هبط مساء هذا الثلاثاء من عمر القاهرة ليكون بمثابة هدنة مؤقتة في عدة معارك (قضائية – سياسية - برلمانية) من شأن نتائجها أن تحدد المسار الذي ستمضي فيه مصر لإنجاز أهم وأخطر الاستحقاقات السياسية التس ستحدد مستقبل مصر على صعيد الدستور ورئيس الجمهورية، بعدما آلت للمحاكم مساجلات كان يفترض أن تحسمها جلسات البرلمان ونقاشات الأحزاب. فلول مبارك المعركة الأخطر بحسب الكثير من المراقبين، هي معركة منع فلول النظام المخلوع من العودة إلى الحكم وإعادة إنتاج نظامهم الذي تنفس الصعداء مع انضمام اللواء عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع مبارك لقائمة مرشحيه في السباق الرئاسي، والتي اشتعلت قبل يومين عندما تقدم عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط ورئيس الهيئة البرلمانية للحزب ردًا على ترشح سليمان. القانون الذي تقدم به عصام سلطان لرئيس مجلس الشعب يوم الأحد يتضمن تعديل بعض أحكام قانون انتخابات الرئاسة، من أجل عزل رموز النظام السابق سياسيا ومنعهم من الترشح للانتخابات الرئاسة ويمتد لمنعهم من تولى مناصب مثل نائب الرئيس أو رئيس للوزراء أو وزير. كان سلطان أكد عدة مرات على ضرورة تعديل القانون حفاظاً على ثورة 25 يناير، ووفاءً لأرواح شهدائها، وإبراءً لذمة النواب جميعًا أمام الشعب المصري الذي اختارهم، وهو يأمل في "مستقبل لمصر النظيفة الخالية من المسئولين الظالمين المستبدين الفاسدين الذين ما زالت أيديهم تقطر منها دماء الأبرياء". واقترح سلطان أن يتم تعديل بعض أحكام القانون رقم 174 لسنة 2005 المعدل بالمرسوم بالقانون رقم 12 لسنة 2012 وأن يُضاف إلى القانون رقم 174 المشار إليه فقرة ثالثة لنص المادة (1) تؤكد على أنه لا يجوز لمن عمل، خلال الخمس سنوات السابقة على تنحي الرئيس السابق في 11 فبراير 2011 بأي وظيفة سياسية أو استشارياً في الوزارة أو مؤسسة الرئاسة، أو في عمل نيابي ممثلا للحزب الوطني الديمقراطي المنحل أو معينا بقرار من الرئيس المتنحي، أن يرشح نفسه رئيساً للجمهورية أو أن يعمل نائبا للرئيس أو رئيسا للوزراء أو وزيرا لمدة خمس سنوات تحتسب ابتداء من تاريخ التنحي المشار إليه. وفي حالة الترشح قبل صدور هذا القانون، تُلغى كافة إجراءات ترشحه، وتعتبر كأن لم تكن. وأشار سلطان في مذكرته الشارحة إلى أن ثورة 25 يناير 2011 المجيدة قد عبرت عن رغبة واضحة للشعب المصري في تغيير نظامه السياسي من حيث أشخاصه والسياسات التي استند إليها، وأنه لا يُتصور عقلا أن النظام الجديد الذي ينشده الشعب بثورة سيتم بناؤه على أيدي ذات الأشخاص الذي عملوا في النظام السياسي السابق في وضع وتنفيذ سياساته أو أن يقوموا هم بقيادة البلاد لإنجاز سياسات مغايرة عن تلك التي نبذها الشعب. سلطان استشهد أيضاً بتشريعات موجودة في بلاد أخرى مرت بمراحل ثورية مشابهة، تؤكد أن هذا الحظر هو مما درج عليه المشرعون، بل إن التطبيق القانوني في التاريخ المعاصر القريب للدولة المصرية شهد استبعاداً تاماً لرموز المرحلة الملكية من المشاركة في العمل السياسي والنيابي لمدد طويلة، ومن ثم فإن تطبيق هذا الحظر فيما يتعلق بمنصب الرئيس يصبح أكثر ضرورة، ويبرز التناغم بين مهمة التشريع وميل المجتمع إلى التغيير وبناء نظام سياسي جديد في أشخاصه وسياساته. وقد حصد القانون موافقة سريعة من لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس الشعب ثم تم إقراره في اجتماع اللجنة التشريعية يوم الثلاثاء، كما تم تحديد جلسة طارئة من المقرر أن تعقد الأربعاء لأخذ التصويت على القانون. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مشروع القانون الذي تقدم به عصام سلطان لعزل الفلول يحظى بمعارضة شديدة من قبل كل من النائب مصطفى بكري والهيئة البرلمانية لحزب التجمع ورئيسه الدكتور رفعت السعيد. خيرت الشاطر المعركة القضائية الثانية التي شهدت تفاعلات ساخنة يوم الثلاثاء كان بطلها المهندس خيرت الشاطر، النائب السابق لمرشد جماعة الإخوان المسلمين الذي أشعل جدلاً واسعاً بدخوله المعترك الرئاسي. وكان النائب أبوالعز الحريري، المرشح لخوض انتخاب الرئاسة قد أقام دعوى قضائية أمام القضاء الإداري بالإسكندرية للطعن في صحة وسلامة العفو الذي أصدره المجلس العسكري عن خيرت الشاطر المرشح للرئاسة لجماعة الإخوان المسلمين. وأشار الحريري إلى أن قرار العفو عن الشاطر كان مخالفاً للقانون لأن العفو الشامل لابد أن يصدر بقانون من مجلس الشعب وأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يملك إصدار عفو شامل وبالتالي لابد من الانتظار حتى نهاية المدة الزمنية للتوجه