عودة الدولة العسكرية بدون أحمد شفيق وقفت أغلبية المصريين خلف مرشح الإخوان المسلمين ضد الدولة العسكرية العلمانية التي أرادت استعادة النظام القديم من خلال أحمد شفيق. لو لم توجد تجمعات المتظاهرين في التحرير منذ الإعلان الدستوري المكمل، ربما استطاع العسكر إعلان نجاح مرشحهم بالإيعاز إلى لجنة الانتخابات الرئاسية (التي استعادته للسباق بعد خروجه) بقبول كل طعونه (مليون بطاقة) وبالتالي نجاحه بدلاً من محمد مرسي. وقف المصريون كلهم وكأنهم جميعاً قد صاروا "إخواناً مسلمين" لإنجاح محمد مرسي، ثم للضغط على اللجنة وعلى المجلس العسكري لإعلان نجاحه. وقد تم ذلك بعد أن جهز المجلس العسكري لنفسه بديلاً مناسباً هو "الإعلان الدستوري المكمل" بعد إقرار الضبطية القضائية وبعد حلّ البرلمان – لكن "الإعلان الدستوري المكمل" (رمز الانقلاب العسكري) هو الأهم لأنه يمثل استعادة حكم العسكر وسيطرتهم على السياسة، حتى بدون أحمد شفيق. العسكر مستعدون للتفاوض على كل شيء (الحكومة والبرلمان) ومنح ما يشاءون للإخوان (الثلثين من البرلمان وبعض مقاعد الحكومة) في مقابل استمرار الإعلان الدستوري المكمل، الذي هو أقوى من وثيقة السلمي ويؤسس لنموذج تركي/ باكستاني في الحكم، بحيث يكون الرئيس (محمد مرسي) والحكومة (وخاصة تحت قيادة شخص علماني بديل عن الجنزوري) تحت سيطرة العسكر ودون صلاحيات، بحيث تستمر الدولة العسكرية العلمانية في مصر إلى ما شاء الله. يميل العسكر إلى الهجوم (بالسلاح المادي والمعنوي والسياسي والإعلامي) ثم التفاوض من موقع القوة بحكم الأمر الواقع، حتى لو كان غير شرعي (مثل الإعلان الدستوري المكمل) وكأن الواقع الجديد (بعد الإعلان الدستوري) صار حقيقة واقعة تكتسب شرعيتها من فرض الأمر الواقع – تماماً مثل سياسة إسرائيل في الاحتلال والمستوطنات، ثم التفاوض من موقع "الأمر الواقع" على إزالة بعض المستوطنات مقابل شرعية باقي صور الاحتلال والاستيطان. قرر المجلس العسكري بدلاً من تسليم السلطة إلى عسكري بملابس مدنية يستعيد النظام القديم (أحمد شفيق) أن يحتفظ بها في الإعلان المكمل (الذي قد يكون مؤقتاً لمدة ستة شهور، ولكنه كافٍ لإجهاض التحرك ضد حكم العسكر إلى حين تجديد سبب بقاء العسكر في السلطة وإيجاد مبرر جديد لاستمرارهم). الإعلان المكمل كأمر واقع معناه أن العسكر إذا كانت لديهم فرصة البقاء في السلطة ليوم واحد، فإنه يمكنهم إصدار إعلان جديد وتجديد هذه المدة لمدد أخرى – تبدأ بأول ستة شهور لتصل إلى سنوات وسنوات. علينا أن نتذكّر أن المرحلة الانتقالية زادت من ستة شهور إلى عام ونصف، والإعلان المكمل يزيدها نصف عام لحين ترتيب أوضاع تسمح ببقاء الدولة العلمانية العسكرية الظاهرة والعميقة إلى ما شاء الله. كان انتخاب محمد مرسي بمثابة "استفتاء على الثورة" وأعطى المصريون أصواتهم كلها (وليس نصفها)، للمرشح الإسلامي الثوري محمد مرسي ليكون صعوده إعلاناً بنهاية حقبة "المُلك العضوض" و"المُلك الجبري" وبداية الطريق نحو دولة إسلامية ضد الدولة العلمانية العسكرية الموجودة منذ الحملة الفرنسية بروح قانونية