هل أصبح السكن أو العيش في ضواحي قريبة من المطارات ومدارجها وممراتها الجوية خطراً أو سبباً محتملاً للإصابة بارتفاع ضغط الدم؟ هذا ما خلصت إليه أخيراً دراسة طبية سويدية واسعة النطاق، شارك فيها أكثر من ألفي متطوعاً، واستغرق العمل فيها عشر سنوات للوصول إلى هذه النتيجة. فقد وجد فريق بحث من جامعة كارولِنسكا الطبية السويدية، إحدى أفضل معاهد البحث والتعليم الطبي في أوروبا، أن الأشخاص الذين يسكنون ويعيشون على مقربة من المطارات هم أكثر تعرضاً لمخاطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم نظراً لما وجد الباحثون من ارتباطه بضجيج المطارات وحركة إقلاع وهبوط الطائرات، إضافة إلى ازدحام حركة المرور الأرضية والخدمات المتصلة بالطيران والسفر. الضوضاء والتوتر المزمن قام فريق البحث بقيادة الدكتور ماتِس روزِنْلوند بمتابعة الرجال المشاركين في الدراسة طبياً على مدى عشر سنوات. وجد الباحثون صعوداً في مخاطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الرجال المشاركين الذين يعيشون في أحياء أو مناطق تتلقى قدراً أكبر من ضجيج المطارات القريبة. في ظل الضوضاء المتواصلة، وهدير طائرات المحلقة على ارتفاعات قليلة في سماء مناطق قريبة من المطار عند الإقلاع واستعداداً للهبوط، وجد الباحثون أن ذلك يمثل مصدراً للتوتر المزمن لدى بعض الرجال المشاركين في الدراسة، وذلك قد يؤدي بدوره إلى ارتفاع ضغط الدم عندهم. يلفت الدكتور ماتِس روزِنْلوند إلى أنه من المتداول في المعارف الطبية أن ضوضاء حركة الطيران أو صخب الطائرات يتسبب بنشوء مشكلات إجهاد وإرهاق نظرا لأن ذلك يحول دون قدرة السكان على التركيز أو التفكير أو الاسترخاء أو يسبب حرماناً من النوم الكافي والمريح. ارتباط متواتر وتفيد الدراسة السويدية بأنه من المعلوم أن صحة القلب تتأثر بمجموعة كبيرة من العوامل البيئية وغيرها، إلا أنه ليس من الواضح تماماً ما إذا كان لضجيج المطارات مسؤولية أو ارتباط مباشر بارتفاع ضغط الدم بين بعض الرجال المشاركين في الدراسة والذي سجّله فريق البحث. بيد أن الدكتور روزنلوند وزملاءه ينوهون بأن حصيلة دراستهم ودراسات أخرى سابقة قد أظهرت وجود ارتباط بين التعريض للتلوث بالضوضاء وبين ارتفاع ضغط الدم. لكنهم لا يرون إصدار حكم جازم يقول تحديداً بأن العيش أو السكن في محيط المطارات أو قريباً منها يزيد مخاطر إصابة الإنسان بارتفاع ضغط الدم، وذلك لعدم توفر قدر كاف من اليقين. بيد أن دراسة أوروبية أخرى أوسع نطاقاً وتشمل عدة مطارات يتم إجراؤها في الوقت الراهن، يؤمل منها أن تقدم الإجابة الحاسمة حول هذه المسألة. لكن لا يبدو أن الدكتور روزنلوند أو زملاءه على استعداد في الوقت الراهن لتقديم توصية بتغيير مكان السكن بالنسبة لسكان يعيشون على مقربة من المطارات، رغم أن بعض هؤلاء قد يفضل الانتقال إلى منطقة سكنية أقل ضوضاء بما يساعدهم على تحسين نوعية العيش. مبادرة تصميم طائرة صامتة تضفي الدراسة السويدية أهمية أكثر لمحاولات العلماء والمهندسين القيام بجهود علمية ملموسة باتجاه خفض جذري لضوضاء الطائرات وضجيج المطارت والتلوث البيئي الناجم عنهما، وتظهر أن هذه المشروعات البحثية لبست ترفاً بل هي جهد ضروري في الاتجاه الصحيح. فقبل نحو عامين، أعلن معهد كمبردج-ماساتشوستس