جامعة قناة السويس تنظم برنامجاً تدريبياً حول إدارة الذات    رئيس الوزراء يتابع ترتيبات استضافة الدورة الثانية عشرة للمنتدى الحضري العالمي    وزيرة التخطيط والتعاون الدولي: مناقشة قانون لنقل تبعية الصندوق السيادي لمجلس الوزراء    طيران الإمارات تلغي جميع الرحلات من وإلى إيران غدا    مندوب مصر لدى جامعة الدول العربية: «لن تدخر جهدا في تقديم العون الإنساني للبنان»    بعد يومين من توليه مهام منصبه.. أمين عام الناتو الجديد يزور العاصمة الأوكرانية    الرئيس السيسى يؤكد دعم مصر لرئاسة موريتانيا الحالية للاتحاد الأفريقى.. إنفوجراف    استبعاد مبابي من قائمة فرنسا لمباراتي دوري الأمم الأوروبية    محمد صلاح يقارن بين سلوت ويورجن كلوب.. ماذا قال عن مدرب ليفربول الحالي ؟    التحقيقات: إسفكسيا الغرق وراء وفاة شاب بمياه النيل بالجيزة    تاجيل محاكمة مجدي شطة في تعاطي المخدرات    السكة الحديد تقرر تعديل تركيب بعض القطارات على خطوط الوجه البحري    لطفي لبيب: تكريمي في مهرجان الإسكندرية السينمائي تتويج لمسيرتي الفنية    العرض العالمي الأول لفيلم "تهليلة" في مهرجان أميتي الدولي للأفلام القصيرة    فروع "خريجي الأزهر" بالمحافظات تشارك بمبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    الزمالك يهزم تاوباتى البرازيلى 30-24 فى ختام تحديد مراكز كأس العالم لأندية اليد    علي فرج يواصل الدفاع عن اللقب ويتأهل لنصف نهائي قطر كلاسيك للاسكواش    يوفنتوس يحقق رقما تاريخيا فى دورى أبطال أوروبا    جوميز يخطر الزمالك برحيل رباعي الفريق    رئيس وزراء ولاية بافاريا الألمانية: مصر شريك أساسى لنا ودعامة الاستقرار بالمنطقة    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات سكن لكل المصريين بعدد من المحافظات والمدن الجديدة    اتفاق بين منتخب فرنسا والريال يُبعد مبابي عن معسكر الديوك في أكتوبر    أمطار ورعد وبرق.. منخفض جوى يؤثر على حالة الطقس والأرصاد تكشف التفاصيل.. فيديو    رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى يدين المساس بالبعثات الدبلوماسية فى السودان    التشكيل النهائى لهيئات مكاتب اللجان النوعية بمجلس الشيوخ    رئيس جامعة القناة يشيد بمشاركة معهد كونفوشيوس بمهرجان الإسماعيلية للفنون الشعبية    تتويجا لرحلته الفنية.. مهرجان الإسكندرية السينمائي يحتفي بتاريخ الفنان لطفي لبيب    بدلاً من العزلة.. 3 أبراج تعالج قلوبها المحطمة بمساعدة الآخرين    افتتاح وحدة جديدة للعناية المركزة بمستشفى رأس التين بالإسكندرية    رئيس جامعة عين شمس: نضع على رأس أولوياتنا تنفيذ توجهات الدولة لتطوير القطاع الطبي    محافظ الفيوم يهنئ ضباط القوات المسلحة بذكرى نصر أكتوبر    لطفي لبيب يكشف عن سبب رفضه إجراء جلسات علاج طبيعي    الأمن يكشف لغز العثور على جثة حارس ورشة إصلاح سيارات مكبل في البحيرة    قرار عاجل من مدير تعليم الجيزة بشأن المعلمين    حلاوة رئيسًا للجنة الصناعة والتجارة بمجلس الشيوخ    "الإسكان" يُصدر قراراً بحركة تكليفات وتنقلات بعددٍ من أجهزة المدن الجديدة    لحسم الشكاوى.. وزير العدل يشهد مراسم إتفاقية تسوية منازعة استثمار    التموين تكشف حقيقة حذف فئات جديدة من البطاقات    «مش بس أكل وشرب».. جهود مكثفة من التحالف الوطني لتقديم الرعاية الصحية للأكثر احتياجا    مجلس الشيوخ.. رصيد ضخم من الإنجازات ومستودع حكمة في معالجة القضايا    فى احتفالية كبرى، الأوبرا تحتفل بمرور 36 عامًا على افتتاحها بمشاركة 500 فنان    بعد إعلان اعتزالها.. محطات في حياة بطلة «الحفيد» منى جبر    سر مثير عن القنابل الإسرائيلية في حرب أكتوبر    ضبط 17 مليون جنيه حصيلة قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    الصحة: تطعيم الأطفال إجباريا ضد 10 أمراض وجميع التطعيمات آمنة    «التضامن» تشارك في ملتقى 57357 للسياحة والمسئولية المجتمعية    نائب وزير الصحة يوصي بسرعة تطوير 252 وحدة رعاية أولية قبل نهاية أكتوبر    مركز الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع    بالفيديو.. استمرار القصف الإسرائيلي ومحاولات التسلل بلبنان    الحالة المرورية اليوم الخميس.. سيولة في صلاح سالم    4 أزمات تهدد استقرار الإسماعيلي قبل بداية الموسم    جيش الاحتلال يزعم الهجوم على 200 هدف لحزب الله    مدبولي يُهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال51 لانتصارات أكتوبر المجيدة    حكم الشرع في أخذ مال الزوج دون علمه.. الإفتاء توضح    كيفية إخراج زكاة التجارة.. على المال كله أم الأرباح فقط؟    هانئ مباشر يكتب: غربان الحروب    تعدد الزوجات حرام.. أزهري يفجر مفاجأة    فوز مثير ل يوفنتوس على لايبزيج في دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المراكبي : ولي الأمر خاضع لإرادة الشعب
نشر في التغيير يوم 04 - 08 - 2011


حواره: أسامة عبد الرحيم
رئيس مجلس علماء أنصار السنة المحمدية بمصر الدكتور (جمال المراكبي) في حوار شامل حول أهم الملفات الساخنة المطروحة الآن على الساحة المصرية بعد ثورة ال25 من يناير،والدكتور المراكبي رئيس مجلس إدارة مجلة التوحيد الإسلامية، وحاصل على الدكتوراه في أطروحته "الخلافة الإسلامية بين نظم الحكم المعاصرة".
