كان لقب «الاستبن» هو الأهم بين كل محاولات الغمز واللمز التي استخدمها خصوم المرشح الإسلامي محمد مرسي لكونه تقدم للترشيح مع زميله خيرت الشاطر تحسبا لاستبعاد الأخير من الانتخابات الرئاسية على خلفية محاكمة سابقة له، والادّعاء أنه غير مؤهل لخوض الانتخابات لهذا السبب. وأخذاً في الاعتبار أن الشاطر نفسه لم يطلب ترشيح نفسه للرئاسة ولم يطرح نفسه مرشحاً رئاسياً إلى حين أن قررت جماعة الإخوان أن يكون لها مرشح رئاسي، واختارت الشاطر ليكون هذا المرشح، واختارت ترشيح محمد مرسي معه احتياطيا، نجد أن كلا الرجلين قد تمسّك تماما – وليس كآخرين من مرشحي التيار الإسلامي – بالمعيار الشرعي الخاص بعدم طلب الولاية أو السعي إليها. إن فقه «منْ طلب الولاية لا يُولّى» ليس جديداً على الإسلاميين عموماً وعلى جماعة الإخوان على وجه الخصوص، تأسيساً على حديث رسول الله(ص) عندما طلب أبو ذر الغفاري الولاية لنفسه. مثل هذا الفقه متضمن تماماً داخل الجماعة من حيث أنه لا يتم تصعيد أي شخص في الإطار التنظيمي أو توليته أي منصب إذا هو طلبه أو سعى إليه أو حرص عليه. هذا الفقه أيضاً مرتبط لدى الإخوان بأركان أساسية في تصورهم الإسلامي الشرعي والحركي، أهمها «الإخلاص» و«التجرد» و«الأخوة» و«الثقة»، وهي كلها عناصر تجعل الجميع – من أعلى نقطة في قمة التنظيم إلى أدناها – جندياً في صفوف الدعوة، لا يرى نفسه أفضل من غيره، ولا يرى لنفسه ميزة على أي أحد من إخوانه. هذا الفقه كان هو أيضا المعيار الذي تحركت عليه الحركة الإسلامية في كل أعمالها وكل مؤسساتها وتنظيماتها ومكاتبها، وصولاً إلى انتخاب المرشد نفسه، وهو تقليد جديد بدأته الحركة في عهد المرشد السابق محمد مهدي عاكف ليكون نقلة نوعية جديدة في إطار حركتها، حيث تحرص الحركة الإسلامية الأم على أن تسود الشورى «داخلها» وفق هذه القاعدة الفقهية «منْ طلب الولاية لا يُولّى». أما «خارجها»، فيظل الأمر على نفس السواء عند اختيار الجماعة للمرشحين في كل القطاعات والمواقع، سواءً النقابية أو المجالس التشريعية أو غير ذلك. وعندما جاءت لحظة الترشيح للانتخابات الرئاسية، لم يطلب الشاطر ولم يطلب مرسي الولاية، ولم يسعيا إليها. ولم يتردد أحدهما في الانصياع لطلب الجماعة بالترشح، ولم يتأخر الأول عن تلبية النداء، ولم يتململ الأخير عن أن يكون في الموقع التالي لأخيه. الإخلاص والإيثار والتجرد والأخوة والفداء والترابط والتضامن كلها عناصر غاب عن إبصارها وإدراكها من أرادوا رفض وجود مرشح للحركة الإسلامية. لعلهم ظنوا أن دعاية «الاستبن» سوف تجهض مسار الحركة الإسلامية في هذا السياق أو سوف تؤدي إلى انقسامها وإضعافها. هل معنى رفضهم لهذا «الاستبن» أنهم كانوا يشجعون المرشح الأصلي (خيرت الشاطر) ويرفضون أن يأتيهم بديل عنه؟! بالطبع لا. لقد أمطروا خيرت الشاطر بكل الانتقادات الممكنة رفضاً لفكرة ترشيحه بسبب حقيقة من هو داخل الحركة الإسلامية، وبسبب الجماعة التي ينتمي إليها. ونفس الشيء فعلوه مع ترشيح محمد مرسي. هل بهذا المعيار (معيار الاستبن) يصير علينا أن نرفض تولية رسول الله (ص) لأربعة قادة لجيشه، ليكون الواحد بعد الآخر، في غزوة مؤتة في العام الثامن للهجرة؟! معاذ الله. هل تقاعس جعفر بن أبي طالب (رض) أو تقاعس عبد الله بن رواحه (رض) عن الولاية بعد زيد بن حارثة (رض) حتى لا يكون أي منهما (استبن) للقائد الأول؟! ألم تكن وصية الرسول (ص) «إن قُتل زيد فجعفر، وأن قُتل جعفر فعبد الله بن رواحه» تعني أن الأول والثاني سيمضون إلى الله شهداء، ومضى الثالث في إثرهم. ألم يهتف عبد الله بن رواحه في الناس في هذه الغزوة – عندما وجد المسلمون أن جيشهم الذي قوامه ثلاثة آلاف مقاتل يواجه من الروم جيشاً قوامه مائتي ألف مقاتل: «يا قوم ... والله إن التي تكرهون للتي خرجتهم تطلبون: الشهادة». في ذلك اليوم، سقط من المسلمين اثنا عشر شهيداً (من أصل ثلاثة آلاف) .. وصرع المسلمون من الروم ثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمسون رجلاً (من مائتي ألف). أي أن عدد من قتلهم المسلمون من الروم في هذه المعركة يفوق كل تعداد جيش المسلمين كلهم، وهو يساوي 279 مرة ضعف عدد الشهداء من جنود جيش الرسول (ص). أخيراً نقول: «هي لله هي لله.. لا للمنصب ولا للجاه». ملحوظة الاستبن هو العضو الخامس في فريق، يعمل معاً، ويتحرك معاً، ويتناسق ويتكامل في حركته من أجل أن تسير السيارة. ويكون الاستبن هو الجندي المجهول الذي يظهر ساعة الأزمة للمساعدة. البركة في الحركة مع فريق كامل دون تمييز لواحد على آخر، حيث كل واحد فيهم «استبن» لكافة الآخرين، يعمل معهم من أجل نهضة الجميع.