علمانية فرنسية وأشكال حكم وأنماط حياة علمانية قاسية – خاصة في الجانب العسكري، في ظل هذا الجيل من العسكر الذي لم يمارس الجهاد في سبيل الله بأية صورة منذ أكتوبر 1973 بسبب معاهدة السلام التي يفتديها العسكر (ومخابراتهم) بكل غال ونفيس. قرر العسكر الهجوم الكاسح تعويضاً لاضطرارهم للتضحية بمرشحهم أحمد شفيق. والحل هو حل البرلمان والضبطية القضائية والإعلان الدستوري المكمل. وبالتالي يكشف العسكر عن أجندتهم في ظل هذا الإعلان الذي يعني قبوله واستكمال خطة عمله ما يلي: 1) عقد انتخابات تشريعية (سواء على البرلمان كله أو ثلثه) وعند عقد هذه الانتخابات سوف يتدخل العسكر هذه المرة كما تدخلوا في انتخابات أحمد شفيق – بالتزوير الناعم والدعم الخفي والعلني، والإعلامي والسياسي، للأحزاب الليبرالية العلمانية كنقيض وبديل عن الأحزاب الإسلامية، حتى لو وصل الأمر إلى بعض التزوير ليتمكنوا من الثلث المُعطل في البرلمان أو أكثر قليلاً. 2) بقاء العسكر في محل فرض الفيتو على الدستور الذي سيتم وضعه، وبالتالي لا يخرج هذا "الدستور الجديد" عن "الإعلان الدستوري المكمل" بصلاحيات مطلقة للعسكر، وإلا يحتج المجلس العسكري على أي فقرة أو مادة، وتستمر عملية صياغة الدستور لسنوات وسنوات، وتستمر معه المرحلة الانتقالية تحت حكم العسكر إلى مالا نهاية. 3) يؤدي مجرد قبول "الإعلان الدستوري المكمل" إلى إحداث انقسام في الكتلة الوطنية الداعمة للإخوان المسلمين وانتقال العديد من المنخرطين فيها من المتصالحين مع النموذج الإسلامي والمؤيدين لحركة الإخوان المسلمين ضد العسكر، إلى الجانب الآخر في "الكتلة المدنية" التي يرعاها حزب ساويرس والولاياتالمتحدة من خلفه. 4) يؤدي مجرد قبول الإعلان الدستوري المكمل إلى انفضاض الإخوان من ميدان التحرير، مع بقاء باقي القوى السياسية الأخرى. إن هذه الوضعية سوف تعني إما إخراج العسكر لهم بالقوة من الميدان في مذبحة جديدة، أو انفضاضهم من حول الإخوان ودخولهم كخصم للإخوان يعادي العسكر ويعادي الإخوان في نفس الوقت، وهو ما يعيد الوضع إلى المربع صفر بالنسبة للحركة الإسلامية، حتى لو كانت قد استنقذت الثلثين من مقاعد البرلمان وحصلت على بعض مقاعد مجلس الوزراء (تحت قيادة رئيس وزراء يختاره العسكري أو يختاره الإخوان من غير الإسلاميين ثم يستميله العسكري)... وفي هذه الحالة، ستكون تجربة الحكومة الفاشلة أقسى ألف مرة من حكومة عصام شرف وحكومة الجنزوري. 5) يؤدي مجرد قبول الإعلان الدستوري المكمل بواسطة الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمين) إلى تحرك العسكر بقوة لكشف "الصفقة مع الإخوان" لضرب شرعية الإخوان في مقتل، ولإظهار الإخوان بمظهر الانتهازيين والمفرطين، وبالتالي إعطاء شرعية جديدة بديلة للتيار العلماني المعارض للعسكر معارضة مستأنسة، والتيار العلماني الآخر المتحالف بوضوح وصراحة مع العسكر من رجالات الدولة المباركية العميقة. 