بداية فضيلة الدكتور دعني أسألك كيف يمكن لنا أن نقرأ هذا الصخب حول السلفية، وهل محاولات الهجوم عليها تتم فقط بدوافع سياسية محضة، ولماذا يتم استعداء خصوم السلفية في هذا التوقيت عقب التصويت على التعديلات الدستورية؟
*الهجوم على السلفية ليس جديداً وإنما في الفترة الجديدة أصبح ظاهرا وفاشيا، ولفت النظر إلى السلفية، وأصحاب المذاهب الفكرية والعقائدية يهاجمون السلفية مثل الصوفية والأشعرية وكذلك الشيعة الذين يتزلفون لعوام أهل السنة على اعتبار أن السلفية ليسوا من أهل السنة!!.
ما بعد التعديلات الدستورية وظهور صوت السلفيين في المجال العام ودعوة الناس للتصويت "بنعم" أزعج ذلك العلمانيين وأزعج كل التيارات حقيقة من هذه القوة الظاهرة الناشئة التي لم يكونوا يحسبوا لها مثل هذا الحساب، وانزعجوا أكثر من تصرفات بعض السلفيين ولابد أن نعترف أن بعض السلفيين أحياناً يتصرفون تصرفات لا يحسبون لها حساباً فربما يترتب عليها أضراراً.
على العموم السلفيون ليسوا طيفا واحدا ولا تيارا واحدا في مصر على الأقل ولا في العالم، السلفيون أطياف عديدة بينهم من الخلاف مابين كل التيارات الأخرى من الخلاف، لكن يجمعهم اعتماد الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وهم أقرب التيارات الإسلامية إلى صحيح الدين وصريحة.
البعض يتهم السلفية بأنها حديقة خلفية يتم فيها صناعة الإرهاب والعنف الديني، ويرفض الحوار معها بحجة أنها لا توجه خطاب إسلامي سياسي معتدل، كيف تردون على ذلك ؟!
* كما قلت لك السلفية أطياف عديدة وهذه الدعوة أن السلفية حديقة خلفية للإرهاب والتطرف دعوة روجت لها أمريكا وحلف الناتو بعد 11 سبتمبر، واتهمت السلفية بهذه التهمة الشنعاء، ونحن نقول سواء كان تنظيم القاعدة ارتكب مثل هذه الأشياء أو لم يكن من ارتكبها فليست السلفية في جملتها مسئولة عن هذا.
وكما قلت لك السلفية أطياف عديدة فهناك "السلفية الجهادية" التي عرفت باستخدامها للقوة مع التيارات المناوئة لها وخاصة مع غير المسلمين في أفغانستان وباكستان والعراق، وهناك سلفية أخرى علمية أكثر منها عملية، وهناك مدارس سلفية مشهورة لا علاقة لها بالعنف موجودة في مصر وخارج مصر، ووضع التيارات السلفية جميعها في سلة واحدة هذا وضع مجحف بهم وهو خطأ يقع فيه من لا يعرفهم ولا يعرف منهجهم ولا يعرف تياراتهم .
في ظل أن السلفية كانت توصم بأنها أكثر الأيديولوجيات الدينية ممانعة لأي تغيير سياسي، كيف ترون الدور السياسي الذي ممكن أن تلعبه السلفية في ظل الانقلاب الكبير في الحياة السياسية بعد الثورة وما هي أهم الأولويات على أجندتكم؟!
لابد أن نعلم أن قضية الخروج علي ولي الأمر قضية منضبطة في عقائد أهل السنة والجماعة منذ أن عرفنا كتب العقائد ابتداءً من القرن الثالث والرابع وإلى يومنا هذا، والمقصود بالخروج هو الخروج بالسيف أي الخروج المسلح، وكل كتب العقائد السلفية تنص على حرمة الخروج على ولي الأمر وإن جار وإن ظلم بالسيف، لأن هذا مما يترتب عليه مفاسد كبيرة، وتسيل بسببه الدماء، وتنتهك الحرمات، حتى قال شيخ الإسلام بن تيمية أن الصبر على جور الجائر ستين سنة ربما يكون أخف وطأة من فتنة ساعة تسفك فيها الدماء ولا تراعي فيها الحرمات، وأي كان هذا فهو معنى واضح نراه مثلاً يحدث لإخواننا في ليبيا وسوريا واليمن، هذه الأنظمة تقاتل حتى آخر قطرة دم لإنسان مسلم في هذه البلاد، وربما لا جدوى للخروج على مثل هذه الأنظمة طالما أننا لا نستطيع إزاحتها لا بالتظاهر السلمي ولا حتى بالعنف مع تجنب الخسائر.
المسألة إن السلفية تعتمد المصالح والمفاسد وإذا غلبت المصالح على المفاسد اعتبر هذا الأمر مشروعاً، وعادة الخروج بالسيف تلغ فيه المفاسد على المصالح كما حدث في القتال على أمير المؤمنين عثمان بن عفان، ثم قتل علي بن أبي طالب وقتل الحسين بن علي في كربلاء وقتال أهل المدينة في الحرة وقتال بن الأشعث مع الحجاج بالعراق، أهل السنة بعد كل هذه الوقائع التي أدت إلى سفك الدماء قالوا يحرم الخروج بالسيف، ثم قالوا ويجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن نناصح ولاة أمرنا كما قال النبي صلي الله عليه وسلم، وأن نصبر دون أن نكون عونا لهم على الفساد والإفساد ولهذا نؤمر بطاعتهم في المعروف ولا نطيعهم في المعاصي، والنبي صلي الله عليه وسلم يقول إنما الطاعة في المعروف، وعبد الله بن عمرو بن العاص يقول لعبد الرحمن بن عبد الكعبة عن معاوية أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله .
