بالبعد الأمازيغي مثل حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية. وتقسم أيضا الأحزاب بحسب برامجها الاقتصادية إلى أحزاب ليبرالية مثل جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي ، وأحزاب الوسط مثل جبهة القوى الاشتراكية والأحزاب الإسلامية ، ويسارية كحزب العمال والحزب الديمقراطي الاجتماعي. وتعاني الحياة الحزبية في الجزائر من أزمات عديدة مثل تدخل السلطة سواء أكانت الجيش أم رئاسة الجمهورية في شؤون الأحزاب ، ومن أمثلة ذلك حل حزب جبهة الإنقاذ الإسلامي من طرف الجيش بعد فوزها في محليات 1990 والجولة الأولى من الانتخابات التشريعية 1991 كما تم السعي إلى إبعاد الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني عبد الحميد مهري الذي كان من دعاة استقلالية الجبهة عن الدولة. وتعاني أيضا من الانقسامات الداخلية الناتجة عن انعدام تداول الزعامة داخل الحزب ، وقد عرفت الأحزاب السياسية الجزائرية الانشقاق منذ عقد التسعينيات، ومن أمثلة ذلك خروج أحمد مراني عضو جبهة الإنقاذ المحظورة على عباسي مدني وعلي بلحاج عام 1993، وتصدع حركة النهضة عام 2000 حين انفصل مؤسسها عبد الله جاب الله ليؤسس حركة الإصلاح الوطني ، كذلك برزت الحركة التصحيحية بقيادة عبد العزيز بلخادم عام 2003 منفصلة عن جبهة التحرير الوطني ومؤيدة في نفس الوقت ترشيح بوتفليقة لرئاسيات 2004. ومنذ إعلان التعددية السياسية عرفت الجزائر ست تجارب انتخابية : ثلاث رئاسيات وثلاث تشريعيات ، ولم تسلم أي انتخابات من اتهام أحد أطرافها بالتزوير. والسؤال الآن .. هل تكون أنباء وفاة بوتفليقة بادرة لشرارة انتفاضة حقيقية ضد حكم العسكر، لكي تلحق الجزائر بالربيع العربي ؟!.