يتصور البعض أن الصراع الحالي في مصر هو صراع بين قوتين: هما التيار الإسلامي بمواجهة التيار العلماني المدعوم من العسكر. هكذا يتم اختزال الواقع السياسي المصري لدى البعض حتى يسهل لهم التفكير بمنطق الأبيض والأسود أو منطق صفر أو واحد. وهو منطق أعوج في الحياة السياسية الحالية لمصر. الحقيقة أن هناك على الأقل 5 قوى رئيسة تتصارع بقوة الآن، وهي: (1) التيار الإسلامي: وهو ليس على قلب رجل واحد، ويعاني من مشكلات كبيرة، فهو تيار ضخم، لكنه بلا رأس واحد في هذه المرحلة وجاري تفتيته بشدة وبحرص من قبل التيارات الأخرى. وهو بذاته يضع داخله قنابل موقوتة، ستنفجر في أي لحظة، ولا عاصم إلا الله. (2) التيار الليبرالي: وهو تيار نافذ إعلاميا ضعيف في الشارع، لكنه يكتسب اليوم أرضية أكبر بتخلصه الظاهر من فكرة المعاداة الفجة والصريحة للإسلام، والبدء بمشروع تقديم نفسه مرة أخرى للمجتمع المصري على أنه يدعم «الإسلام المعتدل»، وهي نسخة لا وجود حقيقيا لها، لكنها تدعم غربياً بقوة وباستمرار. يسعى هذا التيار لإعادة تقديم نفسه للشارع المصري حاليا. (3) الفلول: تجمع متصاعد لقوى النظام السابق، أعادت تشكيل أدواتها عبر مؤسسات رسمية مصرية، وعبر تكوين منظومة إعلامية متكاملة موازية لنظام الدولة. وهو تيار متغلغل بأجهزة الدولة، وقد بدأ في استخدامها ضد الثورة عبر الفاسدين بكل الأجهزة، وهم قوة لا يستهان بها في الواقع الحالي. (4) تيار اليسار: وهو تجمع لتيارات ناصرية ويسارية وتيارات ثورية أخرى، وله تواجد إعلامي مؤثر. ويعيد تقديم نفسه للمجتمع بالتركيز على عدم معاداة الإسلام، ومعاداة الكيان الصهيوني والاهتمام بالمهمشين، وهي أمور تمس مشاعر المجتمع، ويعيد هذا التيار تجميع صفوفه بقوة. (5) المجلس العسكري: قوة مستقلة حالياً لها مصالح خاصة بها، ولها رؤية مستقلة حول مستقبل مصر بشكل يرسخ من عسكرة الدولة مقابل العلمنة أو الأسلمة لها، ويريد الحفاظ على مكتسبات دامت لأكثر من ستة عقود، ولن ينحاز إلى أحد إلا بما يخدم رؤيته المستقلة لمكانته وللدولة المصرية وعلاقتها بدول العالم الغربي والكيان الصهيوني. من اراد التفكير الاستراتيجي لمصر المستقبل فلا يتعامل مع الطرف رقم (2) وإنما يتعامل مع رقم (5).