وأهل السنة والسلف بصفة عامة رأوا أن الخروج بالسيف يؤدي إلى مفاسد ورأوا أن هناك وسائل لتقليم أظافر الخليفة أو الحاكم أو ولي الأمر الظالم عن طريق عدم معاونته في الظلم، وعن طريق الضرب علي يديه بدون مفاسد وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ومناصحته وكلها وسائل موجودة في السنة، والصبر عليه كما قال النبي صلي الله عليه وسلم للأنصار والحديث عند البخاري أنكم سترون من بعدي أثرة وأمور تنكرونها، قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال اصبروا حتى تلقوني عند الحوض، هذه هي قضية السلفية في الخروج على الحاكم، أما إذا خرج الناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويدعون ولي الأمر للحكم بالعدل فهذا ليس خروجا عند أهل السنة والجماعة، ولهذا يخطئ من كيَّف المظاهرات السلمية بأنها خروج والحقيقة أنها أقرب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
بالنسبة إلى الحالة السياسية في مصر، السلفيون كانوا بعيدين عن السياسة بالمعنى الذي يظنه كثير من الناس، بل كانوا في حقيقة الأمر بعيدين عن المشاركة والغوص في المستنقع الآسن للسياسة التي كان عليها الحال من الكذب والخداع والظلم والبغي، كانوا أبعد الناس عنها ولكنهم كانوا يوجهون لولاة الأمر النصائح ويخاطبونهم بالصورة التي يستطيعونها ويظنون أنها تحقق المقصود، أو على الأقل حتى يؤدي الإنسان من السلفيين ما عليه من المناصحة ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
المرحلة القادمة مع هذا الانفتاح السياسي لاشك أن التيار السلفي كسائر التيارات يريد إزالة كل المنكرات، ونحن عندنا منكر عظيم في مصر وهو وجود بعض القوانين المخالفة لصريح وصحيح الدين، مثل بعض القوانين الجنائية التي استبعدت الحدود الإسلامية، هذه القوانين نحن ننكرها وربما معظم الناس في مصر لا تكاد تطبقها وتنكرها، نحن نريد ننتقل من مرحلة إنكارها بالقلب إلي إنكارها باليد عن طريق الدخول إلى المجالس التشريعية أو توجيه الداخلين في هذه المجالس إلى وجوب تغيير هذه القوانين بأخرى لا تتعارض مع صحيح الدين وما هو ثابت قطعا من كلام ربنا وسنة نبينا صلي الله عليه وسلم، ونحن كتيارات سلفية سنتحالف مع كل من يسعي لتطبيق شريعة الله لكن بشرط أن يظهر لنا آلية واضحة للسعي إلى هذا التطبيق وتغيير هذه المنكرات.
أهم الأوليات لنا في المرحلة القادمة هو الحفاظ على المادة الثانية في الدستور الجديد لأننا سنمر بمرحلة انتقالية فيها اختيار برلمان بمجلسيه الشعب والشورى ثم اختيار رئيس جمهورية، واهم الأوليات عندنا اختيار برلمان فاهم وواع تمثل فيه كل الأطياف وليس كمثل البرلمانات السابقة يسعى للتصفيق لولي الأمر الحاكم، ويناقش المسائل التي نطرحها الشرعية والمصلحية، شرعية لأننا ندافع بها عن أصول ديننا وعن عقائدنا وعن أحكام شرعنا وهي مصلحية لأنها تتحقق بها مصالح الناس، وفي الدستور الجديد لابد إننا نحافظ على المادة الثانية، وربما نضيف إليها ما يزيد من فاعليتها، ونبث الوعي في الناس لكي نفعل هذا، وبعد ذلك يكون تعديل القوانين المنحرفة الضارة التي لا تحقق مصالح للأمة والتي تخالف صراحة وبفجاجة شرع ربنا عز وجل.
تُتهم السلفية من خصومها بأنها وراء المحاولات الانقلابية أو خطاب المعارضة في كثير من الدول الإسلامية، هل ترون دورا حقيقا للسلفية في التحريض على خلع بعض الأنظمة في عالمنا العربي...؟!
نحن لسنا مع هؤلاء الحكام ولسنا ضدهم ولا نسعى إلى خلعهم في بلادهم، ولكن ندعوهم إلى ترك الفساد والإفساد والظلم والحكم بما يوافق كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم، ومع ذلك لا ندعمهم ولا نستفيد منهم ولا نؤصل بغيهم وظلمهم، ومن هنا فالتيارات السلفية لم تكن أبدا في يوم من الأيام عونا على الظالم، نعم قد يقول قائل يحرم الخروج وهذا من باب فهم اعتقاد أهل السنة، ولكن ليس من باب عون الظالم، وكما قلت أن جمع السلفيين في سلة واحدة يجعل الباحث أو المدقق لا يخرج بنتائج صحيحة، لأنني قلت لك هناك سلفية جهادية وهناك أخرى كما يقولون عنها أنها تتهم بأنها تمالئ ولاة الأمر في بعض البلاد، والحقيقة أن الفهم السلفي الصحيح بين هذا وذاك؛ فمملاءة الظالم حرام والخروج على ولي الأمر الظالم بالسيف إذا ترتبت عليه المفاسد الكبار كما هو واضح أيضا يعتبر أيضا حرام، وبين هذا وذاك يسعى التيار السلفي للإصلاح دائما وأبداً.
يقول البعض إن الدولة الدينية في مفهوم السلفية تعني أن الحاكم لا يخطئ وأنه يحكم باسم الله وهو ظله على الأرض، وأن الدولة الدينية وفق هذا المفهوم مآلها كتلك التي أقامها غير المسلمين في أوروبا في القرون الوسطى، والحل في إقامة دولة مدنية على النمط العلماني تضمن للجميع الحقوق والمساواة.. كيف تردون على ذلك؟!
