تشهد وسائل الإعلام والصحف القومية والتابعة لبقايا نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، حالة من الارتباك والفوضى العارمة بسبب حالة الصمت التي يتبعها حالياً أعضاء المجلس العسكري، أمام قرارات الرئيس محمد مرسي، والتي كان آخرها قرار عودة مجلس الشعب. وظهرت حالة الارتباك بشكل ملحوظ لدى وسائل الإعلام ليس فقط بعد قرار إعادة مجلس الشعب، ولكن منذ تولي الرئيس مرسي مهام عمله، حيث دأبت الصحف القومية ووسائل الإعلام على إلصاق اسم المشير حسين طنطاوي القائد العام للمجلس العسكري إلى جوار اسم رئيس الجمهورية خاصة في حفلات تخريج الكليات العسكرية، مستخدمة عنوان واحد وهو :"مرسي وطنطاوي يشهدان حفل تخريج دفعة جديدة.. ". وهذا الولاء للعسكر ظهر أيضاً في عناوين الصحف و نشرات الأخبار التلفزيونية و الإذاعية، وحتى في شريط الأنباء الذي يظهر أسفل الشاشة في القنوات الفضائية سواء المملوكة للدولة أو لفلول النظام السابق، ولعل من أبرز الأمثلة وأبسطها: انتقال كاميرا التلفزيون المصري في اتجاه مشهد مغاير لذلك الذي يؤدي فيه طنطاوي التحية العسكرية للرئيس مرسي في كل مناسبة. ورغم أن إلصاق اسم المشير باسم رئيس الجمهورية، لم يكن أمرا معهوداً أيام حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلا أن القائمين على إدارة وسائل الإعلام القومية والخاصة، لا زالوا يتعاملون مع المشير طنطاوي على أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة والرئيس الفعلي للبلاد، وأن د. مرسي لا يتمتع بصلاحيات تجعل منه رئيساً حقيقياً للبلاد، على غرار سلفه حسني مبارك، ولعل هذا الأمر يعكس الولاء الكامل لحكم العسكر لدى هؤلاء المسؤولين، واستعدادهم للدفاع عنه حتى ولو كانت صلاحيات المجلس العسكري وفقا للإعلان الدستوري المكمل، تناقض كل دساتير العالم. ولم تتوقف حالة الولاء الأعمى لدى وسائل الإعلام عند حد التبعية للعسكر بتقديمهم على أنهم حكام حقيقيون لمصر حتى بعد انتخاب الرئيس الجديد، بل أنهم يتعمدون استضافة شخصيات تسير على نفس دربهم في الفضائيات، واختيار عناوين تسئ للرئيس وتشكك بنواياه في الصحف القومية. ومن المثير للدهشة أيضاً أن حالة الولاء الأعمى للمجلس العسكري، كان من المفترض أن تذوب نهائيا أو حتى تدريجياً، وفقاً للمتغيرات الجذرية الأخيرة ولكن ما حدث كان أمراً غير متوقع، حيث لم يتحول القائمون على الإعلام الخاص إلى تابعين للرئيس كما عهدنا في النظام السابق وهذا أمر لا نأمله طبعاً، ولكن أخذ بعضهم يصوب قذائفه لاحقاً تجاه المجلس العسكري والرئيس معاً، حتى تصل رسالة قوية إلى المتابع لها بأن هناك صفقة بين مرسي وطنطاوي. لكن بالتوقف أمام حالة الارتباك التي صنعها الإعلام، نجد أن وسائل الإعلام والصحف القومية لم تكن تقصد إرباك الشعب بقدر ما كانت تنقل لمتابعيها حالة الارتباك التي تعانيها أصلاً، فهذا الإعلام كان يعمل كأداة ضمن خطة وإستراتيجية محددة