\r\n إن الأسعار في الولاياتالمتحدة منخفضة للغاية بالنسبة للمسافرين إليها من أوروبا وآسيا، مقارنة بالأسعار في بلدانهم. فأسعار الفنادق أو العشاء في مطاعم نيويورك تبدو صفقة جيدة إذا ما قورنت بنظيراتها في لندن أو باريس أو طوكيو. ويحرص المتسوقون من الخارج علي شراء نطاق عريض من المنتجات الأمريكية قبل العودة إلي بلدانهم. \r\n \r\n ولكن علي الرغم من هذا الدليل الواقعي الملموس، إلا أنه من الخطأ أن نستنتج أن السلع في الولاياتالمتحدة أصبحت رخيصة للغاية بسعر الصرف المعمول به الآن حتي بات من اللازم أن يرتفع سعر الدولار عن مستواه الحالي. فرغم أن السلع والخدمات التي يشتريها المسافرون قد تكلفهم في الولاياتالمتحدة أقل مما قد تكلفهم في الخارج، إلا أن السعر الإجمالي للمنتجات الأمريكية ما زال أعلي كثيراً من أن يسفر عن محو خلل التوازن التجاري الهائل بين الولاياتالمتحدة وبقية العالم. \r\n \r\n لا شك أن هبوط الدولار علي مدار الأعوام القليلة الماضية كان سبباً في إكساب المنتجات الأمريكية قدرة أعظم علي المنافسة وارتفاع القيمة الحقيقية للصادرات الأمريكية بصورة حادة سجلت قيمة صادرات الولاياتالمتحدة ارتفاعاً بلغ 25% في غضون الأعوام الثلاثة الماضية. ولكن العجز التجاري أثناء العام 2007 ظل أعلي من 700 مليار دولار أمريكي، أي حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. \r\n \r\n إن العجز التجاري الضخم وما صاحبه من عجز هائل في الحساب الجاري (والذي يتضمن صافي الدخل من الاستثمارات) يعني ضمناً أن المستثمرين الأجانب لابد وأن يضيفوا إلي حافظات استثماراتهم ما قيمته 700 مليون دولار من سندات الولاياتالمتحدة. وبالتالي فإن امتناعهم عن ذلك بسعر الصرف الحالي كان سبباً في انخفاض قيمة الدولار نسبة إلي عملاتهم. وبانخفاض قيمة الدولار تنخفض قيمة السندات الدولارية في حافظات الاستثمار الأجنبية حين يتم تقييمها باليورو أو أي عملة أخري، الأمر الذي يؤدي إلي تقلص حصة الدولار في حافظات الاستثمار الأجنبية. كما يؤدي الدولار الأضعف أيضاً إلي تقليل خطر استمرار قيمة الدولار في الانحدار في المستقبل، لأن هذا يعني أن هبوط الدولار لابد وأن يكون أقل في المستقبل لتحويل دفة التوازن التجاري نحو مستوي أكثر ثباتاً. \r\n \r\n ولكن ما هو ذلك المستوي الثابت للتوازن التجاري والدولار؟ رغم المحاولات التي يبذلها الخبراء للإجابة علي هذا التساؤل، إلا أن نقطة الانطلاق الأكثر أهمية تتمثل في حقيقة مفادها أن العجز التجاري الأمريكي يعني أن الأمريكيين يستقبلون من السلع والخدمات من بقية العالم أكثر مما يرسلون إليه بما قيمته 700 مليار دولار في العام الماضي. ولقد عملت الحكومة الأمريكية علي تمويل هذا الفارق بتحويل أسهم وسندات بقيمة 700 مليار دولار. وسوف تضطر الولاياتالمتحدة إلي تسديد فوائد وأرباح هذه السندات عن طريق إرسال المزيد من قطع الورق . وحين يأتي موعد سداد هذه السندات فسوف تعيد الولاياتالمتحدة تمويلها بإصدار المزيد من الأسهم والسندات. \r\n \r\n لا أحد يستطيع أن يتصور أن النظام الاقتصادي العالمي سوف يستمر إلي ما لا نهاية في السماح للولايات المتحدة بأن تستورد من السلع والخدمات أكثر مما تصدره. فعند نقطة ما سوف يكون لزاماً علي الولاياتالمتحدة أن تبدأ في إعادة تسديد الكمية الهائلة التي تلقتها من بقية العالم، ولكي تفعل ذلك فلسوف تحتاج إلي فائض تجاري. \r\n \r\n هذا يعني أن العامل الرئيسي في تحديد قيمة الدولار علي الأمد البعيد يتلخص في ضرورة انحداره إلي المستوي الكافي لتحويل التوازن التجاري من عجز اليوم إلي فائض في المستقبل. ولن يحدث ذلك في أي وقت قريب، ولكن هذا هو الاتجاه الذي يتعين علي التوازن التجاري أن يستمر في التحرك نحوه. وهذا يعني المزيد من تخفيض قيمة الدولار. \r\n \r\n من بين العوامل التي ستشكل أهمية في هذه العملية، سعر النفط في المستقبل ومدي اعتماد الولاياتالمتحدة علي الواردات من النفط. ففي كلٍ من الأعوام الأربعة الماضية استوردت الولاياتالمتحدة 3.6 مليار برميل من النفط. وبالسعر الحالي الذي تجاوز المائة والأربعين دولارا للبرميل، فإن هذا يعني أن تكاليف الاستيراد تتجاوز الخمسمائة مليار دولار. وكلما ارتفعت تكاليف استيراد النفط كلما كان من الضروري تخفيض قيمة الدولار من أجل تقليص حجم العجز التجاري. وعلي هذا فإن استمرار أسعار النفط في الارتفاع، حين تقاس باليورو أو الين، يعني المزيد من الهبوط في قيمة الدولار، ويعني بالتالي المزيد من الارتفاع في أسعار النفط حين تقاس بالدولار. \r\n \r\n ثمة اعتبار واحد آخر علي قدر عظيم من الأهمية حين نفكر في قيمة الدولار في المستقبل: والذي يتلخص في معدلات التضخم النسبية في الولاياتالمتحدة والخارج. إذ أن عجز الولاياتالمتحدة التجاري يعتمد علي القيمة الحقيقية للدولار - وهذا يعني قيمة الدولار معدلة وفقاً للاختلافات في مستويات الأسعار في الولاياتالمتحدة والخارج. وإذا ما شهدت الولاياتالمتحدة المزيد من الارتفاع في معدلات التضخم مقارنة بالأنماط التجارية الحالية، فلابد وأن تواصل قيمة الدولار الاسمية هبوطها سعياً إلي الاحتفاظ بنفس القيمة الحقيقية للدولار. \r\n \r\n إن فارق التضخم بين الدولار واليورو بسيط نسبياً الآن - حوالي نقطة مئوية واحدة سنوياً - إلا أنه أعظم نسبة إلي الين وأقل نسبة إلي الرينمينبي (عملة الصين) والعملات الأخري في البلدان التي تعاني من ارتفاع معدلات التضخم. ولكن علي الأمد الأبعد قد تشكل الفوارق في التضخم قوة علي قدر عظيم من الأهمية في تحديد المسار الذي قد يسلكه الدولار في المستقبل. \r\n \r\n مارتن فيلدشتاين أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة هارفارد الأمريكية. \r\n