هذه إشكالية لكي نجيب عنها لابد أن نفهم ما المراد بالدولة الدينية في أوروبا، وتعني الدولة "الثيوقراطية" التي كانت تعتمد على استبداد ولي الأمر باسم الرب سبحانه وتعالي، حيث كان البابا يخلع على الملك التاج ويقول له أن تحكم باسم الرب ومن هنا يحكم الملك حكما مستبداً مطلقا لا ينازعه احد ولا يعارضه أحد ولا يملك أحد أن يكلمه، وكان هؤلاء الملوك في أوروبا منهجهم هو منهج فرعون أنا ربكم الأعلى وأيضاً ما أريكم إلا ما أري وغير هذا الكلام الذي قصه القرآن وأنكره؛ فالقرآن ينكر هذا الاستبداد وينكر أن يكون ولي الأمر في الدولة المسلمة يحكم باسم الله أو حتى يحكم بتفويض من الله بل يحكم بتفويض من الأمة لأن الأمة هي التي تختاره، بدليل قول النبي صلي الله عليه وسلم :"إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها"، أي اختارته الأمة، "وادي الذي عليه فيها" أي أعطى كل ذي حق حقه أي أقام العدل، ويقول عمر موقوفا عليه:" من ولي من أمر أمتي شيئا فولي رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين"، إذاً الإسلام يحث على حسن الاختيار وعلى اختيار الأصلح والذي يختاره هي الأمة عن طريق كل الشعب أحيانا أو عن طريق ممثليها الذين عرفوا في الدولة المسلمة بأهل الحل والعقد، والوالي الذي يتولي لا يحكم فيهم بحق إلهي مقدس بل يحكم باعتباره نائباً عنهم وخادما لهم وأجيرا عندهم، كونه نائبا عنهم لأنهم الذين اختاروه لتحقيق مصالحهم وإقامة شريعة ربهم والفصل بينهم في المنازعات، أما أنه أجيرا عندهم لأنه يأخذ مقابل ذلك أجرا يحدد له من الأمة.
ويحضرني هنا موقف التابعي الجليل أبو مسلم الخولاني، الذي دخل على سيدنا معاوية بن أبي سفيان فقال: السلام عليك أيها الأجير فقالت الحاشية: قل السلام عليك أيها الأمير فقال: السلام عليك أيها الأجير فقالوا: قل أيها الأمير، فقال: السلام عليك أيها الأجير فقالوا: قل الأمير، فقال معاوية : دعوا أبا مسلم فإنه أعلم بما يقول، فقال: إنما أنت أجير أستأجرك رب هذه الغنم لرعايتها، فإن أنت هنأت جرباها، وداويت مرضاها، وحبست أولاها على أخراها وفاك سيدها أجرك، وإن أنت لم تهنأ جرباها ولم تداو مرضاها، ولم تحبس أولاها على أخراها عاقبك سيدها، هذا المنهج الذي أصل له أبو مسلم أن الحاكم أجير عند الأمة وهو يقوم بأعمال محددة تحدد له سلفاً، يفصل بينهم في المنازعات ويحقق لهم مصالحهم، انظر إلى قوله : رب الغنم كأن الحاكم راعي والناس رعية وهذا ثابت في النصوص الصحيحة كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، وانظر إلى قوله هنأت جرباها، وداويت مرضاها، فهو مسئول عن صحة الناس في الأمة وتحقيق الطمأنينة والأمن والأمان، وله دور في عدم وقوع الفتن وتحقيق الاستقرار، وهذا منهج في غاية الوضوح والنبي صلي الله عليه وسلم يحذر الولاة من غش الرعية أو عدم النصح للرعية في الصحيحين: "ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت، وهو غاش لها، إلا حرم الله عليه رائحة الجنة"، هذا منهج الإسلام الثابت في الكتاب والسنة وسلف الأمة أكدوا على هذا المعني، أبو بكر الصديق يقول :" "لقد ولّيت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني"، فأين منهج الاستبداد وأين منهج الحكم بالحق الإلهي المقدس وأين منهج دولة ثيوقراطية هنا...؟!
لكن أيضا نريد أن نُفصل مصطلح دولة دينية لأن هذا المصطلح نقل إلينا ترجمة لكلمة " theocracy" وهي الدولة الثيوقراطية، لكن البعض حينما يفهم المصطلح خطأ يستنتج أو يصل لنتائج في منتهي الخطورة، يعني إذا كنا نحن أمة مسلمة نريد أن نطيع ربنا وأن نطبق أحكام شريعتنا يقال : "لا هذه دولة دينية" (!!)، نحن نعلم أن الدين الحق هو الإسلام وأن ما سواه باطل وأن دين الإسلام له شريعة واجبة التطبيق وواجبة التنفيذ وأن الناس –المسلمون- إما أن يطيعوا الله وإما يعصوا الله، فإذا ما قال لنا قائل هذه دولة دينية نقول له ما فهمت مصطلح الدولة الدينية، ثم إن النصارى في أوروبا لم تكن عندهم شريعة لذلك فإن منهجهم كما قال المسيح: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله، أما المسلمون فعندهم شريعة تأمرهم وتنهاهم بداية من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت إلى إقامة العدل وعدم الظلم إلى النهي عن الربا وحل البيع إلى حل الزواج وحرمة الزنا كل هذه المسائل وكل هذه الأمور التي تحكم الناس في اقتصادهم وفي أمورهم الخاصة والعامة وفي معاملتهم لربهم إنما جاءت بها أحكام شريعة خالدة لا يجوز لنا أن نضيعها ؛ فإذا قيل هذه دولة دينية نقول ما فهمتم الدولة الدينية ..هذه دولة إسلامية.. هذا شعب مسلم ويجب عليه أن يقيم دينيه.. وأن يلتزم أحكام شريعته لأنها شريعة من عند الله عز وجل فإن لم يلتزمها فقد رفضها وقد خرج عليها وهذا يعني الكفر والعياذ بالله.
بعض التيارات الدينية على الساحة الآن تنادي بدولة مدنية ويؤكدون أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد أقام مثلها في المدينة، فما هو معنى الدولة المدنية وفق المصطلح السلفي ولماذا يتم رفضها ووصف من ينادي بها بأنه خائن وآثم؟!
الحقيقة أن الدولة في الإسلام مدنية أو هي إن شئنا الدقة هي باعتبار تقوم على دين الإسلام، دعوة وفهما وعملا وتطبيقاً ؛ فهي دولة مسلمة، ولا أريد أن أقول دينية حتى لا أدخل في اصطلاح ثيوقراطية، لكنها مدنية في الحقيقة لأن ولي الأمر فيها تختاره الأمة، ولأن ولي الأمر فيها لا يحكم بمقتضى الحق الإلهي المقدس ولا التفويض الإلهي المقدس، فهو ليس إلها أو نصف إله ولا يحكم نيابة عن الله، هي مدنية لأن الأمة تراقب ولاة أمرها وتحاسبهم ورما تعزلهم، هي دولة مدنية لأن الإسلام لا يعرف الكهنوت ولا يعرف مصطلح رجال الدين؛ لكن يعرف مصطلح أهل العلم، ويعرف مصطلح المجتهدين وهم الذين يفقهون أحكام الشريعة، ويسعى الناس إليهم فيسألونهم عن هذه الأحكام، وهم الذين يعينون الناس في الفهم والتطبيق؛ فإن قلنا أنها دولة مدنية فهذا صحيح لكنها دولة مدنية تحترم شريعة ربانية تحكم الناس في كل زمان ومكان.