للتكنولوجيا في بريطانيا عن إطلاق مبادرة تكنولوجية جديدة لتصميم الطائرة "الصامتة". وتهدف هذه المبادرة إلى اكتشاف وتطوير طرق لخفض كبير في ضوضاء الطائرات إلى الحد الذي لا يلحظه أحد خارج محيط المطار في اي منطقة عمرانية اعتيادية. تضم هذه المبادرة التكنولوجية طليعة الأكاديميين من جامعة كمبردج البريطانية ومعهد تكنولوجيا ماساتشوستس (MIT) بالولايات المتحدة، إضافة إلى ممثلين من قطاعي صناعة الطائرات والطيران المدني. هذا التجمع الفريد سوف يعمل معا، ويتبادل المعارف المكتسبة لدى جميع أطرافه، ويطور تصميم طائرة يصعب ملاحظة الضوضاء المنبعثة منها لدى مقارنتها بخلفية الضوضاء الطبيعية لأي منطقة عمرانية اعتيادية. وتشمل قائمة الشركاء في المشروع شركة الخطوط الجوية البريطانية، وإدارة الطيران المدني، والإدارة الوطنية للمراقبة الجوية، وشركة "رولز رويس"، التي وضعت بتصرف الباحثين بنية تحتية ضخمة من أدوات التحليل وآليات وبرامج التصميم. سيضم المشروع كذلك ممثلين عن جماعات معارضة لضوضاء الطائرات والمطارات. تقول الدكتورة آن دولنغ، أستاذة الهندسة بجامعة كمبردج وأحد قادة المشروع، أنه رغم نجاح صناعة الطيران المدني في تحقيق تخفيضات صغيرة مضطردة في ضوضاء الطائرات، فإن هذا المشروع يهدف إلى تغيير جذري في مستويات تلك الضوضاء؛ فخارج محيط المطار لن يكون ضوضاء الطائرات المحلقة ملحوظا لدى الجمهور. نقطة البدء خفض الضوضاء لقد أصبح ضوضاء الطائرات في أميركا الشمالية وأوروبا عقبة في طريق نمو قطاع النقل الجوي. فالمطارات التي تحاول التوسع في حركة وعمليات الطيران تجابه بمعارضة من الجماعات المحلية التي يشغلها تأثير ازدياد هدير الطائرات الذي يمكن أن يفوق مستويات الضوضاء التي لا ينبغي تجاوزها، وفقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية. لذلك، يرى قادة مشروع الطائرة الصامتة أن تصميم هذه الطائرة سيتغلب على مشكلة الضوضاء، كما سيقدم دفعة هامة لصناعة الطائرات، وسيرفع إنتاجية تشغيل شركات النقل الجوي. يلاحظ الدكتور إدوارد غرايتزر، قائد المشروع في معهد تكنولوجيا ماساتشوستس، أن التحسينات التي أنجزت في تصاميم الطائرات لم تغير كثيرا من شكل طائرة الركاب في العقود الأربعة الماضية. لكن نقطة افتراق هذا المشروع، عما هو سائد في صناعة الطائرات، هي البدء بفكرة خفض رئيسى لضوضاء الطائرة كمتغير أو عامل أساسي في تصميمها. لذا فإنه من المتخيل أن يترتب على ذلك تغيرات جوهرية في شكل وعمليات تشغيل الطائرة. ستتيح الطائرة الصامتة فرص الاستجابة لمزيد من الطلب على الرحلات الجوية عبر إتاحة فرص أكثر لمطارات جديدة وزيادة في عمليات المطارات القائمة. يمثل مشروع مبادرة الطائرة الصامتة أحد أربع تجمعات للتكامل المعرفي أعدها معهد كمبردج-ماساتشوستس للتكنولوجيا قبل عامين. تسعى تجمعات التكامل المعرفي إلى إيجاد طرق تستطيع بها الدوائر الأكاديمية والصناعية أن تتعاون سويا وتتبادل المعارف لدفع البحث والتطوير في مجالات تنافسية معينة نحو آفاق وقدرات أكثر تقدما. إضافة إلى ذلك، يهدف التجمع المعرفي لمشروع الطائرة الصامتة إلى تعزيز هذا الهدف باجتذاب جيل الشباب واستثارة حماستهم للطيران؛ مما يؤكد على استمرارية إقبال الأفراد الموهوبين على هذه الصناعة في الأعوام القادمة.