بعد ذلك للمحكمة للحصول علي العفو طبقا للمادة56 من الإعلان الدستوري لكي يمارس حقوقه السياسية. من جانبها قضت محكمة القضاء الإداري بتأجيل جلسة نظر القضية إلى الغد، بعدما طالب دفاع الشاطر بمنحه فرصة مناسبة للاطلاع على أوراق القضية وإحضار المستندات التي تثبت أحقية النائب السابق لمرشد الجماعة في الترشح للرئاسة. أبو إسماعيل اليوم أيضاً كان القضاء الإداري ساحة لمعركة حازت اهتماماً واسعاً من الرأي العام هي معركة ترشيح الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل للرئاسة بعد الجدل الذي ثار حول جنسية والدته. فقد قررت محكمة القضاء الإداري تأجيل نظر دعوى حازم صلاح أبو إسماعيل، المرشح لرئاسة الجمهورية، بشأن إلزام وزارة الداخلية باستخراج وثيقة رسمية حول جنسية والدته، لجلسة الغد لاستكمال طلبات الدفاع. وكان أبوإسماعيل قد طلب من هيئة المحكمة الترافع عن نفسه، وقال :"إن جوازات السفر ليست دليلاً على الجنسية سواء كان هذا الجواز مصرياً أو أمريكياً، وإن رجل الأمن الذي يطلع على جوازات السفر داخل المطارات أمين شرطة أو ضابط مخابرات، ومن ثم فان هذه الرؤية البصرية لجواز السفر لا يمكن الاستناد إليها في تحديد جنسية حامل الجواز". وأضاف أبو إسماعيل أنه لم تصدر أي مستندات رسمية من أي جهة في أمريكا تؤكد على حمل والدته للجنسية الأمريكية، قائلا :"إن إسرائيل الآن تستطيع أن تستبعد أي مرشح إذا أرسلت مستند رسمي صادر عنها يثبت حمل أحد المرشحين أو أقاربه جواز سفر إسرائيلي". من جانبه، أكد محامي الدولة أثناء مرافعته أن وزارة الداخلية لم تصدر قرارًا باعتبار والدة أبو إسماعيل أمريكية وأن وزارة الخارجية ليست جهة اختصاص بالموضوع وأنها جهة نقل بيانات فقط. وقال محامي الدولة :"مقلناش إنها تحمل جنسية أمريكية .. قلنا إنها تحمل وثيقة سفر أمريكية". وفي نهاية الجلسة قرر القاضي إسقاط الجنسية الأمريكية وحجز القضية للفصل فيها غدًا، فانتابت أنصار أبو إسماعيل فرحة عارمة. أزمة الدستور وعلى صعيد معركة قضائية أخرى هي المتعلقة بالدعوى المرفوعة من الدكتور جابر نصار للمطالبة ببطلان تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور قضت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار علي فكري، بمجلس الدولة، بطلان تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، ووقف تنفيذ قرار مجلس الشعب بما تضمنته من تأسيس اللجنة وما ترتب على ذلك من آثار. وكانت الدعاوى القضائية والطعون التي أقامها عدد من المحامين والحقوقيين والنشطاء السياسيين والمثقفين والشخصيات العامة، مطالبين بإلغاء قرار البرلمان والخاص بمعايير اختيار لجنة المائة المعنية بوضع مشروع الدستور الجديد على أساس 50% من أعضاء البرلمان المنتخبين و50% من خارج البرلمان، وبطلان تشكيل أعضاء اللجنة التأسيسية. وأشارت الدعاوى إلى عدم وجود تمثيل حقيقي للأقباط والمرأة في اللجنة التأسيسية، مطالبين أن تقضي المحكمة بإلغاء قرار تشكيل الجمعية، وأن تنص في حكمها على أن يكون تشكيل الجمعية بالكامل من خارج البرلمان بمجلسيه حفاظاً على التوازن بين السلطات، وأن يكون دستور مصر القادم معبرا عن جموع المصريين. وعلى صعيد رد فعل جماعة الإخوان المسلمين التي يحظى حزبها الحرية والعدالة، بالأكثرية البرلمانية فقد صرح المستشار القانوني للحزب الدكتور أحمد أبو بركة أن الجماعة سوف تطعن على الحكم، غير أن الدكتور محمد مرسي رئيس الحزب، قال إن الجماعة ليست طرفاً في القضية وكذلك حزب الحرية والعدالة وأن البرلمان فقط هو المعنى بتلك المعركة. سليمان وشفيق وضمن نفس مسلسل المعارك القضائية التي ينتظر أن تحسم الوجهة السياسية التي تمضي نحوها مصر قررت اليوم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، تأجيل نظر الدعوى المقامة من المحامي صابر شلبي، والتي طالب فيها باستبعاد كل من اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق، والفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق من الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة إلى جلسة 24 أبريل للاطلاع على المستندات. واختصمت الدعوى كلا من، المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكمال الجنزوري رئيس الوزراء، واللواء عمر سليمان، والفريق أحمد شفيق، وطالب باستبعادهم من الترشح للانتخابات الرئاسية لفقدهم حسن السير والسمعة. وأشارت الدعوى إلى أن الرئيس المخلوع حسنى مبارك قد استعان بعمر بسليمان في مواجهة ثورة يناير، كما أوضحت الدعوى أن هناك أوراق تؤكد تورطه في صفقة تصدير الغاز للكيان الصهيوني.