ونحن نقبل بالدولة المدنية بهذا التدقيق ونرفض العبث بالمصطلحات، لأنك إذا قلت أنا مع الدولة المدنية يقول لك انبذ الدين، تقول له بهذا المعنى لا، ديني لا ينبذ، ديني أنا أفهمه وأنت تفهمه وكلنا نفهمه ويجب علينا أن نطبقه، فهم يعبثون أو يلعبون بالمصطلحات ونحن لا نريد أن نسايرهم في لعبة بالمصطلحات، ولكن نصحح هذه المصطلحات ونقول لا مُشاحة في الاصطلاح، المهم أن نعرف ما الذي يدل عليه هذا الاصطلاح وان نقبله أو لا نقبله، فنحن نقبل الدولة المدنية بهذا المعنى ونرفض الدولة الثيوقراطية بالمعنى الذي ذكرته لك، أما أن يفهم من كلامي أنني أرفض الدولة الدينية بمعنى أنني ضد الإسلام فهذا مفهوم فاسد وخاطئ.
لماذا هلل السلفيون للتعديلات الدستورية، في وقت يصف الكثيرين الخطاب السلفي بأنه استهلاكي يضلل الشعوب ويصر على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي، بينما الواقع هو حكم مدني مرجعيته البشر وتوافقاتهم وهو ما كان معمولا به قبل وبعد تعديل الدستور؟!
الحقيقة هذا الكلام فيه قدر من الحقيقة وقدر من الخطأ، الإسلام دين الدولة لا ينكر احد هذا لأنه دين أغلبية الدولة وأغلبية شعبها، والدولة شخص معنوي لا يوصف بأنه متدين أو غير متدين، لكن شعب الدولة وحكومة الدولة تستطيع أن تصفها بشيء من هذا ؛ فالدولة في مصر دولة مسلمة لأن أغلبيتها مسلمة، ودينها الإسلام هذه حقيقة نص عليها الدستور أو لم ينص، لغتها هي العربية هذه حقيقة نص عليها الدستور أو لم ينص، مبادئ الشريعة الإسلامية بل أحكام الشريعة فوق الدستور وفوق القانون هذه حقيقة وإن غيبها بعض الناس وجادل فيها بعض الناس، والمادة الثانية من الدستور والتعديل الذي وضعه الرئيس السادات سنة 1980 لما ذكر أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، جعل أو أقام الأمر على حقيقته حينما قال أن مصادر الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي، أي ما دونها تحت أو دون الرئيسي أو تكون رئيسية ولكنها بعد المصدر الرئيسي؛ فالألف واللام أعادت للشريعة الإسلامية بعض الحق الذي هضم وضيع، فمن خلال هذه المادة ومن خلال تفعيلها نستطيع أن نعدل بعض القوانين المخالفة لصريح الشريعة، نعدل القوانين التي تبيح الربا أو تبيح الفائدة الربوية، نعدل القوانين التي فيها إباحة الزنا للمرأة الغير متزوجة إن كانت بالغة عاقلة، لأن هذه قوانين تعبر عن أخلاق وعن أعراف أوروبية بحتة، ولا تعبر عن أعرافنا أو عن أخلاقنا في مصر، ولهذا فهي حنطت في القانون الجنائي المصري ولم يعمل بها أحد، ونحن نريد أن نعالج هذا الخلل ونستبدلها بقوانين لا تخالف الشرع، لا أقول موافقة للشرع لكن يكفيني أنها لا تخالف الشرع.
ثم إني قلت لك إن الدولة في الإسلام تعتبر الحكم المدني لأن الحاكم أو ولي الأمر يحكم نيابة عن الأمة وعن الشعب؛ فالإسلام حكم في الأصول العقائدية ما بين العبد وربه والأصول الأخلاقية ما بين العبد وإخوانه، ثم تأتي الأصول التشريعية مثل إباحة البيع وتحريم الربا ؛ فالإسلام أباح العقود وأمر بالوفاء بها وحرم عقودا فاسدة إذا كان فيها غرر أو ربا أو غش أو نحو هذا "من غشنا فليس منا"؛ فحكم الإسلام في القانون المدني وحكم في القانون الجنائي قال "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ"، القانون عندنا يقول إذا كانت المرأة الزانية متزوجة تحبس بشرط أن يكون هذا حق لزوجها أي إذا حرك القضية تحركت وإذا أوقفها توقفت (!!)، أما غير المتزوجة إن كانت رشيدة فلا عقوبة عليها (!!)، نحن نقول هذا مخالف لشرعنا ولشريعتنا، لكن يبقى جزء كبير في الإسلام متروك للأمة متروك لنا الرسول صلي الله عليه وسلم يقول :"أنتم أعلم بشؤون دنياكم"، فنحن في الاقتصاد وفي السياسة نجتهد ولا بأس أن ننقل عن الآخرين تجاربهم الناجحة بما يحقق لنا المصلحة ويدرأ عنا المفاسد ولا نكون بهذا خارجين عن الإسلام، والدولة في مصر أو الدول المسلمة بصفة عامة حينما تأخذ عن تجارب الغرب نحن لا ننكر هذا الأخذ وحينما نبدع ونستحدث تجارب من عندنا نحن لا ننكر هذا المهم أن تكون هذه التجارب غير مخالفة لصريح ولا صحيح الدين، الرسول صلي الله عليه وسلم ترك لنا مجالا فسيحا وقال :" ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام. وما سكت عنه فهو عفو. فاقبلوا من الله عافيته"، هذا المتروك لنا نجتهد في الاقتصاد وفي السياسة وفي الحرب وفي كل الأمور ولا نقول أنها ليست دولة إسلامية ولا نقول إنها ليست دولة مسلمة لأن الشرع الخاتم ترك لنا هذا لنجتهد فيه، إذن عندي دوائر منها دائرة القطعي من كتاب الله ومن سنة رسول الله وما أجمعت عليه الأمة وهذه يجب العمل بها، ثم دائرة الظني هذا نجتهد فيه بما يحقق المصلحة دون تعصب لرأي على رأي، ثم دائرة المسكوت عنه في الشرع وهذا نجتهد فيه بما يحقق مصالحنا، وهذا هو ديننا وهذه هي الدولة التي أرادها الله عز وجل للأمة المسلمة.