6) سيؤدي سريان الإعلان الدستوري المكمل والفترة الانتقالية المصاحبة له إلى إعطاء الفرصة للنقض في قضية مبارك، وبالتالي تبرئته – حتى لو كانت وفاته محتملة إلى حد كبير. وسيكون معنى ذلك أن الإخوان فشلوا في استعادة حق الشهداء والقصاص لدمائهم، مع أن ذلك كان من وعودهم وتعهدات الدكتور مرسي في برنامجه الرئاسي. 7) سيؤدي قبول الإعلان الدستوري واستمرار المرحلة الانتقالية تحته إلى تعطيل شامل وكامل لمشروع النهضة، لأنه لا يمكن لمن لا يملك السلطة "السياسية" أن يقوم بأية نهضة أو تنمية "اقتصادية". ومعنى ذلك إظهار أن مشروع الإسلاميين للنهضة هو مجرد وهم، أو على الأقل مجرد ورقة دعاية انتخابية دون مضمون. إن لنا أن نتذكر أن حزب "العدالة والتنمية" في تركيا لم يستطع القيام بنهضة اقتصادية إلا بعد أن امتلك بالفعل السلطة السياسية كاملة – ولم يكن هذا هو الحال في ظل حكومة أربكان من قبل. 8) سيؤدي الدخول في مسلسل الإعلان الدستوري المكمل إلى إعطاء ثقة بالنفس غير عادية للمجلس العسكري على أساس أنه استطاع إجهاض ثورة كاملة ضده (ثورة ميدان التحرير ضد الإعلان الدستوري المكمل وحل البرلمان)، وتمكين المجلس العسكري من الاستمرار في السلطة رغم هذه الموجة القوية من المعارضة التي تجمع كافة القوى السياسة في مصر، والتي ليس من السهل تجميعها مرة أخرى. هذا إضافة إلى أن نجاح المجلس العسكري في إجهاض هذا التحرك المعارض سيرافقه إجهاض لكل شرعية ممكنة للإخوان في الشارع السياسي، وهو الأمر الذي لم يستطع مبارك طوال ثلاثين عاماً أن يصل إليه رغم كل القهر والقمع. إن انكشاف الإخوان أمام الجمهور المؤيد لهم في الشعب وأمام مؤيديهم ومناصريهم من القوى السياسية والثورية (على أساس أنهم يعقدون صفقات مع العسكر، ثم يتمكن العسكر في كل مرة من خداعهم والالتفاف عليهم) سيكون هو أكبر نجاح يدعم شرعية الدولة العلمانية برأسها العسكري وجسدها المصنوع من الأحزاب الليبرالية المعارضة في العلن والموالية للعسكر في السر. الخلاصة لقد اكتسب العسكر مهارة وخبرة وقدرة سياسية غير عادية في المرحلة الأخيرة مع نهاية المرحلة الانتقالية. وتم دعمهم بخبرات استثنائية – ربما أمريكية أو محلية تم تدريبها في معاهد الولاياتالمتحدة ومؤسسات علمانية أخرى- لكي يضعوا بشكل سلس نموذجاً للحكم يجمع بين النمط العسكري التركي الكلاسيكي القديم لدى أتاتورك والنمط الباكستاني، وهي أيضاً خبرات عالية في كيفية إجهاض التحرك الإسلامي والمشروع الإسلامي حتى بعد وصول رئيس إسلامي إلى قمة السلطة. معنى هذا أن هذا الرئيس سيكون في وضع شديد الخطورة بهذا المعنى لو تم تمرير الإعلان الدستوري المكمل، لأنه ربما سيواجه مصير عدنان مندريس في تركيا أو محمد مصدق في إيران أو حتى نجم الدين أربكان.. مثل هذا الوضع خطير جداً لأن الرئيس الإسلامي دون صلاحيات سوف ينقلب عليه الجميع، وسوف يرحب الجميع بانقلاب "الجيش" عليه. ومن هنا.. لا مفر من استمرار الضغط والصمود حتى نهاية المرحلة الانتقالية في 30 يونية 2012 وإيجاد صيغة لإسقاط الإعلان الدستوري المكمل ومنح الفرصة للرئيس لاستخدام صلاحياته في تكوين حكومة وحدة وطنية تحمل مشروعاً حقيقياً للنهضة في مصر.. إنما النصر صبر ساعة... وعلى الله قصد السبيل،،،