يرسمها عدد من المسؤولين في النظام القديم، بدعم من رجال الأعمال "الفلول"، لمرحلة بعينها تبدأ من وقت تنحي مبارك، وتنتهي بتنصيب الفريق أحمد شفيق رئيساً للجمهورية، وإعادة إنتاج النظام القديم. وما حدث أن هذه الخطة اتبعت عدة محاور إعلامية هامة، كان أبرزها إفقاد الشعب الثقة في الثوار وتصويرهم على أنهم سبب الفوضى وغياب الأمن في الشارع، وأن مصر بحاجة إلى رجل عسكري قوي حازم يعيد الاستقرار للبلاد (أحمد شفيق)، وبالطبع بدأت الخطة وسارت كما كان مخططا لها تماماً بالاعتماد على أن المجلس العسكري يسير الأمور من أجل نفس الهدف. وهنا بدأت وسائل الإعلام تهيأ الشعب لتقبل نتيجة الانتخابات أياً كانت، وذلك للتمهيد لفوز شفيق وتصوير المعترضين على أنهم ضد الديمقراطية وضد إرادة الشعب، لكن النهاية المرجوة أحدثت صدمة هائلة لدى القائمين على هذه الخطة بعد خسارة مرشحهم وفوز د. مرسي بالرئاسة. ومن ثم لم يستطع القائمون على هذا الإعلام المضلل الاستمرار في حملة التشكيك بالنتيجة لأنهم هم من روجوا خلال جولة الإعادة بأنه يجب احترام الديمقراطية وإرادة الشعب. وجاءت اللحظة الحاسمة ليجد هؤلاء أنفسهم أمام خيار واحد وهو الوقوف إلى جانب المجلس العسكري قلباً وقالباً في كل قراراته التي تحد من صلاحيات الرئيس الجديد. ثم بدأت الخطة البديلة "ب" التي اعتمدت على التقليل من حجم الرئيس وإسقاط البرلمان نهائياً، لكن هذه الخطة لم تكن منظمة ومرتبة مثل سابقتها، فهي لم تستمر سوى أيام قليلة، بعد أن فوجئ القائمون عليها بأنهم فقدوا الثقة في الطرف الرئيسي فيها وهو المجلس العسكري الذي التزم الصمت حيال قرار الرئيس بعودة مجلس الشعب، الأمر الذي دفع بعض وسائل الإعلام التابعة ل "الفلول" لمهاجمة المشير طنطاوي صراحة ومطالبته بالتدخل، لكن كلما زادت حالة الصمت أكثر فأكثر من جانب المشير وأعضاء المجلس العسكري، بدء بعضهم يستسلم للأمر الواقع، ومن ثم بدأ اسم الرئيس يظهر منفردا على شاشات التلفزيون وفي الإذاعات الخاصة دون "المشير"، انتقاماً من الأخير وليس إعلاء لشأن الرئيس المنتخب. في السياق ذاته، ظلت وسائل الإعلام الحكومية تمارس نفس الدور التابع للمجلس العسكري، لكن حالة الصمت التي أتبعها الأخير، جعلت المسؤولين فيها يراجعون أنفسهم، دون أن يملكوا القدرة على الموضوعية والحيادية في تقاريرهم الخبرية وبرامجهم الحوارية التي اتسمت بالسطحية والتخبط الشديد، وكأن لسان حالهم يقول: أريد ولو كلمة واحدة من المجلس العسكري لأعرف إلى أين نسير؟. لكن أمام حالة الارتباك الشديد التي تعانيها وسائل الإعلام، تبقى حقيقة واحدة يجب أن يتقبلها المسؤولون والعاملون في هذه المؤسسات، وهي أنهم أمام فرصة حقيقية لإعلان ولائهم الكامل لهذا الشعب، والوقوف إلى جانب ما ترتضيه ضمائرهم، بدلاً من انتظار مكالمة هاتفية من مسؤول قد يغفل لساعات أو يصمت حيناً من الدهر، ولا يعلموا أنه فارق الحياة وأنهم عاشوا في عذاب مهين.