هل تسعى السلفية إلى تطبيق الإسلام كما طبقه الخلفاء الراشدون؟ وهل تجد الدستور الوضعي مؤتمن على تفعيل المرجعية الإسلامية على الحقيقة؟
الحقيقة أن الدستور ليس كافيا وحده لتطبيق الشريعة، أعظم وسيلة لتطبيق الشريعة هي وسيلة الضغط الشعبي ووسيلة التوعية للناس المسلمين، ولهذا لو كتبا في الدساتير أي مادة يستطيع أي ملك أو أي رئيس دولة أن يغيرها وتسير الأمة خلفه مغمضة العينين أو كأنها عمياء أو يجعله معطلاً، فالنص في الدساتير ليس وحده كافياً لكن الذي يحرك المياه الراكدة ويغير المنكرات هو النفير الشعبي والرأي العام، والرأي العام في أوروبا رأي عام ضاغط ومؤثر، ونحن منذ قرابة المائة سنة ونحن نسعى مع الرأي العام لتوعيته نعرفه أحكام الإسلام ونعرفه العقيدة الصحيحة ونعرفه الأخلاق السمحة ونعرفه أحكام الشرع، نُسأل ونُفتي ونُجيب وهذا مهم جدا لإيجاد رأي عام مؤثر وقوي، ثم النص على الدستور واحترام الدستور بعد ذلك ولن يحترم الدستور إلا برأي عام قوي وإلا بأغلبية واعية وفاهمة، ونحن نسعى في هذه الفترة إلى إظهار هذه الأغلبية، لا أقول إنشاء هذه الأغلبية لأنها موجودة لكن نسعى إلى إظهارها بقدر من التأليف وبقدر من الجمع والاجتماع لكي نحقق المصالح التي نرجوها لأمتنا ولوطننا.
سنطبق إن شاء الله الإسلام بفضل الله لا نقول كما طبقه الراشدون لأن الراشدون لهم آليات لزمانهم ونحن لنا آليات لزماننا، عمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق كان يجمع الناس ويشاورهم في المسجد، نحن الآن نستطيع أن نصنع مجلس الشورى أو مجلس النيابي كل هذا جائز ليس ممنوعا، المهم أن هذه المجالس لا تنكر معلوما من الدين بالضرورة أو لا تأتي بما يخالف معلوم من الدين بالضرورة، ثم نبدع حكومة أو وزارة أو رئيس أو ملك وبرلمانات وجمعيات شعبية وأحزاب، كل هؤلاء يبدعون في خدمة البلد وفي النهوض به، بشرط أن تبقى أصول الشريعة والمستقر عليه من الأحكام الشرعية بعيدة عن التغييب أو التغيير أو التبديل.
لماذا يخجل السلفيون من خوض غمار التجربة الحزبية والنزول إلى الشارع بدلا من الاعتماد على الخطب والدروس والمواعظ الدينية وحدها، ألا يعد ذلك إقصاء لهم بأيديهم لا بيد عمرو أو زيد؟!
فرق بين السلفيين وبين دعاة السلفية، أنا عندي أن الداعية إذا ترك دعوته وتفرغ للانتخابات وللحملات ستفقده الدعوة، ربما يحقق مصلحة في مجال السياسة لكن سيترك مصالح عديدة في مجال الدعوة؛ فإذا كان الله سبحانه وتعالي قد وفق لنا أن نكون دعاة مؤثرين في المجتمع فلا ينبغي علينا أن نتخلى عن هذا الدور، ثم إن من أبنائنا ومن إخواننا ومن آبائنا من اقتنع بهذا الفكر من يتصدون لهذا، والأصل أن الشخص الواحد لا يقوم بكل الأعباء، الأصل تقسيم الأدوار وتوزيع الأدوار، ونحن سندعم كل صاحب فكر سلفي مهندساً كان أو طبيباً أو مستشارا أو محاميا أو أستاذا جامعيا إذا حمل لواء هذا الفكر إصلاح البلد، فإذا لم نجد هذا الذي نثق فيه أيضا سنضع أيدينا في أيدي التيارات الأخرى "الإخوان المسلمين" وغيرهم ؛ لنختار أصلح المطروحين وأصلح الموجودين للوصول إلي أفضل الصور التي نرضى عنها ونعتقد أنها ترضى ربنا عز وجل.
هل يضمن السلفيون إذا ما وصلوا إلى سدة الحكم تطبيق الإسلام العادل على الحاكم قبل المحكوم دون لف ولا دوران ولا زئبقية كما فعل الذين من قبلهم حينما نصبوا أنفسهم آلهة تعبد في ظل قوانين سيئة السمعة تعاني مصر منها إلى الآن؟!
كما قلت لك نحن لا نسعى لكرسي الحكم، ودعاة السلفية يوفرون همهم وجهدهم على الدعوة، وليس معنى هذا أن الفكر السلفي أو المقتنعين بالفكر السلفي سيتركون هذا المجال كلا بالطبع، هم سيؤسسون الأحزاب وسيشاركون ونحن لن ندعمهم بالعصبية لأنهم سلفيون ونحن سلفيون، لكن سندعم من يقنعنا ببرنامج مفيد وآليات لتطبيق هذا البرنامج ممكنة، سندعم من يقنعنا وسندعو الناس لدعمه.
قضية إن الحاكم يعبث بالرعية هي قضية الاستبداد والجهل، يعني لا يستبد إلا ظالم ولا يستبد ظالم إلا بقطيع جاهل، ولذلك نحن لو عرفنا وتعلمنا آلية منع الاستبداد التي عرفها أهل السنة والجماعة قديماً وقالوا إن الخروج بالسيف ليس هو الآلية المناسبة، وإنما قالوا الأمر له بالمعروف والنهي له عن المنكر، وطاعته في طاعة الله ومعصيته في معصية الله، ولا تكن عونا له ولا مساعدا له ولا عميلا عنده إذا كان يأمرك بالظلم وبمخالفة الشرع، بهذه الصورة يقل الاستبداد وربما ينمحي الاستبداد ولدينا مثل شائع في مصر : قالوا لفرعون إيه فرعنك قال لم أجد من يمنعني (!!)، وأنا أريد أن أصوغ هذا المثل مرة أخري: قالوا لفرعون ما الذي جعلك هكذا تأمر وتنهي ولا يعترض عليك احد قال لم أجد من يأمرني بالمعروف وينهاني عن المنكر ويمنعني من الظلم، وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، قيل: يا رسول الله، أنصره مظلوماً، فكيف أنصره ظالماً؟! قال: "تحجزه أو تمنعه عن ظلمه فإن ذلك نصره"، هكذا قال النبي بأبي هو وأمي.
رفض السلفيون مليونية الزحف إلى الحدود المصرية الفلسطينية، مؤكدين أن فلسطين لن تتحرر إلا بطريقة واحدة وهى الحرب، ولكن الوقت ليس الآن، ألا يثلج ذلك صدر إسرائيل ويجعل السلفية أكثر القوى ضمانا لبقائها مدة أطول بعد رحيل مبارك ولو كان ذلك عن غير قصد؟!
نحن لم نحبذ هذا الزحف الشعبي إلى قطاع غزة لأننا خشينا على أهلنا وعلى إخوتنا من هذه المغامرة غير المحسوبة، وأنت رأيت الذين زحفوا من لبنان أو من سوريا على الجولان ماذا صنعوا، إنما هي فرقعة إعلامية لم يجنوا منها شيئا وقتل في هذا اليوم قرابة العشرين وجرح الكثيرين ثم عادوا إلى ديارهم وما فعلوا شيئاً، وهذا ما يثلج صدر إسرائيل، ولكن الذي يأقط أو يضايق إسرائيل أن تعرف أن هناك من يعد العدة ومن يجيش الناس ضدها، وتجييش الناس كما قلنا ليس بالأماني والأمنيات وإنما بالعمل، نحن نحتاج إلى قوة قال ربنا :" واعدوا لهم ما استطعتم من قوة"، وطوال عمر مصر وهي تقوم بالدور الأكبر في الكفاح المسلح ضد العدو الإسرائيلي وحماية حقوق الفلسطينيين، لكن حينما تكون مصر ضعيفة اقتصاديا وعسكريا من يتصدي ومن يقوم ؟!، لا تبقي إلا المقاومة الشعبية في قطاع غزة وفي سائر فلسطين، ونحن ندعمها بكل قوة وبكل شدة ما استطعنا، ولكن نريد أن نؤسس دولا قوية دولة مصرية قوية ونرجو أن يكون هناك تحالف وائتلاف مصري تونسي ليبي مع السودان، ونستغل هذه الظروف المتغايرة لنوجد هذه القوة الاقتصادية والعسكرية، لأننا أصبحنا نقسم والتقسيم أصبح "على عينك يا تاجر"، فإذا لم نأتلف بعد هذه الثورات وبعد هذه المتغيرات فإن هذا ما ترجوه إسرائيل وتقر به عينها وإسرائيل إلى زوال، كل عاقل يعرف هذا والرسول يبشرنا بهذا أنه لن تقوم الساعة حتى يقاتل آخر هذه الأمة اليهود، سيأتي هذا اليوم ونعلم صدق نبينا صلي الله عليه وسلم لكن هذا اليوم لن يأتي إلا بجند اخذوا الحيطة والحذر واعدوا العدة المناسبة ولجئوا إلى الله واعتمدوا على الله فيزيل الله بهم كل ظلم وكل منكر بإذنه سبحانه وتعالي.
لماذا خرج السلفيون الآن بمظاهرات وأيدوا انتفاضات واحتجاجات مع أنهم كانوا يحرمون ذلك قبل قيام الثورة، ويرفضون الخروج على الحاكم سبيلاً للتغيير، ألا يعد ذلك برجماتية في استعمال الوسائل التي سبق وحذروا منها غيرهم؟!
التظاهر يا أخي نحن لا نحرمه ولكن نقول إذا ترتبت عليه المفاسد نمنعه وإذا ترتبت عليه المصالح نؤيده، وليس هناك حكم شرعي يقول التظاهر حلال أو حرام لكن في حكم مبني على النتائج أو توقع النتائج ؛ فإذا غلب على الظن أن مصالحها أكثر من مفاسدها أيدناها وإذا كان العكس عارضناها، وهكذا يقول الفقيه وهكذا يقول العاقل، والتيار السلفي تيار عقلاني وعلمي، ودائما تجد الشاب السلفي يسألك عن الدليل إذا ذكرت له مسألة عقدية أو شرعية أو فقهية، ولا تجد في التيار السلفي سمع وطاعة عمياء لمن يقوده أو من يعلمه، إذن هي تيارات كثيرة فإذا قام تيار باختيار ما فهو مجتهد يخطئ ويصيب فكيف نعمم اختياره واجتهاده على سائر التيارات الأخرى؟!، هذا ما لا أرتضيه.
أيضا أقول إنه ليس كل السلفيين خرجوا في مظاهرات، هناك سلفيون إلى اليوم يحرمون المظاهرات، وهناك سلفيون لم يخرجوا أبداً في مظاهرات، وهناك بعض الذين خرجوا يعلنون رأيهم بكل وضوح بدون إيذاء كما خرج بعضهم لينكر على أجهزة الدولة أن تسلم امرأة مسلمة إلى الكنيسة لتفتنها عن دينها، لكن كل هذا موجود في الساحة السلفية، وفي الجماعة السلفية، لكن التعميم هو الخطأ أقول السلفيون فعلوا ..السلفيون قالوا.. حتى لما حدثت مشاجرة في قنا وقطعت أذن مسيحي قالوا السلفيون قطعوا أذن مسيحي، وهذا كلام في غاية الفجاجة، حتى ولو كان الذي قطع الأذن سلفي فهو رجل سلفي يحاسب ويعاقب، لكن اتضح بعد ذلك أنها مشاجرة عادية انتهت بالتصالح وبرئ السلفيون، ولما اعتدي بعض الأهالي على امرأة سيئة السمعة وطردوها من الحي الذي تسكن فيه قالوا السلفية أجبرت امرأة على ترك منزلها ثم ثبت أن السلفيين لم يفعلوا شيئا من هذا (!!)، هذه الحرب الموجهة ضد السلفية هي حرب الخوف وهي إيجاد الفزاعة الجديدة.
والمظاهرات السلمية ليست خروجا كما قلنا مرارا وتكرارا، وإنما الخروج هو الخروج المسلح لإزاحة الحاكم والجلوس مكانه، وهذا يؤدي إلى سفك دماء كثيرة لأن هذا يكون بين جيشين متكافئين أحدهما للحاكم والآخر للخارجين عليه ومن معه ممن يحملون السلاح، وهذا في الظن يسبب مفاسد كثيرة ويقتل من الأبرياء الكثيرون بسبب مثل هذا القتال.
كيف تقرأ السلفية ملف الفتنة الطائفية الجاري في مصر، وما هي الحلول التي تضعها للخروج من نفق أزمة المختطفات في الكنائس، وما نتيجة الفاعليات التي يشارك فيها السلفيون حالياً جنبا إلى جنب مع قساوسة يتهمونكم بالتطرف وتلقي التمويل من الخارج، وذلك على ضوء ما جرى من مظاهرات قام بها أقباط المهجر أمام السفارة السعودية في هولندا؟!
نحن ضد الفتنة مطلقا والرسول حذرنا من الفتن وأنها ربما تجر إلى أمور الله بها عليم من المفاسد، أيضاً نحن نتعايش مع غير المسلمين نصارى أو يهود، نتعايش معهم بمقتضى أحكام شريعتنا أن كانوا جيران فلهم حق الجوار وان كانوا زملاء في العمل فلهم حق الزمالة وان كانوا شركاء لنا في الوطن فلهم حق المواطنة، ولكن ليس من حقهم أن يمنعوننا من تطبيق أحكام شرعنا كما ليس لنا أن نجبرهم أن يلتزموا بأحكام شريعتنا، وإذا كان بابا النصارى في مصر قد لجأ إلى المادة الثانية التي تقول أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ليحل إشكالية كنسية حينما قضت محكمة القضاء الإداري لرجل نصراني أن تزوجه الكنيسة فرفضت الكنيسة وطعن على الحكم فحكمت المحكمة بتزويج الرجل فأبت الكنيسة وقالت لن تخالف المسيح من اجل حكم قضائي، وكان هذا أواخر عهد مبارك ولم تحل هذه الإشكالية إلا باللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا واعتبار المادة الثانية من الدستور أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع وان الله يقول (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه)، فتركنا لهم أحكامهم وما يدينون في أحوالهم الشخصية، هذه هي الدولة المسلمة انظر كيف فعلت معهم وكيف وجدوا فيها المخرج، لكن مطلق الدولة المدنية العلمانية كانت ستضيق عليهم ولن يجدون مثل هذا المخرج ويصبح الحكم في النهاية حكم للقاضي في مسألة كنسية بحتة أو لاهوتية بحتة، لتكون الدولة مدنية حقاً لابد أن نفصل بين ما هو ديني وما هو مدني، الأمور الدينية لابد فيها من الأحكام الشرعية ولهذا إمام المسجد لابد أن يكون حافظا لكتاب الله متخرجا من جامعة أزهرية عنده قدر من الفقه والعلم ليؤم الناس في المسجد، لكن لا نقول نأتي بموظف مدني ليؤم الناس في المسجد، هنا حتى أي دولة مدنية صاحبة دين تعرف الفرق بين هذا وذاك وتقيم هذا الفرق.
وليس عندنا إشكالية مع الأقلية غير المسلمة بل نحن نحميهم ونحرص عليهم ونحافظ عليهم ولا نعتدي عليهم ولا نظلمهم، حتى وإن أبغضناهم أو كرهناهم لا نظلمهم وأنا أقول "إن"، يقول ربنا " وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ "، كيف ونحن في الحقيقة لا نبغضهم ولا نكرههم لكننا نرجو لهم الخير ندعوهم إلى الله ندعوهم إلى الحق نجادلهم بالتي هي أحسن دون أن نثير إشكاليات ودون أن نثير مشاكل.
وملف الفتنة الطائفية في مصر صنيعة أمنية وصنيعة النظام السابق وصنيعة فلول النظام السابق اليوم، وبعض الذين يدندنون حول اتهام السلفية، السلفية براء من كل هذا، السلفية وقفوا يحمون الكنائس بعد 25 يناير حينما غابت الشرطة لم يعتد على كنيسة واحدة، وحينما اعتدي البلطجية على كنيسة في حلوان واستغل بعض السذج قال الجميع السلفية...!!
وقضية التحاور مع القساوسة أنا لا أمنعها، وأنا لم أجلس مع قسيس للتحاور لأنني لن أجلس إلا إذا كانت مائدة الحوار مائدة تسمح لي بحسن العرض وحسن الكلام، أما الفصيل السلفي الذي يمثل مدرسة الإسكندرية فهو يجلس ونحن لا نرفض هذا، لكن نقول لابد أن يكون الجلوس على مائدة تحقق لهم الحد الأدنى من حسن العرض والدفاع عن النفس، وعدم خلط الأوراق وعدم اتهام البعض بما يفعله الآخرون فربنا سبحانه وتعالي يقول (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).
وتفعيل القانون هو الحل الوحيد لحماية المصريين فإذا أسلمت امرأة بمجرد أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله صارت مسلمة، وإذا اسلم رجل بمجرد أن ينطق الشهادة صار مسلماً له ما لنا وعليه ما علينا، نعم النظام عندنا وضع إجراءات للتسجيل وهذه لا تعني أنها إجراءات إسلام، الإسلام يكفي فيه إعلان الإنسان الذي ارتضاه ديناً أنه مسلم، أما تسجيل الإسلام وإشهاره فهذه مسألة أخرى، ولا يجوز لنا أن نسلم مسلما أو مسلمة لغير المسلمين ليردوه عن دينه أو يردوها عن دينها ويفتنونها عن دينها هذا لا يجوز، ولهذا لن تحل هذه المشكلة إلا بمراعاة وضمان الحرية في المجتمع المصري والله أعلم، وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.